الوباء واحد من مخاوف أمنية كثيرة في الولايات المتحدة
كان العالم مكاناً خطيراً قبل انتشار وباء كورونا الجديد وسيبقى كذلك بعد انتهائه! ففي حين يتجادل الأميركيون حول طريقة التعامل المناسبة مع الفيروس المستمر وحول أصل الوباء وطبيعته ومساره، قد يتلقون أنباءً أخرى مخيفة بالقدر نفسه، ويشعر عدد كبير منهم بالسخط تجاه الصين بسبب خداعها وإخفائها معلومات محورية عن انتشار الفيروس، لكنهم يتناسون بذلك أن الصين تواجه مشاكل هائلة أخرى. كانت الصين قد بدأت تخسر الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، حتى قبل ظهور الفيروس، ويظن الأميركيون أن الصين دولة ضخمة وقوية وغنية، لكن يساوي الدخل الفردي الصيني فعلياً سدس الدخل الأميركي، حيث تنتج الصين نحو ثلثَي الناتج المحلي الإجمالي الأميركي فقط، مع أنها تشمل أربعة أضعاف العدد السكاني، ولا يزال مئات ملايين الصينيين الريفيين عالقين في الفقر.يُفترض أن تتوقع بكين عودة صناعات كثيرة إلى الولايات المتحدة، ومن المنتظر أن يعود آلاف الطلاب والباحثين الصينيين إلى ديارهم أيضاً، إذ كان اطلاعهم على العلوم والتكنولوجيا الأميركية أساسياً لتطوير القطاع الصناعي الصيني.لكنّ الصين لن تتقبل تراجع مكانتها بعد انتهاء الوباء بكل بساطة، بل ستتصرف بطريقة مستفزة ويائسة أكثر من أي وقت مضى،
وانتشرت شائعات مفادها أن الصين تجري اختبارات نووية تنتهك الاتفاقيات العالمية ذات العائد الصفري، وإذا كانت هذه المعلومة صحيحة، يجب أن يتذكر الأميركيون أن خصومهم يصبحون أكثر خطورة حين يواجهون مواقف صعبة ومؤلمة.تتحمل إيران تداعيات العقوبات الأميركية والاضطرابات المحلية والأكاذيب الحكومية المتسلسلة وقلة الكفاءة في التعامل مع الوباء، وقد أرسلت حديثاً سفناً بحرية نحو الخليج العربي لمضايقة السفن الحربية الأميركية. يدرك الإيرانيون أن البحرية الأميركية قادرة على طردهم من تلك المساحة المائية بسهولة، لكنهم يهدفون فعلياً إلى استفزاز الولايات المتحدة وجرّها إلى مواجهة عقيمة في الشرق الأوسط في ظل الهلع السائد بسبب فيروس كورونا وقبل الانتخابات الأميركية في نوفمبر المقبل. قد يكون نصب فخ للولايات المتحدة بهذا الشكل استراتيجية خطيرة من جانب إيران، لكنها لم تعد تملك خيارات كثيرة في ظل انهيار أسعار النفط وتصاعد العقوبات التجارية وزيادة تكاليف التعامل مع الفيروس، وقد أدت هذه المشاكل كلها إلى إفلاس البلد، ويصعب أن تتوقع إيران تلقي المساعدة من داعميها الاعتياديين، على غرار الصين وروسيا وكوريا الشمالية، حيث أصبحت الصين في الوقت الراهن خارجة عن القانون بنظر المجتمع الدولي، كما أنها تواجه ركوداً حاداً، أما روسيا فتتعامل مع انهيار أسعار النفط، فيما أصبحت كوريا الشمالية من جهتها محاصرة ومفلسة.لم تتّضح طريقة تعامل هذه الأنظمة المستبدة الثلاثة مع فيروس كورونا، لكنها تواجه على الأرجح اضطرابات داخلية واسعة النطاق وتتصاعد فيها مظاهر الفقر أيضاً، لذا من المتوقع أن تصبح هذه البلدان كلها مستفزة بدرجة إضافية مع اقتراب الانتخابات الأميركية، فهي تتمنى أن يرحل ترامب في 2021 وأن يحلّ مكانه رئيس أكثر تساهلاً لمضايقته بسهولة. كانت الأمم المتحدة شبه غائبة خلال انتشار هذا الوباء العالمي، إذ تعامل النظامان الديمقراطيان اللذان يتلقيان أسوأ معاملة من الأمم المتحدة، أي إسرائيل وتايوان، بطريقة ممتازة مع الأزمة القائمة، على عكس الصين التي تحظى بمعاملة خاصة هناك. على صعيد آخر، لن يُهزَم فيروس كورونا على الأرجح بفضل منظمات الصحة الدولية أو اللجان العابرة للحدود والمدعومة من الأمم المتحدة، بل إن التعاون العلمي بين البلدان الغربية سيكون كفيلاً باكتشاف اللقاحات والترياقات، لا الجمعيات الدولية المدعومة وغير الخاضعة للمساءلة. حين بدأت أزمة كورونا، كانت الولايات المتحدة تواجه عجزاً سنوياً محتملاً بقيمة تريليون دولار، بعدما استلم دونالد ترامب إرث جورج بوش الإبن وباراك أوباما، وقد تؤدي الحاجة إلى تجديد السيولة الفورية في الاقتصاد الأميركي المنهار إلى تصاعد العجز في الميزانية بدرجة قياسية تصل إلى 3 تريليونات دولار أو أكثر خلال هذه السنة، وهذا المبلغ الهائل يبقى مقبولاً بسبب أسعار الفائدة القريبة من الصفر والركود العالمي الذي كبح إنفاق المستهلكين.لكن ستواجه الولايات المتحدة قريباً استحقاقاً صعباً ما لم تتقبل الفكرة القائلة إن الأميركيين المقتصدين لن يتلقوا مجدداً فوائد حقيقية على حسابات التوفير الخاصة بهم، وإن التضخم تلاشى إلى الأبد، لكنّ هاتين الفكرتَين مشكوك فيهما. باختصار، قد يزول الفيروس يوماً، لكنّ العالم المخيف سيتابع مساره!* فيكتور ديفيس هانسون