تعذيب خادمة يُعطِّل مشوار الفنانة وفاء مكي
رحلة نجمة صاعدة من التمثيل إلى الضرب والكي بالنار وصولاً إلى السجن
تألقت الفنانة وفاء مكي خلال حقبة التسعينيات في السينما والدراما التلفزيونية، واشتهرت بتجسيد شخصية ابنة المعلمة فضة في مسلسل «الراية البيضاء»، ومهجة مع «ذئاب الجبل»، وفي بداية الألفية الجديدة تحولت من نجمة صاعدة إلى متهمة في قضية شغلت الرأي العام، ولاحقتها عدسات المصورين أثناء مثولها للتحقيق بتهمة تعذيب خادمتها «مروة»، وصدر حكم قضائي بسجنها 10 سنوات خُففت إلى 3 سنوات، وبعد انتهاء فترة العقوبة في 5 نوفمبر 2004، خفت بريقها الفني، وتوارت عن الأضواء.
كانت النجمة الصاعدة على موعد مع نقطة فاصلة في مشوارها الفني، وبعد رحلة قصيرة مع التمثيل، تهاوت أحلام الممثلة الحسناء، المولودة في 12 مايو 1966 بقرية "كفرنواي" التابعة لمركز "زفتى" بمحافظة الغربية (شمال غرب القاهرة)، وتتابعت أحداث سيناريو مثير على أرض الواقع، لبطلة هوايتها الضرب والكي بالنار، وتخلله هروبها من مسرح الجريمة.أثارت تلك القضية الرأي العام ضد وفاء مكي وعائلتها وتورطهم في حبس فتاة وتعذيبها، وبدأت وقائعها يوم 21 أكتوبر 2001، عندما أبلغ أطباء "مشفى قويسنا العام" الشرطة في محافظة المنوفية (شمال القاهرة) باستقبال فتاة عمرها 16 عاماً، تُدعى "مروة"، في حالة صحية سيئة، نتيجة إصابتها بكدمات وسحجات خطيرة.وبالفحص الطبي -بحسب التقارير ونصوص التحقيقات الرسمية- للفتاة تبين وجود آثار لجروح ملتئمة بالساقين ومنطقة البطن والظهر والجذع، وأيضاً كدمات في الرأس مر عليها أكثر من 20 يوماً، كما بين توقيع الكشف على الضحية وجود جروح عليها آثار التئام مع تجمع دموي شديد بفروة الرأس.
وتوالت مفآجات التقرير الطبي، أن كدمات الرأس احتوت على صديد بكميات كبيرة، وكان واضحاً أن الفتاة تعرضت لتعذيب شديد لا تطيقه فتاة في هذه السن الصغيرة، ما دفع الطبيب الذي فحصها إلى إبلاغ الشرطة، وأدلت المصابة الصغيرة "مروة" وأختها الكبرى "هنادي" بأقوالهما، وأثناء التحقيق ذكرت المجني عليها أنها تعرضت للضرب والتعذيب من مخدومتها الممثلة المعروفة وفاء مكي، ووالدتها، وانها عملت عندها منذ ثلاث سنوات مع شقيقتها "هنادي"، وكانت مروة سعيدة جداً بعملها مع فنانة معروفة، ولكن كل شيء بدأ يتغير قبل الحادثة بشهر واحد.
