الخصخصة... وحوار الطرشان
لابد أن تكون الكويت دولة تتمتع بسياسات حصيفة على كل الصعد، فهي تملك العقول والمعلومات وشيّدت باعتبارها دولة مؤسسات منذ ما يقارب الستين عاماً. أدرك أن العلة كانت وما زالت في الإدارة الحكومية التي وقفت وتقف منذ ستين عاماً موقف العاجز والمتفرج، بدلاً من أن تكون صانعاً للحدث، وتتبنى سياسات حصيفة على كل المستويات.وقد صدق على حكومتنا المثل الشعبي المعروف "إذا عرف السبب بطل العجب"، نعم العلة لدينا في الإدارة الحكومية العاجزة والمتفرجة! لماذا وما هو السر في ذلك؟ إن الكويت تدار من قبل حكومتين إحداهما رسمية وأخرى خفية وهي الدولة العميقة. أما الحكومة الرسمية فتتسم بتركيبتها غير المتجانسة والشكلية، لأنها لا تملك اتخاذ القرار، ولا يعدو وزراؤها أن يكونوا موظفين حكوميين دائماً بانتظار التوجيه والأوامر، وهو ما ضاعت معه مكانة الحكومة ومؤسسية مجلس الوزراء منذ عقود عديدة من الزمن، فإذا أدركنا جملة أخرى من الحقائق بشأن الحكومة، مثل وجود حالات واضحة من تعارض المصالح لدى عدد من الوزراء، وخصوصاً من يملك منهم قدرة للتأثير بالقرار الحكومي، إلى جوار أنه في أحيان كثيرة ليسوا هم من يتخذ قرار الحكومة، إنما الحكومة الخفية التي هي الدولة العميقة المتحكمة في شؤون البلد، ومما يزيد من ضعف الحكومة ودورها المؤسسي أن تكوينها هش من شخصيات أقرب ما يكونون للموظف الذي لا يمكن أن يضع سياسات عامة، لكونه تعود على تلقي الأوامر والتنفيذ، وكل طموح معظمهم أن يتم التجديد له بالمنصب الوزاري رغم أنه تكملة للعدد ليس إلا.
في سياق المعطيات السابقة لمكانة الحكومات المتعاقبة وقدرتها، نستوعب لماذا ليس لدينا سياسات حكومية حصيفة، ولعل موضوع الخصخصة خير شاهد ودليل، وما ينطوي عليه من تناقضات صارخة وممارسات انتهازية للانقضاض على مقدرات البلد. ولعل مراجعة سريعة لكل ما تم ويتم "تحت مسمى الخصخصة" على مدى سنوات، يكشف حقائق مؤلمة وصادمة، فالقطاعات والشركات والأنشطة التي تمت خصخصتها، كانت لقطاعات أو شركات ناجحة، أو طبيعة نشاطها أنها مدرة للربح دون مجهود، كما هو الحال لشركة الهواتف المتنقلة أو محطات البنزين أو بعض البنوك أو بيع ملكية الأسهم في شركات عديدة، إذ إن عقلية الانتهازية ونهب أموال ومقدرات الدولة كانت تقف وراء "عمليات الخصخصة"، كي تستأثر أطراف الدولة العميقة من بعض التجار والشخصيات المتنفذة بالعوائد المضمونة لقطاعات وشركات ناجحة أو مدرة، فيتم جني الأرباح والعوائد بلا مجهود، ودون أن يكون للخصخصة أي مردود حقيقي على الاقتصاد الوطني، بل ولنشهد كيف أن تلك الشركات والقطاعات المخصصة ليس لها إسهام في الاقتصاد الوطني، بل تنهكه وتتحايل عليه، فبعض من يدعو إلى الخصخصة ويستولي على القطاعات المنتجة أول من يهرول ويطالب بتملك الدولة لأنشطتهم بكلفة باهظة كلما حدثت أزمة اقتصادية، فتتحمل الدولة الخسارة مرتين عند الخصخصة وعند إعادة التملك بلعبة مؤلمة ومرسومة لنهب ثروات الدولة.وقد سعى أطراف الدولة العميقة بمحاولات عديدة إلى خصخصة الكويتية وشركة المواشي وشركة المطاحن، والجمعيات التعاونية وأنشطة أخرى عديدة، لتحقيق غاياتهم غير الوطنية، وللإثراء على حساب الدولة، لكن الحمد لله خابت مساعيهم، وكشفت الأحداث ومنها أزمة كورونا أن الكويت والناس بخير وأمن وأمان وطني وغذائي وصحي، لأنه لم تتم خصخصة الكويتية وشركة المواشي وشركة المطاحن، والجمعيات التعاونية والمستوصفات والمستشفيات، وإلا كانت البلد والناس اليوم في أزمات إجلاء وصحية وغذائية وأمنية، ولتم نهب مقدرات الدولة بصورة مضاعفة، بسبب غياب السياسات الحكومية الحصيفة.