أي تركيبة سكانية نريد؟
عندما نشاهد كثرة الزحام في الأماكن العامة فإننا نقفز مباشرة إلى إلقاء اللوم على كثرة الوافدين في الكويت، وقد يكون ذلك صحيحا في أغلب الأحيان نظرا لتزايد أعدادهم بصورة ملحوظة، ومع ذلك نجد أن ذلك المواطن المتذمر لديه على كفالته ما لا يقل عن خادمتين، وسائق، وخادم للديوانية، و3 عمال للجاخور، هذا إذا لم يكن لديه عمل تجاري يكفل أعدادا أخرى من الوافدين، أو عمال يبنون منزله، أو ميكانيكي يقوم بإصلاح سيارته، أو عامل يخدمه في المطعم، أو طبيب يعالجه في المستشفى، وجميعهم من الوافدين.بإختصار نحن بحاجة إلى غالبية هؤلاء الوافدين، وهي مسألة حتمية فرضتها طبيعة مجتمعنا الذي مال بشدة الى حياة الرفاهية، وتبنى نظرة خاطئة تزدري تلك الوظائف، إضافة إلى توافر الوظيفة الحكومية السهلة، قليلة العمل كثيرة الأجر، وهي سياسة أضعفت روح الجد والاجتهاد لدى شريحة كبرى من المواطنين، وقتلت قيمة العمل الحرفي لديهم، إضافة الى التمدد العمراني الذي لا يتوقف، والذي يفرخ بطبيعته الحاجة إلى وظائف جديدة كثيرة، فما الحل؟
لا أدعي أن الحل موجود لدي، فالمشكلة شائكة وأسبابها متعددة، وأول تلك الأسباب هم تجار الإقامات، أما الأسباب الأخرى فتعود أيضا إلى الإهمال الحكومي المتواصل للتعليم والتدريب الحرفي، والذي نتج عنه اختفاء هذه الشريحة وتسليمها بكل بساطة للوافدين، إضافة إلى غياب الرؤية الحكومية المتطورة للاعتماد على التكنولوجيا بدلا من الأساليب كثيفة العمالة، والتساهل في الرقابة على ممارسي الأعمال التجارية من الوافدين بصورة فيها التفاف كبير على القوانين. إن بداية الحل تكون في عدم المكابرة، والاعتراف بحاجتنا إلى غالبية هؤلاء الوافدين، وأنهم يشكلون عنصرا حيويا لازدهار البلد وتنميته، وأنه أصبح من الضروري أن نجد الطريقة المناسبة للتعايش مع هذا الواقع، واستخدام هؤلاء الوافدين ضمن توليفة مناسبة وخطط مدروسة لتحقيق مصلحة البلد والمواطنين. أعتقد أن المفتاح الأساسي لإدارة هذا الملف الشائك يجب أن يكون بالدرجة الأولى عن طريق إعادة النظر في القوانين التي تنظم العمل في القطاع الخاص باعتباره الحاضنة الكبرى لعمل الوافدين، مما يحتم إلغاء النظام الحالي للكفيل واستبداله بنظام متطور لا يترك مجالا للمتاجرة بالبشر، وكذلك يجب مراجعة وتطوير قوانين ممارسة الأعمال التجارية لتخفيف سطوة الوافدين وسيطرتهم عليها، ووضع قيود على منح رخص تجارية جديدة لأعمال ليس لها أي قيمة مضافة، بل أصبحت بؤرا للحصول على الإقامة، مثل محلات بيع الهواتف والأسواق الشعبية، والأهم من ذلك كله الحزم والتشدد في تطبيق القوانين، وعدم الرضوخ للواسطة وتدخلات المتنفذين، مما يخلق بيئة صحية للوافدين الذين يمارسون أعمالهم بشرف في ظل القانون، ويساهمون فعليا في خدمة البلد، كما لا ينافسون المواطن في عمله، وهنا لا يهم كثرة أعدادهم أو زيادتها ما دام هناك حاجة حقيقية لهم.