كانت البداية مع الفرقة التي أسسها المحامي عبد الرحمن رشدي الذي كان قد هجر المحاماة من أجل التمثيل، إلا أن زكي لم يستقر معها طويلا وسرعان ما انتقل إلى فرقة "أولاد عكاشة"، ومرة أخرى تكمل المصادفة التي دفعته للفن مهمتها عندما رتبت له لقاء عابرا مع الفنان عبدالوارث عسر، والذي كان يحرص على متابعة نشاط فرق الهواة التي كانت منتشرة في تلك الفترة لمشاهدة عروضها، فعرض عليه الانضمام إلى فرقة "أنصار التمثيل" والتي كان عضوا بها، بنظرته الثاقبة أدرك حجم موهبته و"فطرته" للأداء السليم، ومن جانبه تحمس زكي فخطوة أخرى تعني خبرة أكثر وخطوة نحو الحلم، إلا أن زكي لم يتخيل أن هذه المصادفة ستسهم في نقله من عالم الهواية إلى الاحتراف، وذلك عندما شاهده المسرحي الكبير الراحل جورج أبيض في أحد العروض، فأعجب بأدائه، ومن ثم قرر ضمه إلى فريقه.
كان جورج أبيض منذ عودته من بعثته في فرنسا واحترافه التمثيل، محل تقدير وإعجاب من الشباب المثقفين ليس فقط لموهبته وبراعته ونجاح عروضه، ولكن لحرصه على تشجيع فرق الهواة، وعلى أن يطعم فرقته بين الحين والآخر بتلك المواهب الشابة مثل زكي رستم، وأسماء أخرى لعل أبرزها الراحل زكي طليمات، ومحمد عبد القدوس، وعبد الوارث عسر وأسماء أخرى، باختصار كان حريصا على تشجيع الهواة وتمهيد الطريق لظهور مواهب أخرى.وفي حواراته حكى الراحل زكي رستم كيف كان مبهورا وسعيدا في نفس الوقت حينما اختاره "الأستاذ" جورج أبيض للمشاركة في فرقته، إذ لم يتخيل يوما حينما كان يجلس مبهورا في صالة العرض يتابع هذا العملاق وهو يصول ويجول ويبدع على خشبة المسرح أنه سيأتي يوم يقف فيه معه على نفس الخشبة لا يفصل بينهما إلا بضع خطوات، بل "يشخص" أمامه وتحت إدارته، حيث شارك معه في عروض مثل" عطيل"، "مضحك الملك"، "طرطوف" وغيرها.
انتقالات
ورغم أن زكي رستم برع في أداء هذه الأدوار التي أسندت له في فرقة جورج أبيض والتي كانت تضم أيضا النجوم سليمان نجيب، بشارة واكيم، حسين رياض، عبد الفتاح القصري، فردوس حسن ودولت أبيض، إلا أنه لم يستمر طويلا في تلك الفرقة التي سرعان ما توقف نشاطها بعدما غادر مؤسسها جورج أبيض البلاد إلى بيروت بسبب سوء حال المسرح والعثرات التي واجهها.في تلك الفترة "النصف الثاني من عشرينيات القرن الماضي" كان الفنان يوسف وهبي قد نجح في تأسيس فرقته المسرحية "رمسيس" والتي ضمت كوكبة من نجوم هذا العصر ومن بينهم روز اليوسف، زينب صدقي، فاطمة رشدي، أحمد علام، مختار عثمان، حسن فايق، استيفان روستي، حسن البارودي، أمينة رزق، روحيه خالد وعزيزة أمير وغيرهم، وقد نالت عروض الفرقة التي حملت توقيع عزيز عيد مخرجا الكثير من النجاح مما حمس زكي رستم للانضمام للفرقة خصوصا بعدما ذاع صيته وأصبح معروفا ومن ثم مطلوبا على مستوى الفرق الأخرى المنافسة. وهكذا بروح المغامر الراغب في التعلم واكتساب الخبرات، الباحث عن مكانة أكبر ونوعيات مختلفة من الأدوار التي تشبع موهبته وتظهر الكامن فيها، انتقل رستم للعمل في فرقة رمسيس وشارك بالفعل في عدد من أبرز عروضها على مدى 5 سنوات منها "كرسي الاعتراف"، "راسبوتين"،"المائدة الخضراء"،"يوليوس قيصر"، "عطيل" "الوطن" و"الجيش" وغيرها من العروض، حيث كانت الفرقة تقدم عرضا جديدا كل أسبوع.