دوافع غامضة
بدت الدوافع غامضة لتورط فنانة مرهفة الحس في قضية عنف، واهتزت المشاعر حين نشرت الصحف صور الخادمة والجروح تملأ رأسها وجسدها، وبحسب ما ورد في أقوال مروة: "بدأت الست وفاء تعاملني بقسوة هي ووالدتها، مش عارفة ليه كانوا بيعاملوني كده، كانت الست وفاء تعذبني وتضربني وتعطيني حبوباً منومة وحقناً لكي لا أحس بالتعذيب، وكانت الست الكبيرة (والدة وفاء) تضع الكرسي فوق جسمي والست وفاء تكتف ذراعي ثم تكوي جسمي بسكين ساخنة".وكشفت أقوال مروة بعداً جديداً في هذه القضية، بقولها: "ذات مرة ضربتني الست الكبيرة على رأسي، وفي إحدى المرات أرغمتني الست وفاء ووالدتها على تسجيل شريط كاسيت أعترف فيه أنا وشقيقتي هنادي بأننا سرقنا مصوغات الست وفاء وأموالها، وبعد فترة طويلة من التعذيب ساءت حالتي الصحية، ما جعل الست وفاء تحضر لي طبيباً يكشف عليّ، وقال لهما (لابد أن تتخلصوا من هذه البنت سريعاً لأن حالتها خطيرة)".تزايدت الأزمة في منزل النجمة الصاعدة، وطلبت وفاء مكي من ابن خالتها وممثل آخر يدعى أحمد البرعي أن يصطحبا الفتاة في سيارة، لإلقائها عند شريط السكة الحديد - حسب أقوال مروة - بالقرب من بلدتها "قويسنا" بمحافظة المنوفية، وتحاملت الفتاة على نفسها، ومشيت بصعوبة بالغة، حتى وصلت إلى بيت جدتها، وعلى الفور نقلها أهلها إلى المشفى.انتهت مروة من الإدلاء بأقوالها، وتحولت الأنظار إلى الفنانة المتهمة وعائلتها في قضية شغلت الشارع المصري -آنذاك- وتم عرض المحضر على نيابة قويسنا، التي استصدرت أمراً بتوقيف وإحضار وفاء مكي ووالدتها ليلى الفار، وابن خالتها، والممثل أحمد البرعي للتحقيق معهم.كمين الشائعات
انطلق رجال الشرطة في محافظتي المنوفية والجيزة لملاحقة المتهمين الخمسة، وتكثفت التحريات للقبض عليهم، وبعد أيام تم توقيف الممثل أحمد البرعي، بينما استمرت وفاء مكي ووالدتها في الاختفاء مدة 3 أسابيع، ما دفع البعض إلى الاعتقاد باحتمال هروبهما خارج مصر، ولكن تحريات رجال الأمن قطعت طريق الشائعات، ورصدت مكالمات هاتفية أجرتها المتهمة الهاربة بعدد من معارفها، وجاءت جميعها عبر كبائن التليفونات العمومية المنتشرة -آنذاك- بشوارع القاهرة.وتسبب هروب مكي في انطلاق شائعات عدة، ومنها أن عضواً في البرلمان يساعدها على الاختفاء، وأن نائباً آخر تفاوض مع محامي وفاء لإنهاء قضية تعذيب الخادمتين، وشائعة أخرى أنها كانت ترتدي النقاب لتتخفى عن العيون، ترددت على بعض الأماكن في ضاحية مصر القديمة ومحافظة الغربية "مسقط رأسها".وقررت مكي العودة إلى القاهرة لتستأنف المفاوضات مع محاميها، ولكنها سقطت في كمين شرطة على مشارف مدينة "بركة السبع"، في محافظة المنوفية، وتبين أن الهاربة كانت تستعين بأقاربها في الاختفاء، واستأجرت سيارة خاصة لاستخدامها في التحركات بين القاهرة والجيزة، وبعد أن شعرت بتضييق الخناق عليها سافرت مع طليقها إلى مدينة طنطا بمحافظة الغربية، واستأجرت شقة في شارع "توت عنخ آمون" قضت فيها بعض الأيام بعد أن تخفت في زي منتقبة لتهرب من أعين الشرطة. وأحيلت إلى النيابة مع والدتها وابن خالتها وطليقها أيمن غزالي، والممثل أحمد البرعي، وتم تحديد جلسة عاجلة للمحاكمة، بعد أن اتهمت النيابة وفاء ووالدتها بهتك عرض الخادمتين -مروة وهنادي- وتعذيبهما واحتجازهما وضربهما، وواجه بقية المتهمين تهمة إخفاء وفاء ووالدتها عن العدالة، والمساعدة في طمس آثار الجريمة.مرافعات ساخنة
