تتابعت أصداء القضية المشهورة في الشارع المصري، وبطلاها شابان في مقتبل العمر، تحولت حياتهما رأساً على عقب، حين فكرا في استخراج شهادة إعفاء من التجنيد، لتسهيل سفرهما إلى الخارج لإحياء حفلات فنية، دون إدراكهما حجم العقوبة المقررة على اقتراف التزوير في أوراق رسمية، وبدأت مقارنتهما ببعض زملائهما من الفنانين، مثل المطربين علي الحجار ومحمد منير اللذين يفتخران بتجنيدهما في جيش وطنهما، وأن مجرد التفكير في الهروب من خدمة الوطن يضع صاحبه تحت طائلة القانون. وازدادت غرابة هذه القضية، إثر ظهور موجة من التعاطف الجماهيري مع تامر وهيثم، ومحاولات البعض ربطها بأحداث اجتماعية وسياسية وقعت خلال تلك الفترة، وتزامنت مع انطلاق الشائعات والأقاويل حول تلفيق الاتهامات للشابين، وقام فريق من كبار المحامين بالدفاع عن المتهمين، وتصدرت أخبار النجمين وسائل الإعلام، واختار المعترضون على عثرتهما الصمت، وانتظر الجميع حكم القضاء.
كان تامر وهيثم يبحثان عن طوق نجاة، منذ لحظة القبض عليهما، وتملكهما الخوف الشديد من مصير غامض، وكلاهما يتذوق مرارة السجن لأول مرة، ولم تفلح مؤازرة الأهل والأصدقاء في تخفيف توترهما، لاسيما بعد قرار حبسهما على ذمة القضية، وعدم الإفراج عنهما بكفالة، والمكوث خلف القضبان، وهما يحصيان الدقائق والساعات الرهيبة، ويتملكهما الندم على اللجوء إلى مخالفة القانون، وتوالت اعترافاتهما بالتفصيل، وحالفهما التوفيق بإقرارهما بالخطأ.
لحظات صادمة
تسارعت الأحداث على نحو غير متوقع، وبدأت عام 2004 عندما أطلق المطرب تامر حسني ألبومه الأول "حب" بمشاركة المطربة الصاعدة ـــ آنذاك ـــ شيرين عبدالوهاب، وثبتت أقدامهما في ساحة الغناء، وتحول المغني الذي يحمل آلة الجيتار إلى أيقونة بين جمهور الشباب، ولكن عثرة واحدة كادت أن تعصف بنجاحه، ووضعته في قفص الاتهام، وتصدرت صوره وأخباره صفحات الحوادث على مدار عام 2006. أما المطرب هيثم شاكر، فقد ارتبط بالغناء منذ طفولته، وبرزت موهبته الفنية وهو لا يزال في سنوات دراسته الأولى من خلال إنشاده لأغاني الأطفال في الحفلات المدرسية، والتحق بمعهد الموسيقى بالقاهرة، لصقل موهبته بالدراسة، وجاءت فرصة الاحتراف في ساحة الغناء، عندما التقي المنتج نصر محروس والموزع الموسيقي حميد الشاعري في أغنيته الأولى "أحلف بالله" عام 2001، وحققت نجاحاً كبيراً وكانت بمنزلة الانطلاقة نحو طريق الشهرة والنجومية.وتأخر ظهور المطرب هيثم شاكر على شاشة الأحداث، وجمعته مع زميله لحظة فارقة في حياتهما، عندما توقفت سيارة الشرطة أمام أحد استديوهات القاهرة في صباح يوم 20 فبراير، ودخل رجال المباحث إلى "البلاتوه" أثناء تصوير مشهد يجمع بين تامر والفنانة مي عز الدين في فيلم "كل سنة وأنت حبيبي"، وتوقفت آلة التصوير عن تسجيل لقطة شديدة الواقعية، حين طلب الضابط المسؤول من بطل الفيلم، أن يأتي معه في هدوء، قبل أن يختفيا عن الأنظار. وفي الحادية عشرة من صباح ذلك اليوم، كان رجال المباحث يطرقون باب منزل المطرب الشاب هيثم شاكر، وفتحت الأم الباب، وفوجئت بالضابط يقول لها: "من فضلك فين الأستاذ هيثم؟"، وبعد لحظات أفاقت من ذهولها، وأيقظت ابنها من نومه وتجمع أفراد الأسرة، وعقدت الصدمة لسان هيثم وارتدى ملابسه، واقتيد إلى مقر مباحث الأموال العامة، وهناك توالت المفاجآت.
