يبدو أن الأزمة المعاصرة التي تعصف بالعالم ما هي إلا ثورة ضد الأنظمة الديمقراطية، حيث توجهت الغالبية العظمى لمكافحة فيروس كورونا إلى اتخاذ تدابير مماثلة حتى شهد نوعاً جديداً من التضامن فيما بين الدول، ومن هذه التدابير تقييد حرية المواطنين في التنقل والحركة والتجمع. وهذه التدابير بلاشك لها تأثير ديمقراطي في ظل غياب مشرعي البرلمان حتى أصبحت السلطة التشريعية معطلة، وهذا التأثير لهذه الأزمة العالمية لا ينتهي على هذا، فقد تجاوز ذلك حتى طال السلطة القضائية المتمثلة بمحاكمها التي لا تنظر ولا تتعامل إلا مع الأحكام المستعجلة. أما على صعيد السلطة التنفيذية فأصبحت هي السلطة القائمة بجميع الأعمال دون قيد، مما أدى إلى كسر الضوابط، فأعلنت بذلك حالة طوارئ لم ير العالم مثلها، وعادة هذه الضوابط والتوازنات التي تم كسرها غالبا ما يتم تجاهلها من قبل السلطات التنفيذية في أوقات الأزمات التي تزيد خطورة تحول هذه الإجراءات الاستثنائية المؤقتة إلى دائمة. والأخطر من ذلك أن تؤدي التدابير التي تأخذها بإبعاد الناس عن الشارع وفرض التباعد الاجتماعي وحظر التجول والتجمعات للحد من انتشار هذا الفيروس إلى خلق موجة جديدة من الاستبداد وهذا ما استعرضه الفيلسوف الإيطالي والمنظّر القانوني جورجيو أغامبين في كتابه «حالة الاستثناء... الإنسان الحرام» الذي يعتبر أن السلطات تستخدم الظروف الاستثنائية لتبرير تعطيل القانون وحيازة السلطة المطلقة حتى في النظم الدستورية الديمقراطية. ولا نعتقد ما بعد كرونا يمكن أن يكون كما قبله لا وطنيا ولا إقليميا ولا دوليا، فهذا الفزع الذي ولده فيروس كورونا وعجز أمامه الكبار ينبغي أن تكون نتائجه أعمق، بلا شك من نتائج الحرب العالمية الثانية.
مقالات - اضافات
كورونا ثورة ضد الديمقراطية
01-05-2020