وفي عام (1926) كتبت مجلة المستقبل تثني على أدائه في مسرحية "الجيش" (قام زكي رستم بدور الكولونيل في مسرحية الجيش فكان حدثا جديدا، إذ اكتشفنا فيه ممثلاً كوميدياً كبيراً وناضجاً)، وهو الدور الذي فاز عنه رستم بالجائزة الثانية في الكوميديا ضمن المسابقة التي كانت تنظمها وزارة الأشغال حينذاك لتشجيع التمثيل، وفي نفس المسابقة أيضا فاز بالمرتبة الأولى ولم يكن قد تجاوز الثالثة والعشرين من عمره، ليكون بذلك ندا لأبرز نجوم المسرح في ذلك الوقت الذين سبقوه لنفس الجائزة أمثال جورج أبيض ويوسف وهبي، وأحمد علام وزينب صدقي.الطريف أن سليل الباشوات لم يكن يتقاضى أجرا عن مشاركته في عروض فرقة رمسيس ولفترة طويلة، بل لم يطالب بالأجر أصلا فلقد كان معتدا بكرامته، ومن جانبه اعتبره يوسف وهبي "هاويا" ميسور الحال رغم اعتماده عليه في أدوار مهمة، لكن مع نجاحات زكي ورغبة وهبي في الاحتفاظ به ضمن فريقه خصص له أجرا مناسبا يليق بموهبته.الوعي
في عام 1930 حدث خلاف كبير بين يوسف وهبي وعزيز عيد ترك على أثرها الأخير الفرقة ليؤسس مع زوجته فاطمة رشدي فرقة أخرى، ونجحا في إقناع زكي رستم بالانضمام لها، ومن جانبه لم يتردد بحثا عن فرصة أكبر، وبالفعل لعب أمام فاطمة رشدي بطولة العديد من المسرحيات ومنها "زليخا... يوسف الصديق"، "الحب المحرم"، "مجنون ليلى" للشاعر أحمد شوقي، "الشيطانة" و"الفاجعة"، وقد كان من بين زملائه في الفرقة أحمد علام، عبد العزيز أحمد، بشارة واكيم، محمود المليجي، سعيد خليل، فردوس محمد، زوزو حمدي الحكيم وماري منيب. إلا أن زكي لم يستقر طويلا في فرقة فاطمة رشدي، والتي توقفت هي الأخرى بسبب الأزمة التي ضربت أحوال المسرح المصري وكانت سببا في توقف نشاط فرق أخرى كثيرة حتى أن عدداً كبيراً من الفنانين عانوا من البطالة في تلك الفترة.غير أن القدر الذي دأب على ترتيب أوضاع راهب الفن فتح أمامه أفقا أكثر رحابة، حيث قدر له أن يقترن اسمه بالأعمال الأولى في السينما المصرية من خلال الفيلم الصامت "زينب" للمخرج محمد كريم عن رواية للأديب محمد حسين هيكل، التي اختارها كريم ليبدأ من خلالها مشواره السينمائي.كان كريم قد جمعته الصداقة بالفنان يوسف وهبي والذي عمل معه ممثلا ومديرا للدعاية في فرقته المسرحية بعد عودته من دراسته للسينما والتي تنقل فيها بين عدة بلدان أوروبية مثل روما وبرلين، وبالفعل نجح كريم في إقناع يوسف وهبي بالدخول في ميدان الإنتاج السينمائي وكان "زينب" هو أول عمل يحمل توقيع كريم مخرجا ووهبي منتجا (بعد أن نطقت السينما المصرية قام كريم بإعادة تقديم نفس الفيلم بنجوم آخرين عام 1952).