المتهم الأول
أثار ظهور المطربين ضجة في مقر الشرطة، وانضم إليهما المتهم الأول في القضية، ويدعي صابر عبدالوهاب (58 عاماً)، وفتح المحضر في الواحدة من ظهر يوم الثلاثاء 20 فبراير 2006، وتبين أنه اعتاد تزوير شهادات تأدية الخدمة العسكرية مقابل مبالغ مالية، وبتفتيش منزله بحي الطوابق في محافظة الجيزة، عثر بداخله على عدد خمس شهادات خدمة عسكرية، وبعرضها على قسم أبحاث التزييف والتزوير على مصلحة الطب الشرعي، تبين أنها مزورة.وأسفر التحقيق المبدئي مع المطربين، نفيهما الاشتراك مع المتهم الأول في جريمة التزوير، وانتظر المتهمون الثلاثة بالطابق السابع داخل مجمع التحرير وسط القاهرة، ثم أقلتهم سيارة الشرطة إلى مقر نيابة مدينة نصر (شرق القاهرة)، وسلم أحد الضباط أوراق القضية التي ضمت الشهادات الخمس المزورة، وشهادتي تامر وهيثم الخاصة بتأدية الخدمة العسكرية، وجوازي سفرهما.واستمعت النيابة لأقوال المتهمين الثلاثة، وأنكر تامر وهيثم الواقعة، وأكدا أنهما لا يعرفان شيئاً عن التزوير، في حين اعترف المتهم الأول بالتفصيل، وقال أمام المحقق: "منذ أكثر من خمس سنوات اعتدت تزوير شهادات تأدية الخدمة العسكرية للعديد من الشباب، وخاصة من الأسر الثرية، وليس هناك صعوبة في الأوراق، أما بالنسبة لخاتم شعار الجمهورية فكنت قد صنعت شكلاً مزوراً له، واعتدت استخدامه مقابل مبالغ مالية من 3 إلى 10 آلاف جنيه في عام 2001". وتابع المتهم: "قابلت تامر حسني في أحد المقاهي الشهيرة بمدينة نصر، وتبادلنا أطراف الحديث، وفوجئت به يشتكي قرب تقدمه إلى منطقة التجنيد لتأدية الخدمة العسكرية، فعرضت عليه إنهاء هذا الأمر وأخبرته بقدرتي على تسليمه شهادة تأدية الخدمة مقابل 10 آلاف جنيه، وأخبرته أن شخصاً آخر هو الذي سوف يقوم بهذه المهمة، ووافق بشدة وسلمني بطاقته الشخصية لنقل البيانات منها والمبلغ المحدد، وطلبت منه أن يتصل بي بعد شهر تقريباً، وبالفعل سلمته الشهادة وانتهى الأمر".وعن حكايته مع المطرب الشاب هيثم شاكر، قال المتهم: "قابلته عام 1999، لم يكن وقتها مشهوراً، ولكنه كان صديقاً لأحد أصدقائي، تعرفت عليه وقابلته أكثر من مرة، كنت أمر بضائقة مالية، وهذا ما دفعني إلى البحث عن راغبي شهادات الخدمة، فسألت هيثم عن موقفه من التجنيد، ففوجئت به يقول "يا عم ماتفكرنيش أنا سأدخل الجيش بعد شهرين"، فاستوقفته قائلاً: "طب واللي يخليك تأخذ شهادة نهائية من الخدمة بدون أن تقضي يوماً واحداً؟" رد عليّ مسرعاً: "أعطيه ما يريد"... طلبت منه مبلغ 7 آلاف جنيه، وبعد أسبوعين سلمته الشهادة". استمرت التحقيقات إلى ساعة متأخرة من الليل، وتجمع عدد كبير من أصدقاء تامر وهيثم أمام مقر النيابة، ومنهم المطربة شيرين ومصطفي قمر وسعد الصغير ومحمد محيي، وتقابلوا مع المطربين، وطمأنوهما بأن الواقعة بسيطة، وسوف تنتهي خلال ساعات، وظلوا هناك حتى الثالثة فجراً، وبقي المتهمون الثلاثة داخل سراي النيابة، وفي التاسعة من صباح اليوم التالي، أمر المحقق بحبسهم أربعة أيام على ذمة التحقيقات، واقتاد رجال المباحث المتهمين إلى محبسهم بمقر الشرطة.السجن والرهبة
وتتابعت أصداء قضية "تامر وهيثم" في الشارع المصري، وسط ردود أفعال متباينة بين التعاطف والرفض، وتحولت عثرة المطربين الشابين إلى اهتمام بالغ من النقابات الفنية المصرية، وتوافد عدد كبير من الفنانين إلى مقر الشرطة، في حين سيطرت حالة من الخوف والرهبة على المتهمين، ومرت ساعات اليوم الأول بطيئة، وظلا يفكران في مصيرهما خلال الأيام المقبلة، وهوت الصدمة بتجديد حبسهما 30 يوماً على ذمة القضية، وانسالت دموع المتهمين، واحتضن تامر شقيقه في مشهد مأساوي، وانتقل المتهمان إلى محبسهما الجديد داخل سجن استئناف القاهرة.