قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الجواري قلن لها: يا سيدتي هذا ما هو الذي خطبك من أبيك، لأن ذلك قبيح، وهذا مليح، وما يصلح الذي خطبك من أبيك وردّه أن يكون خادما لهذا، ولكن يا سيدتي إن هذا الفتى له شأن عظيم، ثم توجهت الجواري إلى الخادم المبطوح وأيقظنه، فوثب مرعوباً وفتّش على سيفه، فلم يجده بيده فقالت له الجواري: الذي أخذ سيفك وبطحك جالس مع ابنة الملك، وكان ذلك الخادم قد وكله الملك بالمحافظة على ابنته خوفاً عليها من نوائب الزمان وطوارق الحدثان، فقام ذلك الخادم وتوجّه إلى الستر ورفعه، فرأى ابنة الملك جالسة مع ابن الملك وهما يتحدثان.

فلما نظرهما الخادم، قال لابن الملك: يا سيدي هل أنت إنسي أو جني؟ فقال له ابن الملك: ويلك يا أنجس العبيد، كيف تجعل أولاد الملوك الأكاسرة من الشياطين الكافرة، ثم إنه أخذ السيف بيده، وقال له: أنا صهر الملك وقد زوجني ابنته، وأمرني بالدخول عليها، فلما سمع الخادم منه ذلك الكلام، قال له: يا سيدي إن كنت من الإنس كما زعمت، فإنها لا تصلح إلا لك وأنت أحق بها من غيرك. ثم إن الخادم توجّه إلى الملك وهو صارخ وقد شقّ ثيابه وحثا التراب على رأسه.

Ad

فلما سمع الملك صياحه، قال له: ما الذي دهاك، فقد رجفت فؤادي؟ أخبرني بسرعة وأوجز في الكلام، فقال له الخادم: أدرك ابنتك فإنها قد استولى عليها شيطان من الجن في زي الإنس، مصور بصورة أولاد الملوك، فدونك وإياه، فلما سمع الملك منه هذا الكلام همّ بقتله، وقال له: كيف تغافلت عن ابنتي حتى لحقها هذا العارض، ثم إن الملك توجّه إلى القصر الذي فيه ابنته، فلما وصل إليه وجد الجواري قائمات، فقال لهن: ما الذي جرى لابنتي؟ قلت له: أيها الملك، بينما نحن جالسات معها لم نشعر إلا وقد هجم علينا هذا الغلام كأنه البدر التمام، ولم نر أحسن منه وجهاً وبيده سيف مسلول، فسألناه عن حاله، فزعم أنك قد زوّجته ابنتك، ونحن لا نعلم شيئاً غير هذا، ولا نعرف هل هو إنسي أو جنّي، لكنه عفيف أديب لا يتعاطى القبيح.

فلما سمع الملك مقالتهن برد ما به، ثم أنه رفع الستر قليلا ونظر، فرأى ابن الملك جالساً مع ابنته يتحدثان وهو في أحسن التصوير ووجهه كالبدر المنير، فلم يقدر أن يمسك نفسه من غيرته على ابنته، فرفع الستر ودخل وبيده سيف مسلول، وهجم عليهما كأنه الغول، فلما نظره ابن الملك قال لها: أهذا أبوك؟ قالت: نعم. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

سيف مسلول

وفي الليلة السادسة والعشرين بعد الخمسمئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن ابن الملك لما رأى الملك بيده سيف مسلول، وقد هجم عليهما كأنه الغول، قال لها: أهذا أبوك؟ قالت: نعم، فعند ذلك وثب قائماً على قدميه، وتناول سيفه بيده وصاح على الملك صيحة منكرة، فأدهشه وهمّ أن يحمل عليه بالسيف، فعلم الملك أنه أوثب منه، فأغمد سيفه، ثم وقف حتى انتهى إليه ابن الملك، فقابله بملاطفة، وقال: يا فتى، هل أنت إنسي أم جني؟ فقال ابن الملك: لولا أني أرعى ذمامك وحرمة ابنتك لسفكت دمك، كيف تنسبني إلى الشياطين وأنا من أولاد الملوك الأكاسرة الذين لو شاءوا لأخذوا ملكك وزلزلوك عن عزّك وسلطانك، وسلبوا عنك جميع ما في أوطانك؟

فلما سمع الملك كلامه هابه وخاف على نفسه منه، وقال له: إن كنت من أولاد الملوك، كما زعمت، فكيف دخلت قصري بغير إذني وهتكت حرمتي، ووصلت إلى بنتي، وزعمت أنك بعلها، وادعيت أني قد زوجتك بها، وأنا قد قتلت الملوك وأبناء الملوك حين خطبوها منّي، ومن ينجيك من سطوتي، وأنا إن صحت على عبيدي وغلماني وأمرتهم بقتلك لقتلوك في الحال؟ فمن يخلصك من يدي؟ فلما سمع ابن الملك منه ذلك الكلام قال للملك: إني لأعجب منك ومن قلّة بصيرتك، هل تطمع لابنتك في بعل أحسن مني؟ وهل رأيت أحدا أثبت جناناً وأكثر مكافأة وأعز سلطاناً وجنوداً وأعواناً مني؟

