افترق الساحر والسندريلا بعد فيلم «الجوع» عام 1986 وجاء اللقاء الأخير بينهما في فعاليات مهرجان الإسكندرية السينمائي عام 1991، عندما نالت الفنانة سعاد حسني جائزة أفضل ممثلة عن آخر أفلامها «الراعي والنساء» للمخرج علي بدرخان، ونال الفنان محمود عبدالعزيز جائزة أفضل ممثل عن فيلم «الكيت كات» للمخرج داود عبدالسيد، وبعد سنوات وخلال حفل توزيع جوائز مهرجان القاهرة السينمائي، وجه الساحر رسالة إلى السندريلا بعد تكريمها قائلاً: «إن حب الجماهير لها يستحق أن تمثل من أجله فيلماً كل شهر»، ولكنها اختفت عن الساحة الفنية حتى رحيلها في عام 2002، وأصيب عبدالعزيز وقتها بصدمة شديدة، وحينها أعرب عن حجم خسارتها كإنسانة وممثلة متفردة في فنها.كان الساحر على موعد مع التألق، منذ أن قام بأول بطولة سينمائية في فيلم «حتى آخر العمر» وبات نجماً غير تقليدي، ومتعدد الأقنعة، بل إنه من النجوم القلائل الذين تمردوا على المفاهيم السائدة لشخصية «البطل» وكان محفزاً لزملائه على التخلي عن نمطية «الجان» فقدم النجم محمود ياسين دور عامل نظافة في فيلم «انتبهوا أيها السادة» والنجم حسين فهمي جسد عدة شخصيات متباينة في فيلم «البرنس»، وأيضاً النجم نور الشريف في فيلم «آخر الرجال المحترمين».
وجرف التيار محمود عبدالعزيز إلى التعامل مع كبار المخرجين، وقدم تجربة سينمائية مهمة مع المخرج أحمد فؤاد في فيلم «الحدق يفهم» عام 1986، المقتبس عن فيلم «معركة سان سباستيان» للنجم العالمي أنطوني كوين، ولعب عبدالعزيز دور «المحتال» بأداء متفرد تحت إدارة مخرج مغامر، وكان هذا الشريط السينمائي بمثابة إعادة اكتشاف لإمكانيات الساحر كممثل متعدد القدرات.ويسرد الفيلم قصة قاطع طريق ينتحل شخصية شيخ طيب، ليحتال على أهل إحدى القرى، ويجمع تبرعات من أجل إنقاذ قرية مجاورة جرفتها السيول، وهي فكرة جريئة طرحها المخرج، وتتناول وقوع بعض العوام في فخ المتاجرين باسم الدين، وأدى محمود دوره بمقدرة ممثل موهوب يملك الكثير من براعة التنوع في الأداء والإقناع. ومن ناحية أخرى، فقد اعتبر بعض النقاد أن أداء محمود عبدالعزيز لا يقل عن النجم العالمي جاك نيكلسون، والذي قدم فيلمه الشهير «طار فوق عش المجانين» وتميزه بأداء متدفق من دون تكلف، والاهتمام بأدق التفاصيل المتعلقة بالشخصية، ولم يحاول الساحر أن يقلد «نيكلسون» بل عمد إلى الطبيعية في الأداء، وتجسيد الشخصيات بروح مصرية، وأظهر براعته في المزج بين التراجيديا والكوميديا، وتفجرت موهبته كممثل فارق في تاريخ السينما العربية.
وعن سر التفرد قال عبدالعزيز في أحد اللقاءات الصحافية التي أجريت معه: «بعد أن وضعت أقدامي على سلم النجومية وبدأ المنتجون والمخرجون يدقون بابي ويعرضون عليّ بطولات أفلامهم الجديدة، بدأت أختار وانتقي وتعاملت مع الموضوع بحرص شديد، ولا أنسى أبداً نصيحة المخرج الكبير نور الدمرداش أول من تعاملت معه في أول مسلسل لي (كلاب الحراسة)، فقد كانت هذه النصيحة سبباً في نجاحي واختلافي وتميزي عن الكثيرين، ووقتها أسند لي دور ضابط مخابرات إسرائيلي في المسلسل قلت له: (بصراحة يا أستاذ أنا خايف أعمل الدور ده)، فسألني: لماذا؟ فقلت له: (خايف الجمهور يكرهني من أول دور وخايف أكثر أن يحصرني المخرجون في هذا الدور)، فقال لي: التلفزيون عندنا فيه 5700 ممثل مش عايزك تبقى رقم 5701 عايزك تبقى محمود عبدالعزيز. وظلت هذه الجملة تتردد دائماً في أذني وجعلتني اقدم الشخصية بشكل مختلف، وحينما بدأ الدمرداش في الاستعداد لمسلسل (الدوامة) مع محمود ياسين ترك لي الدمرداش حرية اختيار الشخصية التي أقدمها فقدمت شخصية (إبراهيم)، وبعد نجاحي فيها فاجأني الدمرداش بقوله: (أتمنى لو أن ابني شريف يكون مثلك)».
