عندما حضر الموسيقار الأكاديمي يوسف شوقي، إحدى الحفلات في مدرسة روض الفرج الابتدائية، استمع إلى تلميذ صغير يغني لأم كلثوم وعبدالحليم حافظ، وانبهر بصوته، واستأذن أسرته أن يقدمه إلى الإذاعة، ويبدأ مشواره الفني في البرنامج الشهير "أبلة فضيلة"، لكن المطرب الصاعد انقطع عن الغناء لفترة، وتفرّغ للدراسة حتى التحق بجامعة الأزهر، وحصل على ليسانس الآداب قسم التاريخ، إلا أن حلم الغناء لم يفارق الفتى الذي شارف على العشرين، وانطلق نحو عالم الأضواء والشهرة.طوى الطالب محمد محمود صالح صفحات التاريخ، وعلَّق صورة شهادته الجامعية في إطار، وكعادة الكثيرين من أهل الفن، اختار لنفسه اسماً فنياً "مدحت صالح" وحمل معه أصداء الطفولة والصبا التي عاش أيامها في روض الفرج (أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة)، ولم يفصح مطرب "كوكب تاني" عن ذكرياته في تلك الفترة، وهل وجد ممانعة من أسرته في دخول عالم الغناء، واعتبار تجربته مع الإعلامية الشهيرة فضيلة توفيق، مجرد سحابة عابرة.
ورأى البعض أن دراسة صالح للتاريخ وتخرّجه في جامعة الأزهر، قد تتعارض مع اشتغاله بالفن، لكنّه واجه ذلك بردود حاسمة، وأن الفنان يحمل رسالة مهمة في الارتقاء بالوجدان، وأنه حفظ وأتقن تجويد القرآن الكريم، بما عزَّز لديه القدرة على الغناء وفق المقامات الموسيقية بشكل صحيح، وهناك أمثلة كثيرة لفنانين كانت دراستهم أزهرية، واتجهوا إلى الأدب والموسيقى، منهم الشاعر كامل الشناوي والملحن زكريا أحمد.انطلقت موهبة المطرب مدحت صالح بسرعة البرق، وعرفه الجمهور من خلال أغنيات "أكيد" و"لما قالوا عينيك" وأغنية "حد يقول لحبيبي" من ألحان الموسيقار محمد سلطان، ثم شدا في إحدى الحفلات التي حضرها رئيس الجمهورية بأغنية "يا جريد النخل العالي"، التي كانت سبباً لينال شهرة ونجاحاً كبيرين، وأضحى من نجوم الصف الأول في الغناء، وتوالت أغانيه وسجل العديد من الألبومات الناجحة، وإن ظلت أغنيته "كوكب تاني" علامة فارقة في مشواره الغنائي.وخاض صالح تجربة التمثيل في المسرح والدراما التلفزيونية، وأقنع الجمهور بتجسيده لشخصيات متباينة، ولا يدري أحد هل تدرب على هذا الفن، أم أنه صقل موهبته من خلال التجربة، وبدت مغامرة خطيرة من المطرب الشاب، لا سيما أن عددا كبيرا من المطربين أسندت إليهم بطولات سينمائية، ولم يحققوا نجاحا مماثلا لمشوارهم الغنائي، بل إن بعضهم توارى عن الأنظار، واختفى من الساحة الفنية.
وبدا أن مطرب "كوكب تاني" مغامر بطبعه، وفي حالة تجريب فني دائم، ويمتلك أدواته من صوت مميز وشديد الرهافة، وعشق للفن بلا ضفاف، ولم يكن غريبا على فنان من هذا الطراز، أن يعيد غناء الكثير من أعمال المطربات والمطربين الكبار، والموشحات التراثية، وباتت حفلاته الغنائية مزيجا بين أغنياته الخاصة، وأخرى لأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وفريد الأطرش وفايزة أحمد ومحمد عبدالمطلب وغيرهم، لكنه كان على موعد مع مغامرة من نوع آخر، والوقوف على حافة خطيرة كلاعب في سيرك، والمقامرة بكل نجاحاته السابقة.
