خلّي عينك على سنغافورة، وتابع ما يجري هناك، وما تكتبه الصحافة البريطانية من تقارير، فقد يكون ذلك عبرة لنا في الكويت! هكذا بادر الصديق يعقوب يوسف الإبراهيم بقوله منبهاً "ترى عندنا ما يشبه الحالة السنغافورية"!
لقد أصاب هذا البلد نوع من الغرور، ولم نأخذ درساً من حكاية "كعب أخيل" بعدما كان يضرب فيها المثل للنظام الصارم والدقيق الذي تتبعه، "وكعب أخيل" مصطلح يشير إلى نقطة ضعف مميتة على الرغم من كل القوة التي يمتلكها الشخص والتي إن أصيبت تؤدي إلى سقوطه بالكامل. كانت سنغافورة وإلى منتصف شهر مارس الماضي من أكثر الدول التي حققت نتائج مذهلة بالتصدي لتفشي كورونا، حيث أثبتت كفاءة نادرة بإدارة الأزمة وتحولت إلى نموذج يستخدمها الباحثون "كمعيار ذهبي" للمقارنة مع بلدان أخفقت في مواجهة. وبالرغم من وقوعها داخل الإقليم الجغرافي المباشر للصين، وتعاملها معها كأكبر شريك تجاري فإنها اتخذت إجراءات فاعلة، وكانت استجابتها سريعة منذ اليوم الأول، لذلك نالت إشادات دولية من منظمة الصحة العالمية نظراً لمحدودية الإصابات وقلة الوفيات والنجاح باحتواء المراحل المبكرة من تفشي المرض وإحكام السيطرة عليه كاملاً، وكان مقرراً أن تخرج من إجراءات العزل في الأسبوع الأول من شهر مايو. فجأة ضربت الأسطورة "كعب أخيل" وصَحت على عدد إصابات تجاوز الـ9 آلاف إضافة واضطرت إلى تمديد القيود لمكافحة الفيروس إلى أوائل شهر يونيو القادم! واكتشفت أن العدد الأكبر من الإصابات كان بسبب "مهاجع وتجمعات العمال الأجانب" وشعر الجميع "بخيبة أمل كبيرة" من قرار تمديد الحظر والإجراءات المشددة إلى شهر يونيو القادم. أول إصابة بين العمال المهاجرين، ظهرت على مواطن بنغلادشي، وتبين فيما بعد أن السلطات المعنية كانت بطيئة في اختبار المرض في المهاجع المزدحمة، حيث أشارت التقديرات إلى أن ثلث الإصابات كانت من العمال البنغلادشيين. التقارير الصحافية خصوصا "الغارديان" البريطانية رسمت صورة واقعية للعمال المهاجرين ذوي الأجور المنخفضة والذين يمثلون جزءاً حيوياً من القوى العاملة في سنغافورة، فقد سجلت نسبة 60% من الإصابات في صفوفهم، ويعيش نحو 200 ألف عامل من بنغلادش والهند ودول آسيوية أخرى فقيرة في "مهاجع ضيقة" تشبه منازل العمالة الآسوية في منطقة جليب الشيوخ!لذلك، كما توضح التقارير الصحافية، أن التباعد الاجتماعي سيكون من سابع المستحيلات في أماكن النوم المشتركة، والتي تستوعب ما يصل إلى 20 رجلاً لكل غرفة مع مطبخ مشترك ومراحيض ومرافق عامة، أو في الأماكن التي يتجمع فيها العمال في أيام العطل للتسوق. وعلى تلك الخلفية وجهت اتهامات للمسؤولين بإهمال تلك المجموعات والتي تتشارك فيما بينها بالمعيشة وتحت سقف واحد، ما بين 12 و20 رجلاً في غرفة واحدة! وبحسب استشاري أمراض معدية سنغافوري فإن "الخطر المتعلق بمهاجع العمال المهاجرين مختلف تماماً" عن أي توقع! العمالة المهاجرة في سنغافورة أغلبها من بنغلادش والهند، هؤلاء يعملون ساعات طويلة في مواقع البناء، يبنون ناطحات السحاب ومراكز التسوق، حتى يتمكنوا من إرسال الأموال إلى ذويهم في أوطانهم، وهم بالكاد يتحصلون على نصف المعاش الذي تعهد به أصحاب العمل! وكثيراً ما يترددون في الشكوى بسبب الخوف من الترحيل! ليست بعيدة صورة ووضع هؤلاء عن وضع العمالة في الكويت وأقرب حالة ما تشهده "جليب الشيوخ" المنفصلة تماماً عن بيئة ومجتمع الكويت! متاجرة بالبشر وعلى عينك يا تاجر، تكديس عمالة غير طبيعة، لا يألفها الآدميون! ممارسة كل أنواع المحرمات داخل تلك التجمعات وهذه الوضعية ليست وليدة اليوم، بل عمرها عشرات السنوات أي منذ التسعينيات والكل تعايش معها، باستثناء بعض الأصوات والتحقيقات الصحافية التي فضحت هذا الوضع المزري! اليوم أتى فيروس كورونا ليشكل صدمة موجعة لم تكن في الحسبان! مهاجع العمال المهاجرين في سنغافورة تحاكي "جليب الشيوخ" في الكويت والحقيقة المرة للنموذج السويدي (طالع الجريدة– صفحة المقالات– هانز بيرغستورم 23/ 4/ 2020) وللنهج الذي سارت فيه هذه الدولة وتجاهلها للتغيير الذي أصاب تركيبتها السكانية (25% من الوافدين) 2.6 مليون من إجمالي السكان البالغ نحو عشرة ملايين نسمة، والتي سجلت أعلى معدل بالوفيات في العالم، ليس بسبب سياسة رفض الإغلاق فقط، إنما لكثافة السكان في الضواحي التي يقطنها المهاجرون ونقص المعلومات التي تصل إليهم! من السهل إلقاء اللوم على المهاجرين سواء في الكويت أو في سنغافورة أو السويد، لكن خروج كورونا بالشكل السريع والمخيف فتح هذا الملف، والذي بات يحتاج إلى معالجة جذرية من الأساس تقضي على كل أوجه التقصير التي لحقت بهذه الفئة!
مقالات
حالة «جليب الشيوخ» تحاكي ضواحي سنغافورة
26-04-2020