الغريب أن يوسف وهبي لم يشارك في بطولة الفيلم على الرغم من أنه المنتج، كما لم يتدخل في اختيارات كريم والتي استقرت على الفنان زكي رستم للمشاركة بالبطولة أمام بهيجة حافظ ودولت أبيض وسراج منير، وقد نجح الفيلم عند عرضه وأشادت بنجومه العديد من الكتابات النقدية منها على سبيل المثال ما كتبه صاحب توقيع "المحرر" في مجلة "الدنيا المصورة" حيث قال: "كذلك وفق زكي رستم في دور حسن كل التوفيق (لعب نفس الدور الفنان فريد شوقي في الفيلم الناطق)، وهو بهذا الفيلم قد وضع حجر الأساس في مستقبله السينمائي، ولن يمضي وقت كبير حتى نراه نجما متألقا في سمائنا الفنية".وهكذا نجح رستم في إطلالته السينمائية الأولى ليس فقط لموهبته الحاضرة ولكن وهو الأهم لقدرته على الفصل بين الأداء المسرحي والسينمائي الذي لا يتطلب المغالاة في الصوت والمبالغة في إظهار العواطف وغيرها من السمات التي ظلت مسيطرة على عدد كبير من النجوم الذين دخلوا السينما من بوابة المسرح، فيما زكي وبالفطرة كان واعيا لضرورة تحجيم انفعالاته أمام الكاميرا من صوت وحركة ونظرة عين، رعشة شفتين ومجمل الإيماءات الخاصة بالأداء، مستفيدا من عالم المسرح في طريق نطقه للحروف والتي كانت تخرج من فمه واضحة جلية، فتصل إلى أذن المتلقي بسهولة.كان زكي رستم يفعل ذلك بوعي شديد ومنذ أعماله الأولى على اختلافها وتنوعها رغم أنه لم يدرس التمثيل أكاديميا، ولكنه استطاع بحسه الفطري وموهبته أن يدرك هذه الفروق كأنه ولد ممثلا سينمائيا، مما جعله يتميز بالفعل عن أقرانه من النجوم الذين غلب عليهم الأداء المسرحي مثل يوسف وهبي في أفلامه الأولى، وأحمد علام، وجورج أبيض، وعباس فارس وفاطمة رشدي.بطل الموسم
المؤكد أن السينما سحرت ابن الباشوات، ربما وجد فيها ضالته التي أتاحت له إبراز جوانب خافية في موهبته خصوصا في مرحلة "السينما الصامتة" والتي كانت تتطلب جهدا كبيرا من الممثل ليتكلم ويعبر بوجهه، لهذا أظهر حماسا للمشاركة في تجارب أخرى رغم حداثة هذه الصناعة وتحسس الجميع خطواتهم فيها، حتى أنه قدم في موسم 32- 33 أكثر من تجربة وهي "الضحايا"، "الوردة البيضاء" و"كفري عن خطيئتك".الأول كان باكورة إنتاج الفنانة بهيجة حافظ وزوجها الفنان محمود حمدي، فبعد فيلمها الأول "زينب" قررت أن تخوض تجربتها الإنتاجية الأولى من خلال فيلم "الضحايا" والذي شاركت في إخراجه مع إبراهيم لاما، إضافة لوضعها الألحان والموسيقى التصويرية (شاركت أيضا في وضع الموسيقي التصويرية لفيلم زينب بحكم دراستها للموسيقى وحصولها على الدبلوم من باريس، كما قامت بتأليف العديد من المقطوعات الموسيقية الأخرى وكانت عضو جمعية مؤلفي وملحني الموسيقى بباريس).