قبل سنوات أطلقت الحكومة عبر أجهزتها حملة إعلامية ضخمة ملأت الشوارع والصحف والشاشات تحت عنوان "هده خله يتحدى".حيث كانت تلك الحملة تهدف إلى تشجيع المواطنين على العمل في القطاع الخاص، بالإضافة إلى الحوافز المالية المقدمة من الحكومة لهذا القطاع وللعاملين فيه، متمثلة بدعم العمالة الوطنية، وقد كانت الركيزة الأساسية لمن يتبنى تشجيع المواطنين على التوجه إلى القطاع الخاص هي أن العوائد المالية للموظفين في ذلك القطاع أكبر منها في الحكومية، وأن فرص الترقيات والتطور الوظيفي أكبر إذا ما اقترن بالأداء الجيد للموظف.
وبالفعل فقد اتجه الكثير من الكويتيين قبل هذه الحملة وبعدها إلى العمل في القطاع الخاص لمغرياته حينها والمتمثلة بالرواتب الأكبر بشكل أساسي.إلا أن الحكومة نفسها وبعد كل هذه الحملات التشجيعية للعمل في القطاع الخاص وشرح مزايا هذا القطاع وتحديدا المالية، زادت الحكومة نفسها بعد أشهر قليلة رواتب القطاع الحكومي بأكمله تحت مسميات مختلفة: كادر، وبدل، وغيرها من مسميات، ليصبح بذلك راتب الموظف الحكومي مساويا تقريبا لراتب الموظف في القطاع الخاص بل يتفوق عليه أحيانا!!لم تكتف الحكومة بهذا الأمر فحسب، بل إنها خضعت لضغوط العاملين في القطاع النفطي، فقبلت بزيادات رواتب فلكية إذا ما قورنت برواتب الحكومة والقطاع الخاص، بل إن أحد أعضاء النقابات النفطية في تلك الفترة أخبر أحد الأصدقاء بأنهم في النقابات النفطية بالغوا في مطالباتهم وامتيازاتهم لكي يتفاوضوا مع الحكومة والوصول إلى حل وسط، إلا أنهم فوجئوا بموافقة الحكومة على مطالباتهم جميعها دون مفاوضة.على أي حال هذه البعثرة الحكومية اعتدنا عليها خصوصا في مرحلة رئيس الوزراء الأسبق، إلا أن حديثي عن اليوم والغد أيضا، فقد أصاب هذا الوباء العالمي الاقتصادات العالمية كلها دون استثناء، والكويت لم تكن بمنأى عن ذلك، إلا أنني سأركز على ذلك الشاب الذي اقتنع بحملة "هده خله يتحدى" واتجه للعمل في القطاع الخاص حينها، وتحمل أيضا زوال الامتياز المالي الذي كان يميزه عن موظف الحكومة، واستمر في العمل بالقطاع الخاص، ليفاجأ بعد هذا الوباء بأنه مطالب بالعمل رغم فترة توقف الأعمال، ومطالب بقبول أن يخفض راتبه من جهة عمله في هذه المرحلة، ومطالب أيضا بأن يقتطع من رصيد إجازاته السنوية في ظل هذه الظروف، في حين أن الموظف الحكومي الذي لم "يتحدّ" يجلس في بيته ويتقاضى راتبه كاملاً، وهو غير مطالب بأن يخصم يوم من رصيد إجازاته.هذا الواقع اليوم، أما في الغد وبعد زوال هذا الوباء إن شاء الله، فكيف سيقتنع أي شخص بأن "يتحدى" وقد تلاشت كل المغريات، بل نسفت كلها، وهو ما يعني أن القطاع الحكومي المترهل أصلا سيشهد إقبالا كثيفاً، ولن يكون للقطاع الخاص أي نصيب لأن من يقبل التحدي في ظل هذه المعطيات فلن يكون شخصاً ذكياً.
مقالات
وين التحدي؟
30-04-2020