مأزق المغامر
تتابعت رحلة المغامر مدحت صالح، ودخل في عام 1994 إلى لحظة فارقة بمشواره الفني، واتجه إلى المسرح الغنائي، ليحقق حلمه كمطرب في خوض تجربة درامية يتخللها بعض الأغاني، ووجد ضالته في نص مسرحي بعنوان "حزمني يا" من تأليف الكاتب أحمد عوض، وإخراج سمير العصفوري، ليشارك في بطولته مع الفنانة فيفي عبده والفنان حسن حسني والفنان شريف منير، والنجم الكوميدي الصاعد - آنذاك - محمد هنيدي والفنانة ماجدة زكي والفنان محمد متولي، واكتملت عناصر النجاح للمسرحية، ولاقت إقبالا جماهيريا كبيرا. وبدت قصة "حزمني يا" وثيقة الصلة بأحداث واقعية، ولعب صالح دور "بسَّام" أحد أفراد عائلة "الزواوي" ويعيشون في فيلا والدهم المتوفى، ولكل منهم أحلامه وطموحاته الخاصة، ويتفقون على أن حل مشاكلهم سينتهي ببيع ميراثهم، لكن شقيقهم الأكبر يرفض البيع، وفي أثناء عرض المسرحية دارت في الكواليس أحداث أخرى، وتوطدت علاقة فريق العمل من خلال الوجود اليومي في المسرح، وباتوا أشقاء في الواقع وعلى خشبة المسرح، وجمعهم مزاج فني مشترك، ورغبة أن يواصلوا هذا النجاح في أعمال قادمة.وبين يوم وليلة تصاعدت الأحداث على نحو مفاجئ، وتناقلت الصحف أخبار الخلافات الحادة بين الفنانة فيفي عبده وزميلها الفنان مدحت صالح، فبعد أيام قليلة من دخول صالح قفص الزوجية الذهبي مع الفنانة شيرين سيف النصر، فوجئ الوسط الفني بحكم صدر في يونيو 2002 لمصلحة فيفي عبده ضد صالح، ويقضي بحبسه سنتين مع الشغل، وكفالة 200 جنيه لوقف التنفيذ مؤقتا.الحكم جاء لإصدار صالح شيكاً من دون رصيد للسيدة عطيات عبدالفتاح إبراهيم، وشهرتها فيفي عبده بمبلغ نصف مليون جنيه، وأعلنت فيفي أن لديها ثلاثة شيكات بنفس القيمة المالية، وأنها ستقدمهما إلى المحكمة إذا لم يسدد مدحت ما عليه.الغريب أن مدحت لم ينف وجود مشكلة حول مبلغ قيمته مليون ونصف المليون جنيه، وأنه بالفعل أخذه من فيفي، لكن على سبيل مشاركتها في استديو التسجيل الصوتي الذي امتلكه في ضاحية الجيزة قبل تلك الواقعة بخمس سنوات، وقال: "إن ما بيننا هو حسابات خسائر وأرباح"، وأضاف: "القضاء هو الفيصل بيننا".على جانب آخر، نفت فيفي كلام صالح، وقالت إنها أعطته هذه الأموال على سبيل القرض الصحيح، وانتظرت أن يردها، إلا أنه لم يفعل، فرفعت الأمر إلى القضاء، وهددت برفع بقية الشيكات إن لم يسدد ما عليه، وحينها أكدت: "راعيت الاعتبارات الإنسانية إلى آخر لحظة، لكنه هرب منّي إلى درجة أنه لم يرد على اتصالاتي".واشتعلت حرب التصريحات الصحافية بين الطرفين، وكتبت أقلام أن العلاقة بين صالح وفيفي بدت قريبة ووثيقة أثناء عملهما معاً في مسرحية "حزمني يا"، وبعدها اتفقا على مشروعات فنية أخرى، وفي ذروة هذا الخلاف قدمت فيفي مسرحية "ادلعي يا دوسة" إخراج حسن عبدالسلام، وشاركها البطولة الفنانون سامي العدل وماجد المصري ونبيل الهجرسي وغيرهم، لكنها لم تحقق نجاحا كبيرا، رغم عرضها على مدى ثلاثة أشهر.ودارت في الكواليس رواية أخرى، أن الصداقة توطدت بين المطرب والفنانة الاستعراضية، لكنها مرت بفترة من البرود، وتفاقمت مشاكل مالية بينهما حول مشروع استديو تسجيلات صوتية في ضاحية الهرم تشاركا في بنائه معا، على أن يدفع كل منهما النصف، وبعد الانتهاء من الاستديو وعمله في تسجيلات ألبومات العديد من النجوم، قال مدحت إنه لم يحقق المكاسب المرجوة منه، فطلبت منه فيفي حصتها التي دفعتها، على أن تصير ملكية الاستديو بالكامل له، ووعدها مدحت بتسديد هذه المبالغ في أقرب فرصة، لكنه لم يف بوعده، مما اضطرها إلى اللجوء للقضاء.المطرب الهارب
