تفادي أزمة أمنية تفضي إليها جائحة فيروس كورونا في إفريقيا
على الرغم من أن جائحة كوفيد-19 لا تؤثر في الجميع بالقدر ذاته، فإنها تؤكد الحقيقة البدهية القائلة إن التحديات العالمية في عالم اليوم المترابط تتطلب حلولا عالمية، والسبيل الوحيد إلى بناء عالم أكثر أمانا بعد الجائحة لابد أن يمر عبر ضمان عدم نبذ إفريقيا بالعراء.
ذهب بعض المراقبين إلى وصف أزمة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) على أنها "الـمُـوازِن الأعظم"، فقد غزا هذا المرض أغنى الاقتصادات في العالم، حيث أصاب الفيروس بعدواه بعض أبرز الشخصيات هناك، من الساسة مثل رئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون إلى ملوك هوليوود مثل توم هانكس، لكن البلدان النامية وخصوصا الفقيرة بينها، تظل أكثر ضعفا وعُـرضة للخطر بأشواط من بلدان العالم المتقدم، وليس خطر العواقب الصحية المترتبة على الجائحة فقط، بل أيضا خطر انعدام الأمن ـوالاستقرار نتيجة للاستجابة لها.حتى الآن، كانت التدابير الأكثر فاعلية في الحد من انتشار كوفيد-19 تتلخص في فرض القيود على السفر، وقواعد التباعد الاجتماعي، والحجر الصحي الكامل، حيثما كان ذلك قابلا للتطبيق، لكن التنفيذ السريع لهذه التدابير يشكل ضرورة أساسية.رأينا ما حدث في بعض البلدان الإفريقية، مثل رواندا، حيث أوقفت الحكومة جميع رحلات الركاب الجوية ثلاثين يوما بعد تأكيد 11 حالة فقط من الإصابة بالفيروس، ثم وضعت البلاد بأسرها تحت الإغلاق 28 يوما، وسرعان ما حذت أوغندا المجاورة حذو رواندا، ومعها نيجيريا، وجنوب إفريقيا، وإثيوبيا، بين دول أخرى.
لكن الاستجابة في أماكن أخرى كانت مجزأة وضعيفة، ونظرا لمدى الترابط العالمي، فإن هذا يجب أن يقلق الجميع.تتمتع البلدان المتقدمة بأنظمة رعاية صحية أقوى، لكنها تظل معرضة للخطر بشدة: أبلغت الولايات المتحدة مؤخرا عن أكثر من 1800 حالة وفاة مرتبطة بمرض فيروس كورونا 2019 في يوم واحد، فهل لك أن تتخيل الآثار المترتبة على فاشية مماثلة في إفريقيا، إذ تملك نيجيريا أقل من 500 جهاز لمساعدة التنفس، وهي الدولة التي يقطنها 200 مليون نسمة، ما يقرب من ثلثي سكان الولايات المتحدة، التي تملك نحو 172 ألفا من أجهزة مساعدة التنفس، وما دام الفيروس يواصل الانتشار في أي بلد، فإن هذا يعني أن كل بلد في العالم معرض لخطر موجات جديدة من العدوى.لكن الخطر يتجاوز الفيروس في حد ذاته، ففي العديد من البلدان النامية، تعتمد الغالبية العظمى من العمال على أجور يومية متواضعة، ولا يمكنهم العمل عن بُـعد، وعلى هذا، فإن تدابير التباعد الاجتماعي تهدد قدرتهم على البقاء، ولن يتسنى لحكومات إفريقيا حماية هذه الفئات الضعيفة إلا من خلال القيادة القوية وعميلة اتخاذ القرار المستنيرة.مرة أخرى، تقدم بعض الدول مثالا إيجابيا، فقد أعلنت حكومة رواندا خططاً لتوصيل الغذاء إلى أكثر من 20 ألف أسرة معرضة للخطر في العاصمة كيجالي، وتوفير الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء مجانا، ولكن في مجمل الأمر، لا تُـعَـد وسائل الحماية الاجتماعية كافية على الإطلاق لحماية فقراء إفريقيا أثناء الإغلاق.