ظهرت النجمة الصاعدة محاطة برجال الشرطة، وترتدي نظارة سوداء، وملامحها تشي بتوتر لافت أمام عدسات المصورين، وبدأت أولى جلسات القضية في محكمة جنايات شبين الكوم، ومثلت أمامها وفاء، ووالدتها ليلى عبدالقادر، والممثل أحمد البرعي، وابن خالة الفنانة "أنور الفار" وطليقها أيمن غزالي، ووجهت النيابة لوفاء ووالدتها تهمة الاعتداء على الخادمة مروة فكري بأن شلتا حركتها وجردتاها من ملابسها، واحتجزتاها قرابة الشهر، وقامت وفاء بمساعدة والدتها بتعذيب الخادمة بالكي بالنار والضرب بعصا غليظة، ومحاولة نزع أظافرها.جلسة المحاكمة الأولى شهدت مرافعات ساخنة، ومناقشات حامية من قبل دفاع المجني عليهما ودفاع المتهمين، واستمرت مرافعات الدفاع نحو ثماني ساعات بدأها دفاع المجني عليهما، الذي أكد أن الجريمة شنعاء، وأشار إلى أن أدلة الثبوت في الأوراق تكشف السر الخطير في تعذيب وفاء للخادمتين -حسب قوله- أنهما شاهداها في وضع مسيء. وذكر محامي الدفاع عن الخادمة، أن وفاء قامت بجريمتها متخيلة أنها -فوق القانون- وعذبت الطفلة مروة مستخدمة سكيناً محماة على النار، وتزامنت الإصابات مع زمن وقوع الجريمة وقتها، وأن هناك تطابقاً بين تقرير الطب الشرعي وبين ما قالته مروة وهنادي في محضر النيابة، وأن الفقر هو الذي دفع والدهما إلى إلحاقهما بالعمل داخل المنازل.وجاء دور دفاع المتهمين، وطلب من المحكمة أن تراعي بعين الاعتبار عجلة جهة التحقيق في إحالة القضية للمحاكمة، ودفع بعدم اختصاص "المحكمة" محلياً استناداً إلى المادة 217 من قانون الإجراءات، والتي تحدد إجراءات المحاكمة، والتي تنص على مكان وقوع الجريمة وموقع توقيف المتهمة أو موطنها، وأن الحادثة وقعت بدائرة قسم الدقي، والمتهمة هي التي سلمت نفسها بمحض إرادتها للشرطة ولم يتم توقيفها.كما دفع ببطلان قرار الحبس من النيابة العامة وبطلان القضية- لأن ما بُني على باطل فهو باطل- وأن الضابط الذي قام بعملية القبض والنيابة التي أصدرت القرار غير مختصين، وأضاف الدفاع: المجني عليها تأثرت بمصاحبة المتهمة للاستوديوهات والبلاتوهات فاختلقت واقعة مقتبسة من الأفلام السينمائية، وهي وجود مخدومتها مع آخر. وبعد ثماني ساعات من المناقشة الساخنة، حجز رئيس المحكمة القضية للحكم في جلسة 26 ديسمبر 2001.الأشغال الشاقة
في صباح يوم النطق بالحكم، حضرت المتهمة وبقية شركائها في الجريمة إلى المحكمة بسيارة الترحيلات، وفي الساعة الواحدة والنصف أصدر رئيس المحكمة حكمه بمعاقبة المتهمة وفاء مكي بالأشغال الشاقة مدة 10 سنوات، والحبس سنة لكل من والدتها، وابن خالتها، وطليقها والممثل أحمد البرعي، وإلزامها بدفع مبلغ 51 جنيهاً مصريا تعويضاً مؤقتاً للمجني عليهما.