وبلغت الأحداث ذروتها، ولم يجد صالح أمامه سوى التصالح مع زميلته في قضية الحكم الصادر بحبسه ثلاث سنوات، وبعد أن دفع لها نصف مليون جنيه، وبحلول أكتوبر 2003 بات حكما نهائيا وواجب النفاذ، وتدخّل وسطاء بين الطرفين، وأصرت عبده على الحصول على المبلغ كاملاً للتنازل عن الحكم، وبالفعل حضر محامي المطرب وسلّمها المبلغ أمام المحامي العام لنيابات جنوب الجيزة، المستشار خالد رضوان، الذي أصدر قراراً بوقف تنفيذ الحكم وقبول التصالح.ورغم هذا لم تنته الخلافات القانونية، لأن فيفي حصلت على حكم ثانٍ بحبس صالح سنتين من محكمة جنح العجوزة (وسط الجيزة) لإصداره شيكا ثانيا قيمته نصف مليون جنيه، لكنّ المطرب استأنفه أمام محكمة جنح مستأنف العجوزة.وبات مطرب "كوكب تاني" في مرمى تحريك القضايا، وفي مارس 2006 بدأت أجهزة الأمن في الجيزة تحرياتها للقبض على مدحت، لتنفيذ الحكم الصادر ضده من محكمة جنح مستأنف العجوزة بالحبس لسنتين، ورفض المعارضة الاستئنافية المقدمة منه، لعدم جديته في التصالح مع فيفي. وكانت الفنانة الاستعراضية قد حركت دعوى أمام محكمة جنح العجوزة (وسط الجيزة) ضد مدحت صالح بتهمة تحرير شيك لها قيمته 600 ألف جنيه، تبين أنه من دون رصيد. فطعن المطرب بالتزوير، وأكد أن التوقيع الموجود عليه ليس توقيعه، لكن الطب الشرعي أكد أن التوقيع سليم، وقضت المحكمة بمعاقبته بالحبس سنتين مع الشغل، ودفع تعويض مؤقت، قدره 51 جنيها.واستأنف المطرب الحكم أمام محكمة جنح مستأنف العجوزة، وأيدت المحكمة الحكم غيابياً بالحبس مدة سـنتين، فقدّم المطرب معارضة اسـتئنافية، وطلب أجلاً للتصالح، إلا أن دفاع الفنانة رفض الطلب لعدم جديته في التصالح، فأيدت المحكمة الحكم للمرة الثانية، وأصبح واجب النفاذ.وتسارعت الأحداث، وتسلمت إدارة تنفيذ الأحكام في مباحث الجيزة صورة من الحكم في 6 مارس 2006، وبدأت البحث عن المطرب للقبض عليه لتنفيذ الحكم، ولم يعد أمامه سوى الطعن أمام محكمة النقض من داخل السجن، أو تنازل فيفي عبده عن الدعوى بالتصالح والإقرار بحصولها على حقوقها المالية، ثم انقطعت الأخبار بشأن هذه القضية تماماً فيما بعد، وتم تسوية الأمر في اللحظات الأخيرة بين طرفي الخصومة، حين اجتمعا معا في نيابة الجيزة، وتصالح صالح مع عبده، بعد أن سدد لها مبلغ مليون ونصف المليون جنيه مصري الذي استدانه منها.أزمات وشائعات
في أثناء الأزمة، انطلقت شائعات مفادها أن فيفي عبده كانت على علاقة حب أو زواج مع مدحت، وأنه بمجرد إعلان زواجه وقتذاك من الممثلة شيرين سيف النصر، أرادت فيفي الانتقام منه، فحركت هذه القضايا ضده، خاصة أنها كانت على خلاف مع شيرين، لكن صالح نفى هذا الكلام.وفي حوار تلفزيوني أجراه معه الإعلامي عمرو الليثي من خلال برنامج "الخطايا السبع" في أغسطس 2012، أدلى باعترافات جريئة كشفت العديد من أسرار حياته الشخصية، وتطرق النجم المشهور إلى تفاصيل أزمته مع فيفي، وقال إنها كانت مجرد خلاف مادي، نافياً أن يكون قد تزوج منها، وأضاف: "تزوجت أربع مرات لا 10 مرات، ولم أتزوج فيفي عبده".وتكرر ظهور صالح على الشاشة الصغيرة، وتطرق مجددا إلى أزمته مع فيفي عبده، وفي 2 يناير من العام الماضي، كشف خلال لقائه مع الإعلامية سمر يسري في برنامج "الحفلة" قائلا: "ليس لديّ فكرة الخصام، ولا أحب العداوة مع الآخرين، ولكن أعرف جيداً كيف ألغيه تماماً من حياتي، دون أن أذكر أسماء بعينها".وأغلق مطرب "كوكب تاني" ملف أزمته مع زميلته الفنانة فيفي عبده، وقال: "منطقي في الحياة، لا خصام يصحبه ردود أفعال غير لائقة، وفي حالة أن شخصاً تعامل معي بطريقة غير مهذبة أو خارجة عن الحدود، لا أرد عليه، وأكتفي بأنني أغادر المكان فقط، وأضعه تحت قدمي، لأنني أقدّر نفسي جداً، وأعتبر نفسي أغلى من الجميع".