يعتمد العديد من دول العالم على فصل المناطق النموذجية عن تلك الاستثمارية أو التجارية أو الحرفية، وغيرها من المناطق، وذلك حتى لا يكون هناك اكتظاظ سكاني أو ازدحامات مرورية، ولا ضغط على الخدمات المقدّمة من الدولة.وبالفعل، اتبعت الكويت ذلك النظام، وفصلت كل المناطق عن بعضها البعض، إلا أن ذلك لم يدُم طويلا، حيث ظهرت العديد من المناطق المختلطة، لعدم وجود مخطط تنظيمي واضح يواكب التطور السكاني، سواء من المواطنين أو من العمالة الوافدة، إضافة الى أن وجود بعض التشريعات الخاصة بالقطاع العقاري، التي استغلها البعض بصورة سيئة، ساهم في تفاقم هذه المشكلة.
في الكويت، يوجد عدد كبير من المناطق، أهمها منطقة جليب الشيوخ وما يتفرع منها من عشوائيات يصعب تصنيفها إن كانت سكنية بحتة أو استثمارية، أو انها تجارية، حيث تعتبر خليطا ممّا ذُكر، فهناك ما يقارب 8 مناطق مختلطة ما بين استثمارية وسكنية، ومع ارتفاع أعداد الوافدين، خاصة المخالفين خلال السنوات الماضية، عانت العديد من المناطق النموذجية هجرة الوافدين اليها، حتى أصبحت هناك مناطق عشوائية يصعب السكن بها.ومع مرور الوقت، أصبحت مناطق مثل جليب الشيوخ وخيطان وبنيد القار وقطع من مناطق حولي والسالمية والجابرية، مناطق تعاني الفوضى، وأصبحت أكثر عشوائية وتعاني الازدحامات المرورية والضغط على الخدمات.ولا شك في أن هناك العديد من العوامل والأسباب التي ساهمت في ظهور مثل تلك المناطق، وهجرة العديد من مخالفي الإقامة إليها، إلا أنه يمكن حصرها في ثلاثة أسباب.
حصص «المشاع»
يأتي نظام "المشاع" أول وأبرز الأسباب الرئيسية التي ساهمت في ظهور مناطق عشوائية، ويمكن تعريفه بأنه عبارة عن ملكية خاصة مشتركة بين مجموعة من الأفراد في أرض أو عقار معيّن، وينتفع بموجبها كل شريك بجزء معيّن من العين المشتركة.وبصورة أخرى، يمكن تصوّر نظام المشاع كملكية الأفراد في الشركات عن طريق شراء أسهمها، إذ يمكن أن يتشارك شخصان أو أكثر في شراء عقار، ويتم تسجيل ملكيته بنظام المشاع، ويكون لكل منهما نسبة من العين، وبوثيقة حرّة يتم استخراجها من وزارة العدل.في هذه الحالة يمكن تقسيم البيت الواحد بين عدة ملّاك الى حصص؛ أرباع او أسداس بين ملّاكه، وكل مالك يؤجّر لمجموعة كبيرة من العمالة.وفي ظل وجود مثل هذه التشريعات، قام العديد من ملّاك العقارات وخاصة السكنية في مناطق مثل الجليب وخيطان، ببيع جزء من عقاراتهم تلك لأفراد ومستثمرين، الذين قاموا بدورهم بتأجيرها للعزّاب والوافدين، وبالتالي أصبح من الصعب السكن في هذا العقار، في ظل وجود عدد كبير من العزاب والوافدين، مما مهّد لظهور قطع معيّنة عشوائية، ومن ثم مناطق بأكملها.وبالرغم من الفوضى التي خلّفها هذا النظام، لم توقف الجهات المعنيّة العمل به، لكن أضافت بعض التعديلات؛ ومنها أن يقتصر نظام التملّك بالمشاع للأقارب من الدرجة الأولى والورثة، وألّا تتم الموافقة على إصدار وثائق المشاع إلا بعد موافقة البلدية.وبلغت تداولات "حصص المشاع" خلال 2019 نحو 92.5 مليون دينار، مستحوذة على 2.5 في المئة من إجمالي تداولات القطاع العقاري، البالغة 3.6 مليارات دينار، في حين بلغت خلال عام 2018 نحو 87 مليونا.وتركزت معظم تداولات "حصص المشاع" على عقارات وأراضي السكن الخاص، حيث استحوذت تداولات العقار السكني على أكثر من 50 في المئة من إجمالي تداولات حصص المشاع، إذ إنها تتم في الغالب بالاتفاق بين الأقارب من الدرجة الأولى، وخاصة الورثة، بالتالي يتم تسجيل حصص كل منهم في وزارة العدل.وأيضا تم تداول العديد من العقارات الاستثمارية بهذا النظام على عقارات استثمارية بمبالغ تجاوزت قيمتها ملايين الدنانير، حيث تتم في معظم الأحيان بين مجموعة من الشركاء لشراء عقار استثماري أو تجاري.مدن عمالية
