يتعرض رئيس حكومة باكستان عمران خان للانتقادات من وسائل الإعلام بسبب فشل حكومته في إحراز تقدم واضح في الملفات الاقتصادية والسياسية، وفي مواجهة وباء "كوفيد-19" بشكلٍ حاسم.

كان خان في الماضي من أكثر المسؤولين شعبية في باكستان، واعتبره الكثيرون "منقذ البلاد" الذي يستطيع أن يُخرِج باكستان من مشاكلها الهائلة التي تتراوح بين سوء الإدارة الاقتصادية والفساد والإرهاب وتدهور صورتها في أنحاء العالم، فحين كان خان في معسكر المعارضة، لطالما تكلم من منطلق أخلاقي عالي المستوى، لكن يبدو أن أفكاره المثالية رفعت سقف التوقعات المنتظرة منه بما يفوق قدراته الحقيقية.

Ad

أثار أداء حكومته في آخر 20 شهراً استياء جزء كبير من أشرس مناصريه في وسائل الإعلام وفي أوساط ناخبيه، لا سيما الطبقة الوسطى وفئة الشباب، حتى أنه لم يُعجِب صانعي القرار في الجيش، أقوى مؤسسة باكستانية على الإطلاق، ويظن الكثيرون أن الجيش هو اللاعب الضمني الصامت الذي يُعيّن القادة وحكوماتهم في باكستان ويُسقِطهم حين يشاء.

«كوفيد-19» واستجابة حكومة خان

في 13 أبريل، قال رئيس المحكمة العليا جولزار أحمد خلال جلسة استماع في قضية معزولة: "لم يُسجَّل أي تحسّن في أداء الحكومة الفدرالية للتعامل مع الوباء"، فكان وقع تعليق كبير القضاة في باكستان قاسياً غداة استجابة فاترة من الحكومة التي قررت إقفال المدن وتقديم مساعدات فورية إلى المحتاجين.

ظهر فيروس كورونا الذي كان السبب في انتشار وباء "كوفيد-19" في مدينة "ووهان" الصينية في شهر يناير من السنة الماضية، وفي باكستان تأكدت أول إصابة في 26 فبراير، ومنذ ذلك الحين فشلت الحكومة المركزية الباكستانية في طرح استراتيجية واضحة حول فرض تدابير الإقفال التام في البلاد أو إبقاء المدن مفتوحة، لذا ساد تخبّط كبير في طريقة التعامل مع واحدة من أخطر المسائل في العقود الأخيرة.

في الأسبوع الماضي، أطالت حكومة خان مدة "الإقفال التام" لأسبوعَين إضافيَين، لكنها سمحت بإقامة صلاة الجمعة في المساجد وبفتح بعض المتاجر والشركات، فضلاً عن استئناف العمل في قطاع البناء.

هذه التدابير الجزئية منحت معظم الباكستانيين عذراً لانتهاك قرار الحظر، علماً أنهم لم يصدّقوا أصلاً انتشار الفيروس وترددوا في اعتبار الوباء تهديداً حقيقياً، وحتى الجماعات التي التزمت بالتدابير الوقائية ليست متأكدة من صوابية الإقفال التام.

فضيحة السكر

في حين ينتشر وباء كورونا ويحصد الأرواح في باكستان وبقية بلدان العالم، تسرّبت نتائج تقرير استقصائي إلى وسائل الإعلام، وتكلم التقرير عن تورط شركاء خان الأساسيين وأعضاء من حكومته في افتعال أزمة نقص السكر الاصطناعي في البلد خلال السنة الماضية، فكسبوا بذلك أموالاً طائلة.

على مر عقود، بنى عمران خان سمعته كمناهض للإثراء غير المشروع وكان يتّهم خصومه بسرقة ثروات البلد وإرسال الأموال إلى الخارج، وجاءت فضيحة السكر لتسيء إلى سمعة خان في حين تواجه حكومته وضعاً صعباً نتيجة تباطؤ تعاملها مع أزمة "كوفيد-19".

كان انتشار فيروس كورونا كفيلاً بتحويل الأنظار عن السياسة لفترة، لكن تسري شائعات مفادها أن أبرز داعمي خان في المؤسسة العسكرية سئموا بدورهم من طريقة حكمه وأدائه.

تغيير في الأفق؟

حين استعمل نواب المعارضة في البرلمان الباكستاني عبارة "رئيس الوزراء المختار" بشكلٍ متكرر بعدما حلف خان اليمين، كانوا يعرفون جيداً الجهات التي "اختارته"، ومن الواضح أنهم يلمحون إلى الجيش النافذ ووكالاته الاستخبارية.

كُتِبت مقالات كثيرة عن طريقة وصول "حركة الإنصاف الباكستانية" التي يرأسها خان إلى السلطة عبر سجن كبار قادة أهم حزبَين معارضَين ("رابطة مسلمي عموم باكستان" بقيادة رئيس الوزراء السابق نواز شريف، و"حزب الشعب الباكستاني" بقيادة الراحلة بينظير بوتو ويشارك اليوم في رئاسته ابنها بيلاوال بوتو وزوجها آصف علي زرداري) قبل الانتخابات البرلمانية في يوليو 2018 وخلالها.