في قارة اشتمل تاريخها الحديث على الكثير من الصراعات العنيفة، يشكل هذا وصفة لكارثة مؤكدة، فالضغوط الاقتصادية تولد الإحباط، وخصوصا إزاء السلطات، مما يزيد مخاطر حدوث الاضطرابات، وتجدد الحروب الأهلية، والانقلابات العسكرية. وكما حَـذَّر جون نكينجاسونج، مدير المراكز الإفريقية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، فإن الجائحة قد تشكل "أزمة أمن وطني أولا، ثم أزمة اقتصادية ثانيا، وأزمة صحية ثالثا". الواقع أن المجتمع الدولي لا يبذل القدر الكافي من الجهد لمساعدة البلدان الإفريقية على التخفيف من التهديد الذي تفرضه جائحة كوفيد-19، ويرجع هذا جزئيا إلى القيود المفروضة على الموارد: ففي حالة الجائحة، يجب تقاسم التمويل من المؤسسات المتعددة الأطراف مثل صندوق النقد الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، والبنك الدولي، عبر العديد من البلدان، في حين تركز الحكومات مواردها في الإنفاق على الاحتياجات المحلية.الحق أن الموارد العامة محدودة للغاية، حتى أن بعض الدول تعتمد على المساعدات الخيرية. على سبيل المثال، تبرع الملياردير الصيني جاك ما بمليون ومئة ألف مجموعة اختبار، وستة ملايين قناع جراحي، وستين ألف بذلة واقية ودروع للوجه لإفريقيا. (كما تبرع بمليون قناع وجه، وخمسمئة ألف مجموعة اختبار للولايات المتحدة، وهو أمر ما كان لأحد أن يتصور حدوثه قبل بضعة أشهر فقط). كما قدمت شركات وأصحاب مليارات من الولايات المتحدة تبرعات ضخمة.لكننا لا نستطيع أن نعتمد على خيرية المحسنين والشركات لكسب هذه المعركة، بل نحن في احتياج إلى استجابة عالمية موحدة- بما في ذلك التنسيق بشأن تدابير مثل القيود المفروضة على السفر وقواعد الحجر الصحي- مع الاستعانة بقيادة فعّالة، كما يجب أن تعمل حكومات الدول الغنية والمنظمات المتعددة الأطراف على زيادة الدعم الذي تقدمه للبلدان المنخفضة الدخل، دون إضافة إلى ديونها الدولية.من الأهمية بمكان أيضا تخصيص الموارد- من معدات الوقاية الشخصية إلى مجموعات الاختبار إلى أجهزة مساعدة التنفس- تبعا للحاجة، وفي وقت حيث يحذر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس من "تسارع مثير للقلق" لمعدلات انتقال عدوى الفيروس في إفريقيا، فمن الواضح أن احتياجات القارة تتزايد.لكن احتواء مرض فيروس كورونا 2019 ليس كافيا، بل يتعين على الدول أن تسارع إلى تعزيز أنظمتها الصحية، للحماية ضد الفاشيات الـمَـرَضية في المستقبل، وهذا لا يتطلب الاستثمار في المعدات والبنية الأساسية فقط، بل أيضا في الموظفين والعاملين، مع التركيز على المهنيين الطبيين المدربين على التفكير الشمولي المترابط. في جامعة الإنصاف الصحي العالمي في رواندا، نعلم طلابنا منذ البداية النظر إلى ما وراء الواقع السريري المباشر لمراعاة العوامل الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية والسياسية ذات الصِلة.أظهرت أزمة كوفيد-19 مدى السرعة التي قد يلف بها مرض جديد العالم، فينشر المعاناة والموت على نطاق واسع، وبدلا من انتظار اندلاع الفاشية الـمَـرَضية التالية، ثم محاولة اللحاق بها، ينبغي لكل البلدان أن تعمل على تطبيق الدروس المستفادة من هذه الجائحة لتعزيز الجاهزية والوقاية.على الرغم من أن جائحة كوفيد-19 لا تؤثر في الجميع بالقدر ذاته، فإنها تؤكد الحقيقة البدهية القائلة إن التحديات العالمية في عالم اليوم المترابط تتطلب حلولا عالمية، والسبيل الوحيد إلى بناء عالم أكثر أمانا بعد الجائحة لابد أن يمر عبر ضمان عدم نبذ إفريقيا بالعراء.* آبيبي بيكيلي عميد مـؤَسِّس ونائب رئيس جامعة الإنصاف الصحي العالمي للشؤون الأكاديمية والبحثية، وأستاذ الجراحة في كلية الطب في جامعة أديس أبابا، وزميل كلية الجراحين لشرق ووسط وجنوب إفريقيا، وزميل الكلية الأميركية للجراحين. «بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»
أزمة كوفيد-19 أظهرت مدى السرعة التي قد يلف بها مرض جديد العالم فينشر المعاناة والموت على نطاق واسع