القانون ليس نصوصاً فقط
ممكن لوزارة الصحة أن تطبِّق البروتوكولات المتفق عليها دولياً للحد من وباء كورونا، من دون أن تنتهك حقوق وخصوصيات الناس. واجب هذه الوزارة، وكل مَن يمثل السُّلطة في وزارات ومؤسسات الدولة، أن تطبق القانون بنصه وروحه من غير تعسف، وتجنب إلحاق الضرر والأذى للبشر. كل هذا ممكن ومطلوب، لكن هناك شروطاً وحدوداً لا يصح تجاوزها وانتهاكها، بحجة أن الدولة تواجه ظروفاً استثنائية لوباء مرعب لا يمكن وقفه بغير تضحيات مفترضة لحقوق وكرامات الأفراد.
أكثر من شكوى نسمعها اليوم من العائدين من الخارج ومن أهاليهم، بسبب النهج الذي تتبعه وزارة الصحة في متابعة المحجور عليهم بمنازلهم؛ والد طالبة تدرس في الولايات المتحدة، تصورت وتخيل أهلها معها أن حالتها الصحية والنفسية ستكون أفضل في وطنها ومع أسرتها، إلا أن هذا لم يكن صحيحاً، فقد أضحى الكثيرون من القادمين يحيون بكابوس أورويلي (نسبة للكاتب أورويل في قصة 1984)، رقابة متشنجة مستبدة وتهديدات بلهجة متعالية متغطرسة على مدار الساعة للمحجور عليهم منزلياً، اتصالات تلفونية متلاحقة للقادمة، مع الطلب منها صورة "سلفي" في مكانها، لا تستطيع أن ترد فهي في الحمام، اتصال آخر لوالدها من تطبيق "شلونك" في "الصحة" يهدد ويتوعد بنقل المحجور عليها بعد القبض عليها للحجر المؤسسي- في تصوري أن القاطنين بالدولة هم في حجر مؤسسي اجتماعي دائم قبل كورونا. تخرج الفتاة المرعوبة من الحمام وتعاود الاتصال بالمسؤولين، تـريد أن تؤكد أنها حيَّة تُرزق، وأنها لم تهرب من البيت، لكنها في سرداب المنزل والتواصل بالنقال صعب، لا أحد يرد من المسـؤولين... اتصال جديد آخر من جهاز "الأخ الكبير يراقبك"... ولا نهاية لهذا العذاب النفسي.أما كان من الأفضل لهذا الصديق الذي أخبرني عن حكايته وحكايات غيره مثله، لو أن ابنهم أو ابنتهم لم يغادروا مكان دراستهم في دول السنع، بدلاً من مشوار العذاب وممارسة طقوس تقبيل أرض المطار وزج آيات الشكر والامتنان للمسـؤولين حين يقومون بواجبهم المفروض! ما هذا؟... القانون ليس مجرَّد نصوص وتعليمات تهبط من الأعلى، هو فكر وثقافة ووعي من صاحب الخطاب ومن المخاطبين بأحكامه.