حققت الفنانة الراحلة ماجدة الخطيب (1943 – 2006) نجاحاً كبيراً في بداية حياتها الفنية، ونالت ابنة شقيقة الفنان الكبير زكي رستم شهرة واسعة، كانت سبباً في حصدها العديد من التكريمات والجوائز الفنية، أبرزها جائزة التمثيل، الهرم الذهبي، عن دورها في فيلم "دلال المصرية"، عام 1966، كما نالت جائزة أفضل ممثلة دور ثان عن دورها في فيلم "التفاحة".وشاركت الممثلة ذات نبرة الصوت المميزة وإطلالة الوجه التي ناسبت جميع الأدوار، في أكثر من 130 عملاً فنياً طوال مشوارها التمثيلي، منها 50 فيلماً سينمائياً، أبرزها "شيء في صدري"، و"قنديل أم هاشم"، و"بيت الطالبات"، و"قصر الشوق"، و"ثرثرة فوق النيل"، و"حبيبي دائماً"، و"تفاحة"، بينما قدمت ما يقرب من 60 مسرحية، كما شاركت في سنوات حياتها الأخيرة في عشرات المسلسلات التلفزيونية الناجحة، منها "العصيان"، و"ريا وسكينة" وغيرهما.
دراما الحياة
وفي أوج نجوميتها، كانت الفنانة المشهورة على موعد مع تجربة جديدة، لكنها هذه المرة مع دراما الحياة، حين دخلت السجن أكثر من مرة لأسباب مختلفة، الأولى عام 1982، بتهمة قتل شاب يدعى سيد عبدالله بسيارتها، حيث توفي مباشرة، وذلك في 19 مايو 1982، وحكم عليها بالحبس سنة مع الشغل، وتغريمها 50 ألف جنيه، وكفالة 5000 جنيه لوقف التنفيذ، وأثناء المحاكمة قضت ماجدة 8 أشهر في سجن الاحتياط على ذمة القضية.واتهمت الخطيب بالقيادة مخمورة، لكنها أثناء التحقيقات أكدت أنها فقدت السيطرة على عجلة القيادة، بعدما تحطم الزجاج الأمامي وأصابها بجروح مختلفة، وفي لقاء تلفزيوني لها أوضحت أنها ظلت خارج البلاد عدة سنوات حتى تم قبول النقض في القضية.في ذلك الوقت لاحقت الصحف قضية النجمة المشهورة، لكنها توارت عن الأضواء، وبات من الصعب أن تسترد حضورها كبطلة لأفلام ومسرحيات ودراما تلفزيونية، وكأنها حين اختلت عجلة القيادة بين يديها، ارتبكت حياتها الفنية، واحتدمت في داخلها صراعات نفسية، أطاحت بقدرتها على التماسك، وأصبحت في نظر المجتمع قاتلة.وبينما كانت الفنانة تحاول التقاط أنفاسها مجددا، وتبحث عن دور يعيدها إلى هالة الضوء التي استقرت تحت بريقها لسنوات، جاءت الصدمة التالية، فبعد الواقعة الأولى بأربع سنوات وتحديدا في مطلع عام 1986 تم إلقاء القبض عليها مجددا بتهمة تعاطي المخدرات، حيث ضبطت برفقة اثنين من أصدقائها وبحوزتهم المخدر!وعلى ضوء ذلك حُكم عليها ومن كانوا برفقتها، في أبريل 1987، بالسجن ثلاث سنوات، وقد أنكرت ماجدة وقتها التهمة تماما، وأكدت أن المواد المخدرة "تمثيل في تمثيل" لغرض تصوير فيلم "ابن تحية عزوز"، وبعد سنة وأربعة أشهر غادرت السحن بعد إثبات براءتها، حسبما روت خلال لقاء تلفزيوني مع الإعلامية هالة سرحان عام 1996.وفي نفس اللقاء أكدت الخطيب أن حبها للحياة كان أقوى من الهزيمة، لذلك لم تنل منها التجربة، وبكل بساطة وتصالح صرحت بأنه خلال تلك المدة خسرت جزءاً كبيراً من جمهورها، واهتمت الصحافة بأخبار سجنها بعناوين عريضة، في حين أن براءتها كانت مجرد نبأ جانبي.
