ترياق الشورى والعزم
حريق كورونا آخذٌ في الاشتعال والزحف علينا من الجهات الأربع، ونحن وحكومتنا ندير طواحين هادرة بالجدل والوعود ليس وراءها طِحْن، وبعضنا في غيبوبة التنظير لما بعد كورونا حتى صنعنا بهذا جوّاً حاضناً للوباء لأننا غفلنا عن مصدر الخطر الذي يتجول داخل أسوارنا في الوقت الذي نجد فيه المملكة العربية السعودية الشقيقة تبدأ برفع الحظر حزئياً وتعيد تجارة التحزئة والجملة والمولات وأعمال الإنشاءات وغيرها، ونحن تائهون في دائرة مفرغة ليس لها نهاية أورثت الارتباك وحالة اللايقين لدى الجميع.فالحكومة متفردة ومستغنية عن الرأي في أشرس نازلة تضرب الجنس البشري على مستوى الأرض، مع أننا بحاجة ماسة إلى استنهاض العقول الذكية والمبدعة في إطار خلايا عمل تضع أرشد الخطط لمحاصرة الوباء وإخماده، وبحاجة إلى حكومة ذات عزم فولاذي لتنفيذ ما تقرره هذه العقول الفذة متكلين على الله.إن الله جل شأنه وبعد هزيمة معركة أُحُد نتيجة مخالفة الرماة وانكشاف الجيش، يقول: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ". فقد حث المشرع الحكيم على استمرار الشورى رغم الهزيمة وأسبابها، ولم يرفع الإسلام شعار لا صوت يعلو صوت المعركة، بل يأمر الرب عز وجل في هذا الظرف رسوله بمشاورة المسلمين كمقدمة وشرط حيوي قبل انعقاد العزم والحركة، ثم التوكل على مسبب الأسباب سبحانه.
فلا بد من الاستنارة بالشورى التي تقترن بقوة العزم؛ الأمرين اللذين تفتقدهما الحكومة حالياً ويتمظهر ذلك في ما تتفرد به وتطلقه من تصورات وما تتخذه من قرارات، كإطلاقها تصور الحظر المناطقي والحجر الكلي وإعادة فتح الأسواق. إنها تصورات معلقة في الهواء شاعت ثم ذابت لأنها ليست انبثاقا حيوياً من شورى حقيقية ذات أساس علمي يقارنها عزم، ومثلها انفراد الحكومة في قرارات تم اتخاذها بعيدا عن المشاورة كتمديد السماح بتوصيل الطلبات ليكون إلى الساعة متأخرة، وكذلك الحجر المنزلي للذين يتم إجلاؤهم من الكويتيين على الرغم من أن هناك مناشدات بإيقافه والأخذ بالحجر المؤسسي فضلا عن إبقاء الأوضاع التي تضاعف معها انتشار المرض الوبائي دون أن نرى إجراءات وتصورات بديلة توقف هذه الأوضاع، وكأن الحكومة واقعة تحت ضغط أصحاب المحال والشركات والمطاعم، فعملية توصيل الطلبات وحركة أعمال الإنشاءات على أشدها، ناهيكم عن أخطر ثغرة في جدار الحظر وهي عمالة الجمعيات فتضاعفت معه الإصابات بالمئات زاحفاً إلى قلب المناطق.أما عن عزم الحكومة فإننا نرى حركتها في التنفيذ متثاقلة متباطئة كحركة الباخرة الضخمة التي تفتقد المناورة والتكتيك السريعين في مواجهة الوباء ومفاعيله السلبية المتنامية التي تستوجب حركة بخفة ومناورة الزوارق، فأولادنا من الكادر الصحي وزملاؤهم من الوافدين والمتطوعين في العمل التعاوني يفترسهم المرض الخبيث والحكومة بلا حراك.العمالة الوافدة في الجمعيات تنشر المرض ولا حل، فقد نشر عامل محاسبة هندي المرض في جمعية الفيحاء، وكذلك إصابة مدير جمعية الشرطة، والتكتيك السريع هنا يكون بمنع عمالة الإنشاءات والتصليحات من دخول المناطق، أما عمالة الجمعيات فيقوم الشباب المتطوعون من أهل المنطقة بأعمالها من تحميل وتنزيل للبضائع في المخازن وتعبئة رفوف أسواق الجمعيات وحتى تنظيفها وتعقيمها، لأن عمالة الجمعيات هي الأخطر بفعل الاحتكاك بالسكان.وفنيو التصليح للكهرباء والسيارات وغيرهم وأي عمالة ضرورية يجب فحصها وإسكانها في أماكن نظيفة داخل المنطقة، كما يجب عزل الكادر الصحي من ممرضين وفنيي مختبرات وصيادلة وعمالة التنظيف التابعة للمراكز الصحية والمستشفيات في مساكن بعيدة عن المناطق المصابة، فقد كان السكن سبباً في نشرهم المرض في المستشفيات.أخيرا لابد أن نبعد عن بيئة العمل بيروقراطية الوزارات، وذلك بالعمل في غرفة عمليات تحكمها آلية وروح الفريق الواحد مع تفويض يوفر المرونة القصوى لهذا الفريق بعيداً عن "الشُّو" والاستعراض الإعلامي القميء.