يواجه المخرجون تحديّا من نوع خاص في كل تجربة درامية يقرّرون خوضها، فإذا كان الممثل يمتلك من الأدوات ما يؤهّله لتغيير جلده من ناحية الشكل والأداء التمثيلي، فإن المخرج لا يملك سوى الكاميرا ورؤيته التي يضعها ويسعى إلى ترجمتها بصريا.

ويعد شهر رمضان مضمارا للتباري بين المخرجين، وكل منهم يتولى قيادة قاطرة من النجوم في سباق الـ 30 يوما للوصول إلى قلوب الجمهور في المحطة الأخيرة، فمن تميّز في الربع الأول من رمضان؟ ومن افتقدنا حضوره؟

Ad

بصمة مهمة

"الجريدة" ترصد أعمالا قدّمت صورة جميلة يقف وراءها مخرجون متميزون، ونسلط الضوء على من غاب عنّا هذا العام بسبب "كورونا".

بعدما ترك بصمة مهمة العام الماضي بمسلسل "الديرفة"، يواصل المخرج مناف عبدال تحدّي نفسه هذا العام بـ "محمد علي رود"، ورغم أن العمل ينتمي للدراما الحقبوية، وتحديدا التراثية، وهو القالب نفسه الذي قدّمه عبدال في عمله السابق، فإنه استطاع أن يقدّم رؤية إخراجية مغايرة، ويحقق نقلة نوعية لنفسه، حيث ترك للكاميرا حريّة توثيق ورصد أدق ردود الأفعال، فضلا عن انتقاله السلس بين لقطة وأخرى داخل المشهد الواحد، مناف مخرج متمكن يطور دائما من نفسه.

وما يميّز المخرج عيسى ذياب أنه يسعى دائما إلى التنويع، وبعد أن قدّم العام الماضي عملا دراميا ثقيلا مدججا بالنجوم وهو "إفراج مشروط"، وكان تحديّا كبيرا له كمخرج شاب في مقتبل العمر، يعود هذا العام بلون مختلف تماما، ويذهب للكوميديا التي قد يراها البعض أسهل على أي مخرج، لكنّ حقيقة الأمر أن عيسى وضع نفسه أمام اختبار قاس، فإذا به مع مجموعة مميزة من الكوميديانات من مختلف الأجيال على رأسهم عبدالناصر درويش، والثنائي مبارك المانع وسلطان الفرج وغيرهم، فماذا قدّم عيسى؟

فرجة

أزعم أن ذياب استطاع أن يقدّم لنا فرجة من خلال مجموعة مشاهد متعوب عليها، فالتكوين البصري لكل مشهد من أزياء وديكورات وتحرّكات محسوبة للفنانين في نطاق المكان، ساهم في تقديم صورة جمالية لاقت استحسان الجمهور، عيسى ايضا يعمل في صمت، وبصماته على الممثلين واضحة بالتزامهم بما تتطلبه كل شخصية.

أما المخرج محمد كاظم فقد كسب رهان صنّاع مسلسل "في ذاكرة الظل" عليه، عندما اسندوا له مهمة قيادة العمل في تجربته الأولى كمخرج، كاظم معروف في الأوساط الفنية كمونتير محترف متمكّن من أدواته، ولا أعتبرها مغامرة من المنتج عبدالله عبدالرضا بقدر كونها جرأة في أن يضع ثقته بمحمد، ولعل كلّ من تابع الحلقات الأولى سيدرك حتما أننا أمام مخرج قادم بقوة يهتمّ بتفاصيل كل شخصية ويرصد بالكاميرا ردود أفعالها، ويعرف مواطن قوّة كل ممثل، واتضح هذا في مشاهد الفنان القدير داود حسين، وهو مبدع يعرف كيف يتلوّن أمام كاميرا مخرج يدرك ذلك جيدا ويرصده، كذلك أجواء كل مشهد التي تتّسق مع الحالة التي يعيشها أبطاله، اهتم كاظم بلحظات القلق والصمت والترقب، المخرج الشاب هو مفاجأة رمضان لهذا العام وينتظره مستقبل واعد.

تناغم

تخوض المخرجة هيا عبدالسلام تحديا مختلفا بمسلسل "مانيكان" بمعيّة فريق عملها الذي أصبح ملازما لها في أغلب أعمالها الأخيرة، لاسيّما المؤلفة مريم نصير، ولعل هذا التناغم بينهم انعكس على جودة الأعمال التي قدّموها حتى وإن اختلف أبطالها، هيا ذهبت الى الكوميديا من خلال بطولة نسائية من مختلف الأجيال تابعنا الفنانة القديرة أسمهان توفيق وهبة الدري وهيا كممثلة وفاطمة الطباخ بأدوار جديدة عليهم، وهنا تتضح مهارة المخرج الذي يستطيع أن يقدم نجمه بصورة مختلفة.

وفي خضم هذا الزخم الدرامي الذي نشهده، نفتقد في سباق رمضان المخرج المتميز محمد دحام الشمري الذي قدّم العام الماضي واحدا من أبرز الأعمال "لا موسيقى في الأحمدي"، ليقرر خوض السباق هذا العام بـ "سما عاليه"، قبل أن يتوقف بسبب فيروس كورونا، الذي تسبب كذلك في توقّف تصوير مسلسل "بيت بيوت" للمخرج سلطان خسروه، الذي قدّم العام الماضي مسلسل "سبع أبواب"، وكان عودة موفّقة له بعد غياب سنوات عن الإخراج.