فقال له الملك: لا والله، ولكن وددت يا فتى أن تكون خاطباً لها على رؤوس الأشهاد حتى أزوجك بها، أما إذا زوجتك بها خفية فإنك تفضحني فيها، فقال له ابن الملك: لقد أحسنت في قولك، ولكن أيها الملك إذا اجتمعت عبيدك وخدمك وجنودك عليّ وقتلوني، كما زعمت، فإنك تفضح نفسك وتبقى الناس فيك بين مصدق ومكذب، ومن الرأي عندي أن ترجع أيها الملك إلى ما أشير به عليك.

فقال له الملك: هات حديثك، فقال له ابن الملك: الذي أحدثك به إما أن تبارزني أنا وأنت خاصة، فمن قتل صاحبه كان أحقّ وأولى بالمُلك، وإما أن تتركني في هذه الليلة، وإذا كان الصباح فأخرج إلى عسكرك وجنودك وغلمانك وأخبرني بعدّتهم، فقال له الملك إن عدتهم أربعون ألف فارس غير العبيد الذين لي، وغير أتباعهم، وهم مثلهم في العدد، فقال ابن الملك إذا كان طلوع النهار فأخرجه إليّ وقل لهم. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

المبارزة القاتلة

وفي الليلة السابعة والعشرين بعد الخمسمئة، قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن ابن الملك قال له: إذا كان طلوع النهار فأخرجهم إليّ وقل لهم هذا خطيب ابنتي، على شرط أن يبارزكم جميعا، وادعى أنه يغلبكم ويقهركم، وأنكم لا تقدرون عليه، ثم اتركني معهم أبارزهم، فإذا قتلوني فذلك أخفى لسرك وأصون لعرضك، وإن غلبتهم وقهرتهم، فمثلي يرغب الملك في مصاهرته، فلما سمع الملك كلامه استحسن رأيه وقبل رأيه، مع ما استعظمه من قوله، وما هاله من أمره في عزمه على مبارزة جميع عسكره الذين وصفهم له.

ثم جلسا يتحدثان، وبعد ذلك دعا الملك بالخادم وأمره أن يخرج من وقته وساعته إلى وزيره، ويأمره أن يجمع العساكر ويأمرهم بحمل أسلحتهم وأن يركبوا خيولهم، فسار الخادم إلى الوزير، وأعلمه بما أمره به الملك، فعند ذلك طلب الوزير نقباء الجيش وأكابر الدولة، وأمرهم أن يركبوا خيولهم ويخرجوا لابسين آلات الحرب. هذا ما كان من أمرهم.

وأما ما كان من أمر الملك، فإنه ما زال يتحدث مع الغلام، حيث أعجبه حديثه وعقله وأدبه، وبينما يتحدثان وإذا بالصبح قد أصبح، فقام الملك وتوجّه إلى يخته وأمر جيشه بالركوب، وقدّم لابن الملك فرساً جيداً من خيار خيله، فقال له: لا يعجبني شيء من خيلك، ولا أركب إلا الفرس التي جئت راكباً عليها، فقال له الملك: وأين فرسك؟ فقال له: هي فوق قصرك، فقال له: في أي موضع في قصري فقال: على السطح.

فلما سمع كلامه، قال له: هذا أول ما ظهر من خيالك، يا ويلك، كيف تكون الفرس فوق السطح؟ ولكن في هذا الوقت يظهر صدقك من كذبك، ثم إن الملك التفت إلى بعض خواصه وقال له: امض إلى قصري وأحضر الذي تجده فوق السطح، فصار الناس متعجبين من قول الفتى، ويقول بعضهم لبعض: كيف ينزل هذا الفرس من سلالم السطح؟ إن هذا شيء ما سمعنا بمثله، ثم إن الذي أرسله الملك إلى القصر صعد إلى أعلاه، فرأى الفرس قائماً، ولم ير أحسن منه، فتقدم إليه وتأمله فوجده من الأبنوس والعاج، وكان بعض خدام الملك قد طلع معه أيضا، فلما نظروا إلى الفرس تضاحكوا وقالوا وعلى مثل هذا الفرس يكون ما ذكره الفتى، فما أظنه إلا مجنونا، ولكن سيظهر لنا أمره. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