ويأتي ثاني الأسباب التي أدت الى ظهور وتفاقم مشكلة المناطق العشوائية، هو عدم وجود مدن عمالية، إذ إن معظم دول العالم أنشأت مدنا متكاملة للعمالة الوافدة لديها، وذلك بهدف منعهم من السكن في المناطق النموذجية والمناطق الخاصة بالعوائل الوافدة، إضافة الى تنظيم سوق العمل.وفي الكويت لا توجد مدن عمّالية، وهذا ما جعل العمال يتوجهون نحو المناطق السكانية، سواء النموذجية أو الاستثمارية، وبعدها تأسيس العشوائيات التي تعدّ خيارا جيدا، خصوصا للشركات التي لا تهتم بجودة الحياة لعمالتها، وفي ظل انخفاض رواتب تلك الفئة، اضطروا للمشاركة في السكن مع بعضهم البعض بالشقة الواحدة، أو حتى في الغرفة الواحدة.وقد تأثرت العديد من مناطق الدولة من هجرة العمالة الوافدة إليها، وأصبح هناك ضغط كبير على الخدمات المقدمة من الدولة، إضافة الى الازدحامات والمشاكل الأمنية التي تسببها هذه الفئة.وتعتبر المدن العمالية واحدة من أهم المدن في معظم بلدان العالم، ومن خلالها يمكن وضع الإحصاءات والدراسات الخاصة بسوق العمل، إضافة الى أنها تعمل على المحافظة على التركيبة السكانية، ولا تخلّ بها.وعادة تكون المدن العمالة على مساحات وقدرات استيعابية كبيرة تتوافر فيها جميع الخدمات الصحية والأمنية والترفيهية والتجارية، وتكون مخصصة لفئة الوافدين من ذوي الدخل المحدود، الذين يقيمون في الدولة دون أسرهم.وكانت الكويت قد وضعت العديد من الدراسات حول إنشاء مدن عمالية تسع لأكثر من 50 ألف عامل، وتم وضعها ضمن المخطط الهيكلي للدولة، لكن بسبب الإجراءات الروتينية للجهاز الحكومي، تم التأخر في تنفيذ مثل تلك المدن.فوضى الإيجارات
وعن آخر الأسباب التي أدت الى نشوء مناطق عشوائية، نجد أنه يتمثل في عدم تطبيق القوانين الخاصة بالإيجارات من الجهات المعنيّة، والتراخي في معاقبة المخالفين من الملّاك الذين يؤجرون وحداتهم السكنية الى العزاب.وخلال السنوات الماضية تفوّق التأجير في المناطق النموذجية على التأجير في "الاستثمارية"، وذلك لأسباب عديدة، منها أن المناطق النموذجية تتميز بخدمات أفضل ولا تعاني الازدحامات، كما هو حاصل في المناطق الاستثمارية.لكن بالرغم من أن القانون لا يسمح بالتأجير في السكن الخاص، واستغلاله في أغراض استثمارية، فإن الحكومة تغضّ الطرف عن ذلك، وهذا بسبب أن هناك أزمة إسكانية تعانيها الدولة.ومع تهاون الجهات المعنيّة في تطبيق القوانين، شهد القطاع العقاري العديد من التجاوزات من بعض ملّاك العقارات السكنية الخاصة، وحوّلوها الى عقارات استثمارية، وذلك عن طريق تقسيم العقار السكني الى أكثر من شقة، وتأجيرها على العزّاب.وأيضا هناك تجاوز كبير من ملّاك العقارات الاستثمارية، إذ قام العديد منهم بتقسيم الشقة لتصبح أكثر من شقة، ومن ثم تأجيرها على العمالة.وقد تجاوزت معظم دول العالم تلك الإشكالية عن طريق اعتماد عقد إيجار الكتروني، موحد، ينهي حالات التلاعب ويضفي الشفافية، ويُظهر القيمة الحقيقية للإيجارات، كما سيعمل على إنهاء المشاكل التي تواجه المستأجرين والمؤجرين، وحفظ حقوقهم، ويكون بمقدور الجهات المعنيّة معرفة نوعية المستأجرين وعناوينهم بكل سهولة، ومخالفة من يؤجّر للعزاب.إيرادات أعلى!
تتمتع العقارات التي تؤجّر لمخالفي الإقامة والعزاب من العمالة الوافدة، بإيرادات عالية، قد تفوق كل إيرادات القطاعات العقارية الأخرى، حيث تتجاوز ما نسبته 10 في المئة، كما أن المالك لا يقوم بأي إصلاحات أو صيانة للعقار، وبالتالي تعتبر مصروفاته منخفضة، أو حتى شبه منعدمة.إيجار السرير بين 30 و50 ديناراً
هناك العديد من طرق التأجير على العمال في منطقة جليب الشيوخ، إذ يقوم البعض بالتأجير بحسب عدد الغرف في الشقة الواحدة، ومنهم من يؤجر بحسب عدد أسرّة النوم في الغرفة الواحدة، حيث يتراوح سعر السرير الواحد بين 30 و50 دينارا.عمالة غير مختصة
في منطقة الجليب، توجد أسواق خاصة للعمالة تتمثّل في توفير عمالة هامشية غير مختصة، فالعامل هنا مرة عامل بناء، ومرة أخرى ميكانيكي، وأحيان أخرى في النجارة أو الحدادة، أو بيع الخضراوات والأسماك.سوق «الحرامية»!
تتوسط «الجليب» ساحة أطلق عليها "سوق الحرامية"، لأن معظم بضائعه مسروقة أو تالفة، ولا تصلح للاستخدام الآدمي.ويتم من خلال هذا السوق بيع كل أنواع الأجهزة الإلكترونية والملبوسات والمأكولات والخضراوات، ومعظمها تُجلب من توالف الجمعيات التعاونية ومراكز التسوق.