وفي حوار مع مجلة "الكواكب" تحدث الفنان الراحل محمود حمدي عن الفيلم قائلا: "هذا الشريط سيكون فتحا سينمائيا كبيرا سواء من ناحية موضوعه أو إدارته الفنية أو تمثيله وفي طليعة نجومه السيدة بهيجة حافظ والأستاذ زكي رستم القائم بدور الرجل الأول (غراند بريميير) والرياضي المعروف عطا الله ميخائيل في دور الفتى الأول جان برميه". وعن اختيار ممثلي الشريط من الهواة قال الراحل: "رأينا عند دراستنا لهذه المسألة أنه لا يتوافر العدد الكافي من المحترفين الذين يمكن الاعتماد عليهم في القيام بتمثيل هذه الشخصيات المطلوبة، ولهذا فقد رأينا أن نسند بعض الأدوار إلى هواة". أما في "الوردة البيضاء" فيعود زكي مجددا للمخرج محمد كريم ويشارك المطرب والملحن محمد عبد الوهاب أولى تجاربه في التمثيل، والإنتاج أيضا، والفيلم حمل توقيع محمد كريم كإعداد سينمائي فيما القصة والحوار لسليمان نجيب الذي شارك أيضا في التمثيل مع النجوم دولت أبيض ومحمد عبد القدوس وسميرة خلوصي في أولى أدوارها.جماهيرية عبد الوهاب لعبت دورا كبيرا في نجاح الفيلم (امتد عرضه عدة أسابيع) وهو يعد ثاني الأفلام الغنائية التي عرفتها السينما المصرية بعد فيلم "أنشودة الفؤاد" الذي لم يحالفه الحظ (كان من بطولة نادرة وزكريا أحمد ومن إخراج الإيطالي ماريو فولبي) ما انعكس بالطبع على نجوم "الوردة البيضاء" ومن بينهم الفنان زكي رستم الذي زاد تعلقه بالسينما خصوصا أنه كان قد ابتعد عن المسرح في تلك الفترة."كفري عن خطيئتك" هو الفيلم الثالث الذي ظهر من خلاله زكي رستم، وهو يحمل توقيع الفنانة عزيزة أمير كممثلة ومشاركة في الإخراج، إضافة إلى كتابة السيناريو والحوار والإنتاج أيضا. وفي أحد الحوارات التي أجريت مع الراحلة قالت عن هذه التجربة: "قد يستوقفك العنوان لغرابته وشذوذه عن المألوف، وبالفعل لعله أول عنوان لقصة سينمائية مصرية جاءت على هذه الصيغة المبتكرة، والتي تشعرك للوهلة الأولي أن بالقصة خطيئة تورطت فيها البطلة، وهناك قوة عليا تأمرها بالتكفير عنها".وعن أداء زكي رستم في هذا الفيلم كتب المحرر: " أما عن الممثل النابه الأستاذ زكي رستم بدور الأخ الأكبر، فكان كعادته دائما في القمة سواء علي المسرح أو في السينما، وقد كُتِب له في هذا الدور الجديد نصر وفخر جديدان".الطريف أن مرحلة البدايات في السينما المصرية جاءت بتوقيع ثلاث ممثلات رائدات قمن بالمشاركة في إخراج أفلامهن أيضا إضافة إلى إنتاجها، هن بهيجة حافظ، وعزيزة أمير وفاطمة رشدي التي انضمت إليهن بفيلمها "الزواج"، ورغم أن تجاربهن لم تحقق نجاحا كبيرا كما حلمن، فإن ذاكرة السينما ستظل تحتفي بهذه التجارب الرائدة.ومن عمل لآخر، نجح الفنان المتميز زكي رستم في أن تكون له بصمته الخاصة، فكيف واصل طريقه؟نبوءة الزعيم
«الموت» أحد العروض المسرحية التي شارك فيها العبقري زكي رستم مع فرقة عبد الرحمن رشدي الذي قرر دعوة الزعيم سعد باشا زغلول والذي بدوره لبي الدعوة وفي نهاية العرض حرص على تحية أبطال العرض، وحين جاء الدور على الفنان زكي رستم شد الزعيم علي يده قائلا: «سيكون لك شأن كبير»، وفقا لما ذكره الراحل زكي رستم في أحد حواراته، وهو ما حدث بالفعل، حيث أصبح من عمالقة الفن في مصر وصدقت نبوءة الزعيم.