وحانت اللحظة الحاسمة لأغرب قضايا الفنانين في عام 2006، وشهد يوم 12 أبريل توافد عدد كبير من أسرة وأصدقاء المتهمين، وحضور العديد من الفنانين إلى قاعة المحكمة في الصباح الباكر، وتتابعت ومضات آلات التصوير على وجوه المتهمين، منذ لحظة وصولهم وسط حراسة أمنية مشددة، واقتيادهم إلى قفص الاتهام.كان المتهمون قد حضروا من محبسهم بالسجن الحربي إلى مقر المحكمة العسكرية بمدينة نصر (شرق القاهرة) في العاشرة والنصف من صباح ذلك اليوم، والخوف باد على وجوههم من الحكم المنتظر، وكان في انتظارهم عدد كبير من أفراد أسرهم وأصدقائهم وزملائهم الفنانين، إلى جانب بعض المعجبات بفن تامر وهيثم، وكان الأخيران يمسك كل منهما بمصحف وأخذا يقرآن فيه حتى بعد دخولهما قفص الاتهام.ولم تمضِ لحظات حتى دخل القضاة وبدأ الحاجب النداء على أسماء المتهمين الذين وقفوا في انتظار النطق بالحكم، وأصدر القاضي حكمه بالسجن مدة عام مع الشغل والنفاذ على كل من المطربين تامر حسني (29 عاماً)، وهيثم شاكر (23 عاماً)، في قضية اتهامهما بتزوير شهادتي الخدمة العسكرية الخاصة بهما، والحكم على صابر عبدالوهاب بالسجن مدة 5 سنوات، لقيامه بتزوير الشهادتين للمتهمين الآخرين، وعقب النطق بالحكم ظل المتهمون واجمين للحظات، وسقط المزور صابر عبدالوهاب مغشياً عليه من هول الصدمة، في حين تماسك تامر وهيثم، وأخذا يرددان: "الحمد لله" طوال الوقت.المثير أن حسني كان على موعد مع محاكمة أخرى، أمام محكمة الجنايات بتهمة تزوير شهادة نجاحه في السنة الثانية بكلية الإعلام في جامعة 6 أكتوبر، وحينها كان من المتوقع أن يحصل فيها على حكم آخر في حال أدانته المحكمة، ودخل المطرب العاطفي في جناية مدنية تتعلق بنموذج الانتساب إلى كليته، وصدر الحكم بحبسه مدة عام مع إيقاف التنفيذ.اعترافات وشائعات
تناثرت الشائعات حول قضية تامر وهيثم، وشغلت الأذهان أثناء فترة سجنهما، ولأول مرة قام مجموعة كبيرة من المعجبين بحملة كبيرة في شوارع القاهرة، لمساندة المطربين، رغم اعترافهما بارتكاب التزوير في وجود فريق من المحامين الكبار للدفاع عنهم، الأمر الذي أثار موجة من التعاطف مع الشابين، وأقر تامر بأنه احتاج كفنان معروف إلى السفر للعديد من الدول العربية والأوروبية من أجل إحياء الحفلات الغنائية، ومن هنا جاءت معرفته بصابر، ليستخرج له كل الأوراق الرسمية اللازمة وجواز السفر بشكل قانوني. وسار هيثم على طريقة تامر لتبرئة نفسه من تهمة التزوير. وفي ذلك الوقت اهتمت الصحف بمتابعة يوميات تامر وهيثم في السجن، وكيف يقضيان وقتهما في الصلاة وقراءة القرآن، في حين تطايرت أصداء الشائعات في الشارع المصري، أن هذه القضية تحركت ضد تامر بإيعاز من أحد رجال الأعمال الكبار، لاعتذار المطرب عن المشاركة في إحياء حفل زفاف ابنته، وقابلتها رواية أخرى عن تورط مطرب شهير في تحريك القضية، لاكتشافه وجود علاقة غرامية بين تامر وابنته، مما دفعه إلى الانتقام من منافس يشكل خطراً فنياً عليه في ساحة الغناء.وخلال تلك الأشهر تصدرت أخبار تامر وهيثم الصحف والمجلات الفنية مع يوميات سجنهما، وابتسم الحظ للمطربين العاطفيين، وضاعفت قضيتهما من نحوميتهما، وإزاء حالة التعاطف المتزايدة في الشارع المصري، قام المنتج نصر محروس بإطلاق ألبوم تامر الجديد الذي كان قد سجله قبل دخول السجن، واستغلها منتج فيلمه الجديد السبكي بعرض بعض المشاهد التي صورها تامر قبل القبض عليه في فيلم "عمرو وسلمى" أمام مي عزالدين، كحملة ترويجية للشريط السينمائي الذي حقق أعلى الإيرادات في عام 2007.ونجح حسني في كسب تعاطف الرأي العام بالاعتراف بالخطأ، وصنع ظاهرة فنية وشعبية طاغية تنافس الساسة ورجال الأعمال ولاعبي كرة القدم، وحقق داخل السجن أكثر مما كان سيفعله خارجه، وأطلق عليه "مطرب الجيل"، أما هيثم شاكر الأصغر سناً، فاستأنف نشاطه مجدداً، وأطلق ألبومات عدة، إضافة إلى مجموعة من الأغاني الفردية وأغنيات الأفلام والمسلسلات، ومازال "دويتو السجن والغناء" يحلقان في فضاء النجومية والشهرة.