ست الستات
دخلت ماجدة في تجربة مثيرة، وباتت سجينة خلف الأسوار، وهناك لم يبق لها سوى ضوء الشمس حين تخرج من زنزانتها إلى فناء السجن، وفي الليل تتعلق عيناها بقمر بعيد، ويسرح خيالها مع ذكريات النجومية والأضواء، وماذا ستفعل بعد سنوات التوقيف، والأيام تمر بطيئة.ولم يخفف قسوة الأيام سوى وفاء بعض أصدقائها من النجوم، حيث كانت تزورها هند رستم وسميرة أحمد وسميحة أيوب وجلال الشرقاوي وسمير صبري، وبدت الفنانة نجلاء فتحي شديدة التأثر لحال الخطيب، وغلبها البكاء من أجل زميلتها، التي شاركتها بطولة فيلم "غدا سأنتقم" عام 1980.أدوار هامشية
وجاءت لحظة الإفراج عن أشهر سجينة - آنذاك - لتطوي صفحة البطولات السينمائية، لتجد نفسها حبيسة الأدوار المساعدة لفنانين كانوا يقفون أمامها في أدوار هامشية، وحارت النجمة التي تعاملت مع كبار المخرجين مثل يوسف شاهين وحسن الإمام وحسام الدين مصطفى وغيرهم، وقد ودعت الشخصيات المحورية التي صنعت نجوميتها مثل "دلال المصرية" و"امتثال" و"توحيدة". وارتبكت حسابات الخطيب تماما، بظهور نجمات جدد خلال فترة سجنها، وتراجع اسمها كنجمة شباك، واضطرت الى استئناف نشاطها الفني في أدوار صغيرة، وصمدت موهبتها الكبيرة أمام ظهورها في مشاهد قليلة، وبرعت في تجسيد الشخصيات المركبة، بل بلغت ذروة نضجها الفني في الكثير من الأعمال، وحصدت جائزتين في فيلمي "يا دنيا يا غرامي" 1996 و"ست الستات" 1998 مع ليلى علوي والمخرج رأفت الميهي.أول يوم سجن
كواليس يوميات الفنانة المشهورة خلف القضبان الحديدية، روتها الخطيب بنفسها على الملأ، حين قالت في لقاء تلفزيوني قديم مع الإعلامي طارق حبيب إن المحن التي لا تقتل تقوي، وحب الناس وتعاطفهم واهتمامهم بها يزيد قوتها، كما أن التقرب إلى الله في وقت المحنة، والصبر هو المفتاح لظهور الحق.وأضافت أن أول يوم في السجن كان أقسى يوم في حياتها، لأنها تحولت من مواطنة شريفة إلى إنسانة خارجة عن القانون، وتحولت من اسم إلى رقم معلق على صدرها، لكن ما خفف عنها هن زميلات المحنة وكانوا يعاملونها كماجدة الخطيب الفنانة الشهيرة، ولكن عندما تقربت منهن زاد الحب بينهن.وأشارت إلى أن السجن مليء بالعديد من الأبرياء، والبعض الآخر مجرمون، مضيفة ان هناك من وضعتهم الظروف في السجن، وطالبت وقتها بوجود جمعيات تساعد هؤلاء الناس، لكي يشعروا بآدميتهم، "وهو الأمر الذي سعيت له مع إدارة السجن بعد خروجي".وكشفت الخطيب عن موقف الفنانات من سجنها، قائلة: "إن المحنة تبين العدو من الحبيب"، مؤكدة أنها اكتشفت أنها ليس لها أعداء، متابعة: "كل الفنانين كانوا متعاطفين معي جدا، والفنانة هند رستم كانت دائمة الزيارة لي أسبوعيا، حتى في زحمة العيد كانت تحرص على زيارتي يوم الوقفة، والفنانة سميحة أيوب، وسميرة أحمد، وماجدة الصباحي، ومحمد عوض، وجلال الشرقاوي، فالجميع تعاطف معي لأنهم كانوا يؤمنون بأنني بريئة".وتعرضت ماجدة في السجن لمواقف من أشهرها، وكما جاء على لسان آمال بهنسي الشاذلي (رئيسة الجهاز الاجتماعي في سجن النساء وقتذاك)، أن ماجدة قشرت أكثر من نحو 30 جوالا من البصل طوال فترة وجودها في سجن النساء، ولهذا السبب كانت ماجدة تبكي كثيرا، بسبب البصل.الجدير بالذكر أن الإعلامية بسمة وهبي استضافت سجانة كانت تعمل بالسجن خلال فترة تواجد الفنانة ماجدة الخطيب فيه، في لقاء تلفزيوني أذيع في يوليو 2017، من خلال برنامج "هي مش فوضى" على قناة TEN الفضائية.وقالت السجانة عن ماجدة الخطيب إنها كانت تعيش مع نفسها، وكانت عادية جدا، وتتعامل مع المسجونات بأسلوب عادي، مؤكدة أن "ماجدة الخطيب كانت محترمة جدا، وتخرج من الغرفة لتجلس أمام العنبر وكانت في حالها تماما".معركة مع هياتم