جري الوحوش
التقى الساحر مع عدد كبير من النجوم خلال فترة الثمانينيات، وأبرزها أفلامه مع المخرج علي عبدالخالق، وكان اللقاء الأول في فيلم «العار» عام 1982، سيناريو محمود أبوزيد وشاركه البطولة نور الشريف وحسين فهمي ونورا وأمينة رزق والوجه الجديد، آنذاك، إلهام شاهين، وتدور أحداثه حول عبدالتواب تاجر العطارة المعروف بالتقوى، الذي يسافر إلى الإسكندرية للإتفاق على صفقة مخدرات يدفع فيها ثروته ولدى عودته يلقى مصرعه، ويعترف الابن الأكبر كمال لشقيقيه بحقيقة مصدر ثروة العائلة، ليقع الجميع أمام اختيار صعب ما بين إتمام الصفقة والحصول على المال، أو رفض الصفقة من الأساس وضياع الميراث.ويعد «العار» علامة فارقة في مشوار الساحر، وكان ينظر إليه في البداية كبديل للفنان حسين فهمى، وحاول المنتجون قولبته في أدوار الفتى الوسيم، ولكنه تألق في دور «الدكتور عادل» وكانت هذه الشخصية معروضة على النجم يحيى الفخراني، ولكنه اعتذر لخلافات في وجهات النظر مع المخرج والسيناريست، بينما تحمس عبدالعزيز لتجسيد هذه الشخصية، وقيل إنه وافق عليها من دون أية شروط في الأجر، أو ترتيب اسمه في الملصق الدعائي للفيلم. ودارت في «العار» مباراة تمثيلية رائعة بين النجوم الثلاثة، وحقق الفيلم نجاحاً جماهيرياً كبيراً، وبعدها قدم المخرج علي عبدالخالق والسيناريست محمود أبوزيد فيلم «الكيف» عام 1985، وقام ببطولته محمود عبدالعزيز مع يحيى الفخراني ونورا وجميل راتب، ودارت أحداثه في العالم السفلي لتجارة المخدرات والسموم، ويحكى قصة الشاب جمال (محمود عبدالعزيز) الذي أخفق في الدراسة، وقرر العمل مطرباً في فرقة شعبية لإحياء الأفراح، ويحاول شقيقه الكيميائي صلاح (يحيى الفخراني) إقناعه بالإقلاع عن المخدرات فيقوم بإعطائه تركيبة صُنعت في المعمل من مواد عطارة غير ضارة، وينصحه باستخدامها وتقديمها لأصدقائه، وتنال التركيبة إعجاب أحد تجار المخدرات (جميل راتب) ويسقط صلاح أمام إغواء المال الذي يتوالى عليه بسبب تركيبته، وينتهي المطاف بالشقيقين إلى نهاية مأساوية.وتتابعت أفلام الساحر مع عبدالخالق وأبوزيد في فيلم «جري الوحوش» عام 1985، وشارك في بطولته مع نور الشريف وحسين فهمي وحسين الشربيني ونورا وهدى رمزي، ودارت أحداث الفيلم حول تاجر المصوغات سعيد (نور الشريف) الذي يعاني من عدم الإنجاب، فيقرر صديقه الطبيب نبيل (حسين فهمي) مساعدته بطريقة مبتكرة، ويقنعان الرجل الفقير عبدالقوي (محمود عبدالعزيز) بالتبرع بجزء من المخ، وبعد إجراء العملية تتدهور حالته، ولا يستطيع سعيد الإنجاب، وتتفاقم الأحداث.وتعد ثلاثية «العار والكيف وجري الوحوش» من أهم أفلام الساحر في السينما، وحققت هذه الأفلام المعادلة الصعبة بين الجماهيرية وعمق التناول لأخطر الظواهر السلبية في المجتمع، وبالإضافة إلى الأداء المتفرد للنجم محمود عبدالعزيز والنجوم المشاركين في البطولة، فإن المخرج علي عبدالخالق والسيناريست محمود أبوزيد، وجها رسالة تحذير من اعتياد العشوائية في مجال الفن، وظاهرة الأغاني التي بدأت مع شرائط الكاسيت، وحالياً فيما يعرف بـ «أغاني المهرجانات الشعبية»، فقد ظهر المخرج في المشهد الأخير من «الكيف» يستقل سيارة أجرة «تاكسي» بينما السائق (الفنان علي الشريف) يدير آلة التسجيل على مطرب صوته «قبيح» ويدور بينهما حوار حول هذه النوعية من الأغاني الهابطة، ويعلق السائق أنه اعتاد الاستماع إليها.وشاء القدر أن يرحل السيناريست محمود أبوزيد في 11 ديسمبر 2016، أي بعد شهر واحد من رحيل الفنان محمود عبدالعزيز يوم 12 نوفمبر من العام نفسه، وكان أبوزيد أول من تنبأ بانهيار الأغنية الشعبية في فيلمه «الكيف»، والمفارقة أن الأغنية الساخرة «الكيمو كيمو كا» التي غناها عبدالعزيز في الفيلم، حققت نجاحاً كبيراً بعد عرض الفيلم.إعدام ميت