تباينت ردود أفعال المتهمين بعد سماع الحكم، وحينئذ أكد أحمد الفقي محامي الممثلة، في تصريحات للصحافيين، أنه سيطعن بالنقض في الحكم الصادر ضدها خلال أيام، وأن الطعن يشمل بقية المتهمين، وأن مذكرة الطعن بالنقض على وشك الانتهاء من إعدادها قانوناً، وأن مذكرة النقض تعتمد على شقين الأول قانوني، حيث إن الحكم شابه القصور والبطلان لما يحتويه من خطأ في تطبيق القانون وفساد الاستدلال، ومن ثم يترتب على هذا القصور نقض الحكم، لأن هيئة المحكمة أهدرت ما أدلى به الدفاع من دفوع، خصوصا فيما يتعلق بالتقرير الطبي المبدئي، وتقرير الطبيب المبدئي، وتقرير الطبيب الشرعي.وبيّن الفقي أن الشق الثاني يتعلق بالتحريات، ورأى أنها معدومة ولا يترتب عليها أثر قانوني، لأنها تناقضت مع بعضها تماماً، فضلا عن أن هناك تناقضاً في أقوال المجني عليهما، وأن ذلك واضح في تحقيقات النيابة ومحضر الضبط، ما يؤدي إلى كذب البلاغ، وبالتالي تكون المتهمة ووالدتها ومن معهما قد تم الحكم عليهم على إثر بلاغ كاذب، وبالتالي تنعدم جميع الآثار المترتبة على البلاغ.وفي هذا اليوم، اتجهت الأنظار إلى النجمة المتهمة، إثر صدور الحكم عليها، وأصيبت بذهول وإعياء تام، فلم تكن تتوقع الحكم وكانت شاردة وأخفت عينيها خلف نظارتها السوداء حتى تتفادى نظرات الجالسين في قاعة المحكمة، ولم تعلق بشيء، ونقلتها سيارة الترحيلات إلى السجن في الرابعة مساء لتبدأ وقائع الساعات الأولى خلف الأسوار. النظارة السوداءومضت الشهور قاسية على السجينة وفاء مكي في محبسها، حتى تم نقض الحكم في 16 ديسمبر 2002، وقضت المحكمة بقبول طعن وفاء مكي، وبقية المحكومين وإعادة محاكمتهم من جديد، كما قضت محكمة النقض بعدم اختصاص محكمة جنايات شبين الكوم بنظر الدعوى، ومحاكمتهم أمام محكمة جنايات الجيزة جهة الاختصاص، وأجلت محكمة جنايات الجيزة أولى جلساتها لإعادة محاكمة وفاء مكي وشركائها لجلسة 30 أبريل 2003 استجابة لطلب الدفاع الحاضر مع الطاعنين بالنقض.وفي يوم الجلسة ظهرت وفاء مكي في قفص الاتهام بنظارتها السوداء وملابس السجن البيضاء، بينما جلست والدتها تتكئ على عكازها ومعها الممثل أحمد البرعي، وابن خالتها أنور الفار في قاعة المحكمة، لأنهم قضوا مدة العقوبة بالسجن سنة، وأفرجت عنهم السلطات بعد قضاء المدة في أغسطس 2002، بينما ظل طليقها أيمن غزالي داخل السجن على ذمة قضية أخرى. وقررت محكمة الجنايات بالجيزة، إرسال ملف القضية إلى محكمة استئناف القاهرة، لتحديد جلسة لبدء محاكمة المتهمين من جديد لتقضي المحكمة بتخفيف الحكم عن وفاء مكي من عشر سنوات إلى ثلاث سنوات، بعد أن تم قبول النقض، وانتهت فترة العقوبة في 5 نوفمبر عام 2004، ولكن النجمة الحسناء خسرت كثيرا بعد إدانتها في هذه القضية، حيث انطفأ توهجها وتراجعت أسهمها الفنية، وابتعدت عن الأضواء.
جلسة المحاكمة شهدت مرافعات ساخنة ومناقشات حامية
«مهجة ذئاب الجبل» خفت بريقها بعد سجنها ثلاث سنوات
جراح «مروة» خطفت الأضواء من «ابنة المعلمة فضة»
وفاء سقطت في كمين شرطة على مشارف مدينة بركة السبع
التقرير الطبي كشف آثار التنكيل الدامي برأس وجسد الضحية
«مهجة ذئاب الجبل» خفت بريقها بعد سجنها ثلاث سنوات
جراح «مروة» خطفت الأضواء من «ابنة المعلمة فضة»
وفاء سقطت في كمين شرطة على مشارف مدينة بركة السبع
التقرير الطبي كشف آثار التنكيل الدامي برأس وجسد الضحية