على أي حال، يبدو أن حالها مع النجومية قد تأثر نسبيا بعد مغادرتها أسوار السجن، فبعد أن عادت إلى عالم الفن، كانت تلك العودة لا تليق بها، فقدمت أدوارا ثانوية في مسلسلات تلفزيونية وأفلام سينمائية لا تناسب حجم موهبتها، حتى عملت في مسرحية "يا أنا يا أنت"، إنتاج وبطولة الفنانة الاستعراضية والممثلة هياتم، وهي المسرحية التي فشلت فشلاً ذريعاً، وأدت إلى اندلاع خلافات مادية جعلت هياتم تعتدي على ماجدة بالضرب، على خشبة مسرح الريحاني في 25 سبتمبر 1997.وأثارت تلك الواقعة جدلاً كبيراً في ذلك الوقت، وبرّرت هياتم فعلتها بأنها لم تحصل على أجرها عن أدائها في المسرحية، لكن الجمهور تعاطف مع ماجدة الخطيب التي تعرضت للعديد من الكدمات في الوجه وأجزاء متفرقة في الجسد، علاوة على كسر في أحد ساقيها!وأصدرت محكمة جنح الأزبكية حكما بالحبس لمدة شهر لكل منهما، فلم يجد طرفا الخصومة أمامهما سوى التصالح لتجنب عقوبة السجن، وبالفعل تصالحت هياتم وماجدة أمام محكمة مستأنف الأزبكية ليسدل الستار على اتهاماتهما المتبادلة على صفحات الجرائد على مدى ثلاث سنوات.زائر الفجر
تباينت الآراء حول تأثير السجن على ماجدة الخطيب كفنانة، لكن المؤكد أنها قبل دخولها السجن، كانت قد قدمت أفلاما كثيرة مهمة أبرزها "زائر الفجر" عام 1973، وشاركها البطولة عزت العلايلي ويوسف شعبان ومديحة كامل، وإخراج الراحل ممدوح شكري.واعتبر العديد من النقاد الفيلم أهم وأجرأ فيلم سياسي في تاريخ السينما المصرية، إلا أن هذا الشريط السينمائي تعرض للمنع الرقابي بعد أسبوع واحد من بدء عرضه في دور السينما، لتضمنه إسقاطات سياسية في فترة دقيقة من تاريخ مصر.وتسبب هذا المنع في إصابة منتجة الفيلم ماجدة الخطيب بالإحباط، وحاولت وقتذاك مقابلة الرئيس أنور السادات في محاولة منها لطلب إجازة العرض، إلا أن طلبها قوبل بالرفض، وأصابت لعنة "زائر الفجر" مخرج الفيلم الشاب ممدوح شكري، ودخل في نوبة اكتئاب لفترة، وداهمه مرض حاد نقل على اثره إلى مستشفى الحميات، ووافته المنية قبل أن يشهد التصريح بعرض فيلمه ولو مبتوراً.أيقونة الحظ السيئ
تحولت الخطيب إلى أيقونة لسوء الحظ، ورأى عدد من النقاد أن السينما المصرية لم تظلم فناناً في تاريخها، مثلما ظلمت الخطيب، والتي بدأت رحلتها مع الفن منذ الستينيات، وتأخرت نجوميتها حتى السبعينيات، ولولا اقتناع كبار المخرجين بموهبتها الكبيرة لظلت أسيرة الظهور الثانوي على الشاشة.ومقارنة بزميلاتها النجمات سنجد أنها قدمت أقل رصيد من أدوار البطولة "25 فيلما"، بينما في الفترة التالية لسجنها شاركت في 13 فيلما فقط، وجذبها التيار إلى الدراما التلفزيونية، لكنها ظلت "سجينة" الأدوار الثانوية، وبوجه عام تأثرت بتجربة السجن لكنها لم تفقد بريقها كنجمة.ورغم ما يقال بأن تجربة السجن حالت دون تمثيلها أدوار البطولة فإن الخطيب لم تكن الوحيدة التي ظلمت السينما موهبتها ومنعتها من أن تكون واحدة من نجمات الصف الأول في مرحلة نضجها الفني، وهذا الأمر طال كثيرا من زميلاتها عندما تقدمن في العمر، وتراجعت عنهن النجومية، باستثناء القليلات منهن مثل نبيلة عبيد ونادية الجندي، اللتين صمدتا كثيرا كنجمتي شباك، فالأولى أطلق عليها "نجمة الجماهير" والثانية "نجمة مصر الأولى".ولا يدري أحد هل كان ذلك بناء على طلبهما أم لجماهيريتهما الكبيرة، بينما احتمت الخطيب بموهبتها فقط، وتركت رصيدها كبطلة أولى في "بنت من البنات" و"شقة مفروشة" و"13 كدبة وكدبة" و"البيت الملعون" وغيرها.واكتملت رحلة ماجدة الخطيب، التي تخللتها محنة السجن، وبدأت بدور صغير في فيلم "حب ودلع" عام 1959 مع هدى سلطان وحسين رياض، وبعدها انطلقت الفنانة الصاعدة بسرعة الصاروخ، وحققت نجوميتها في السينما.وكان المخرج العالمي يوسف شاهين يطلبها في أفلامه بالاسم مثل "حدوتة مصرية" و"سكوت حنصور"، وقال عنها إنها فنانة "معجونة في التمثيل"، ووصلت النجمة إلى فيلم "آخر الدنيا" عام 2006، ثم داهمها المرض لتدخل في غيبوبة استمرت نحو شهر، ورحلت في 16 ديسمبر من نفس العام.