ويعتز النجم محمود عبدالعزيز بتجربته في فيلم «إعدام ميت» 1985 مع المخرج علي عبدالخالق، والسيناريست إبراهيم مسعود، وشارك في البطولة مع النجم الكبير فريد شوقي ويحيى الفخراني ونورا وبوسي وإبراهيم الشامي، وتدور قصة الفيلم حول منصور (محمود عبدالعزيز) الذي يواجه تهمة الإعدام شنقاً لتخابره مع الكيان الإسرائيلي قبل حرب أكتوبر 1973، فيتم تكليف ضابط المخابرات محيي (فريد شوقي) بالتحقيق في الأمر، حيث يقرر وضع خطة بإحلال الضابط المصري عزالدين بدلاً عن منصور «الجاسوس»، مستغلاً الشبه الكبير بينهما حتى يتمكن من الحصول على معلومات وأسرار مهمة عن مفاعل «ديمونة» الإسرائيلي، ويبدأ عزالدين التعايش بصفته منصور وسط أهله وعشيرته، حتى ترتاب سحر (بوسي) خطيبة منصور في أمره، وتخبر ضابط المخابرات الإسرائيلي، أبو جودة (يحيى الفخراني) بذلك ويكتشف الأمر، وتجري مبادلة عزالدين بمنصور الذي يقتله والده «إبراهيم الشامي» لخيانته الوطن.وتحدث المخرج علي عبدالخالق عن ذكرياته مع الساحر في هذا الفيلم، بقوله: «إن محمود عبدالعزيز بكى بشدة بعد انتهاء تصوير مشهد الإعدام في فيلم (إعدام ميت) لأنه تقمص الشخصية وعاش اللحظة بكل تفاصيلها»، مشيراً إلى أنهم كانوا يصورون في سجن حقيقي وقبل تصوير المشهد شحنه نفسياً، وأكد له أن مشهده سوف يقارن بمشهد الرائع عبدالوارث عسر في فيلم «صراع في الوادي» للمخرج يوسف شاهين.وذكر عبدالخالق أن فيلم «العار» كان البداية الحقيقية لخروج محمود عبدالعزيز من مرحلة «الجان» أو الفتى الوسيم وبدأ بعدها في تقديم شخصيات سينمائية حققت نجاحاً على المستوى النقدي والجماهيرى، وأن الفنانين العظماء لا يرحلون و«الساحر» لم يكن عظيماً بل عبقرياً، وكان يخصص «كراسة» لتحضير الدور الذي يقوم به وتدوين «راكورات» الدور، وأنه أصبح بينهما كيمياء إلى درجة أنه كان يفهمه من نظرة عينه، وأن عبدالعزيز كان هو الآخر على دراية بطريقة عمله وكيف يُقطِّع المشاهد أو ما يعرف بـ«الديكوباج».اعتذر عن «عائلة الحاج متولي» من أجل «سوق المتعة»
أثار مسلسل «عائلة الحاج متولي» الكثير من الجدل، وحقق نجاحاً جماهيرياً عند عرضه في عام 2001، وتلقى بطل المسلسل انتقادات حادة على تجسيده شخصية الرجل المزواج، وكشف كاتب السيناريو مصطفى محرم أنه عرض الفكرة على النجم محمود عبدالعزيز، ولكنه رفض الدور لانشغاله بتصوير فيلمين في ذلك الوقت، وهما «النمس» و«سوق المتعة» فاختار على الفور الفنان نور الشريف لبطولة مسلسل الحاج متولي، والذي حقق نجاحاً كبيراً.وقال محرم إن الفنان الراحل محمود عبدالعزيز بكى على صدره داخل أحد المطاعم في سورية، وأنه شعر بالندم بعد نجاح مسلسل الحاج متولي، ورفضه لهذا العمل الذي أخرجه محمد النقلي، وقام ببطولته الفنان الراحل نور الشريف، وشهد بداية ظهور العديد من النجوم الحاليين منهم مصطفى شعبان وسمية الخشاب وغادة عبدالرازق.وأضاف محرم خلال حوار له مع الإعلامي جمال عنايت، أنه عرض على محمود عبدالعزيز ملخص مسلسل الحاج متولي، إلا أنه اعتذر عن الدور، لوجود عرض آخر في مسلسل «الكومي» الذي لم يكتمل في ذلك الوقت، واعتذر عنه الساحر، وذهبت بطولته إلى الفنان الراحل ممدوح عبدالعليم.