بلغ خان أعلى المراتب بكل بساطة لمنع هذين الحزبَين البارزَين من الوصول إلى السلطة، لقد تعلم قادة المعارضة درساً قاسياً عن ضرورة أن يحلوا خلافاتهم ويعالجوا مشاكل البلد على ضوء الدستور.

يتعلّق سبب محتمل آخر بالكاريزما التي يتمتع بها خان وبصورته "النظيفة"، وبشكل عام كان الهدف الفعلي يرتبط بمكافحة الفساد وتقوية الاقتصاد عبر جذب استثمارات دولية وتحسين صورة باكستان على الساحة العالمية بعدما تشوّهت بشدة نتيجة نزعتها إلى دعم حركة "طالبان" في الحرب على الإرهاب غداة اعتداءات 11 سبتمبر.

شكّل ظهور المعايير الديمقراطية وثقافة التنوع السياسي في السياسة الباكستانية بين العامين 2008 و2018 مؤشراً تحذيرياً للقوى غير الديمقراطية، وخلال هذه الفترة تحديداً، صادق البرلمان على التعديل الثامن عشر الذي ينقل الصلاحيات من مركز السلطة إلى الوحدات الفدرالية ويضعف صلاحية الرئيس بحل الجمعيات، وغيّر ذلك القانون أيضاً تعديلات كثيرة كان قد فرضها الحكام العسكريون لإضعاف المسار الديمقراطي.

يبدو أن الديمقراطية زادت قوة في باكستان وأنهت حكومتان مُنتخبتان (ولو من دون رئيسَي الوزراء المُنتخبَين أصلاً) ولايتهما الممتدة على خمس سنوات من دون مشاكل بين العامين 2008 و2018 للمرة الأولى في تاريخ باكستان، لكنّ انتخاب عمران خان مجدداً أعاد باكستان إلى حقبة التسعينيات كونه فتح أبواب التشهير وأيّد التدخل العسكري.

كان قادة الجيش وخان، خلال السنة الأولى من حكمه، يكررون بكل فخر أن الطرفَين "على الموجة نفسها"، ما ينفي أي خلافات بينهما، لكن أغفلت الصحافة الوطنية على ما يبدو تغطية مظاهر ذلك "الوفاق" على مر 20 شهراً.

إلى أين؟

بشكل عام، يقال إن القادة النافذين مستاؤون من أداء خان، لكن يبدو أنهم لا يعرفون ما يجب فعله لتغيير ما حصل لأسباب عدة.

في المقام الأول، لا تبدي أحزاب المعارضة استعدادها لدعم أي خطوة غير دستورية لإقالة رئيس الوزراء أو إسقاط حكومته، ويشتق هذا الموقف من سببَين:

أولاً، يبدو أن النضج السياسي الذي اكتسبته هذه الأحزاب في العقدين الأخيرين يمنع قادة أهم حزَبين معارضَين ("حزب الشعب الباكستاني" و"رابطة مسلمي عموم باكستان") من تأييد أي خطوات غير دستورية، حتى لو كان الضحية خصماً قوياً لهما مثل عمران خان.

ثانياً، لا يحمل قائدا حزبَي المعارضة، نواز شريف وآصف علي زرداري، ذكريات إيجابية عن طريقة التعامل مع الجيش حين كان الأول رئيس وزراء، والثاني رئيساً للبلاد، ولا شك أنهما يترددان في السماح لحزبَيهما بتحقيق غاية السلطات النافذة بالتخلص من الرجل الذي اختارته بنفسها.

يُنسَب نصف إخفاقات عمران خان إلى الجيش نظراً إلى اقتناع الكثيرين بدور هذه المؤسسة في ضمان فوزه في الانتخابات.

قد تطرح شعبية خان بين الشباب مشكلة جدّية أخرى، ومن الواضح أن شعبيته بدأت تتراجع عموماً، لكنّ أتباعه الأوفياء لن يتقبلوا إقالته المبكرة من السلطة بسهولة.

سبق أن خسر الجيش نسبة كبيرة من الدعم والتعاطف في منطقة البنجاب التي تشهد أكبر عمليات التجنيد العسكري بسبب تهميش نواز شريف، الزعيم الأكثر شعبية في بلدته الأم البنجاب، فالوقت ليس مناسباً إذاً لتأجيج خلاف مع رجلٍ له شعبية واسعة ومع قاعدة مناصريه.

لم يخسر خان دعم الجيش ويثبت ضعف أداء حكومته في الملف الاقتصادي وجميع جوانب الحكم فحسب، بل إنه يواجه أيضاً مصاعب داخل حزبه، فقد تقرر جماعات موالية لقادة فرعيين في الحزب زعزعة الوضع حين تصبح مصالحها على المحك، فعلى باكستان أن تتحمّل هذا الوضع المضطرب حتى صدور النتائج النهائية للتقرير الاستقصائي في 25 أبريل، وستكون هوية الرؤوس المُهددة وطريقة إسقاطها مسألة جوهرية.

جاءت أزمة "كوفيد-19" لتؤكد ضعف الأداء الحكومي وتوسّع الفجوة بين عمران خان والجيش، لكنها ستمنع على ما يبدو حصول أي تغيير سياسي خلال الأشهر القليلة المقبلة.

• داود خاتاك