خواص الملك

وفي الليلة الثامنة والعشرين بعد الخمسمئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن خواص الملك لمّا نظروا الفرس تضاحكوا، وقالوا: وعلى مثل هذا الفرس يكون ما ذكره الفتى، فما أظنه إلا مجنوناً، ولكن سوف يظهر لنا أمره، وربما يكون له شأن عظيم، ثم إنهم رفعوا الفرس على أيديهم، ولم يزالوا حاملين لها حتى وصلوا إلى قدّام الملك، وأوقفوها بين يديه، فاجتمع عليها الناس ينظرون من حُسن صنعتها، وحسن سرجها ولجامها واستحسنها الملك أيضا وتعجب منها غاية العجب، ثم قال لابن الملك: يا فتى أهذه فرسك؟ فقال: نعم أيها الملك هذه فرسي، وسوف ترى منها العجب.

فقال له الملك: خذ فرسك واركبها قال: لا أركبها إلا إذا بعد عنها العساكر، فأمر الملك العسكر الذين حوله أن يبتعدوا عنها مقدار رمية السهم، فقال له: أيها الملك هاأنا رائح أركب فرسي وأحمل على جيشك فأفرّقهم يميناً وشمالاً، وأصدع قلوبهم، فقال له الملك: افعل ما تريد ولا تبق عليهم، فإنهم لا يبقون عليك، ثم إن ابن الملك توجّه إلى فرسه وركبها واصطفت له الجيوش، وقال بعضهم لبعض: إذا وصل الغلام بين الصفوف نأخذه بأسنة الرماح وشفار الصفاح. فقال واحد منهم: والله إنها مصيبة كيف نقتل هذا الغلام صاحب الوجه المليح والقد الرجيح؟ فقال واحد آخر: والله لن تصلوا إليه إلا بعد أمر عظيم، وما فعل الفتى هذه الفعال إلا لما علم من شجاعة نفسه وبراعته، فلما استوى ابن الملك على فرسه، فرك لولب الصعود فتطاولت إليه الأبصار، لينظروا ماذا يريد أن يفعل، فماجت فرسه واضطربت حتى عملت أغرب حركات تعملها الخيل، وامتلأ جوفها بالهواء، ثم ارتفعت وصعدت في الجو.

فلما رآه الملك قد ارتفع وصعد على جيشه قال: ويلكم خذوه قبل أن تفوتكم، فعند ذلك قال له وزراؤه ونوابه: أيها الملك، هل أحد يلحق الطير الطائر، وما هذا إلا سحر عظيم قد نجاك الله منه، فاحمد الله تعالى على خلاصك من يده، فرجع الملك إلى قصره، بعدما رأى من ابن الملك ما رأى، ولما وصل إلى قصره ذهب إلى ابنته وأخبرها بما جرى له مع ابن الملك في الميدان، فوجدها كثيرة التأسف عليه وعلى فراقه، ثم أنها مرضت مرضاً شديداً، ولزمت الوساد.

فلما رآها أبوها على تلك الحالة ضمّها وقبّلها بين عينيها، وقال لها: يا ابنتي احمدي الله تعالى واشكريه، حيث خلصنا من هذا الساحر الماكر، وجعل يكرر عليها ما رآه من ابن الملك، ويذكر لها صفة صعوده في الهواء، وهي لا تصغي إلى شيء من قول أبيها، واشتد بكاؤها ونحيبها، ثم قالت في نفسها: والله لا آكل طعاماً وأشرب شراباً حتى يجمع الله بيني وبينه، فحصل لأبيها الملك همّ عظيم من أجل ذلك، وشق عليه حال ابنته، وصار حزين القلب عليها، وكلما يلاطفها لا تزداد إلا شغفاً به. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

الجارية الحسناء

وفي الليلة التاسعة والعشرين بعد الخمسمئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك صار حزين القلب على ابنته وكلما يلاطفها لا تزداد إلا شغفاً به، هذا ما كان من أمر الملك وابنته.

وأما ما كان من أمر ابن الملك فإنه لما صعد في الجو اختلى بنفسه وتذكر حسن الجارية وجمالها وكان قد سأل أصحاب الملك عن اسم المدينة واسم الملك واسم ابنته، وكانت تلك المدينة صنعاء، ثم أنه جدّ في السير حتى أشرف على مدينة أبيه، ودار حول المدينة، ثم توجّه إلى قصر أبيه، ونزل فوق السطح، وترك فرسه هناك ونزل إلى والده ودخل عليه، فوجده حزيناً كئيباً لأجل فراقه، فلما رآه والده قام إليه واعتنقه وضمّه إلى صدره، وفرح به فرحاً شديداً، ثم أنه لما اجتمع بوالده وسأله عن الحكيم الذي عمل الفرس قال: يا والدي ما فعل الدهر به، فقال له والده: لا بارك الله في الحكيم ولا في الساعة التي رأيته فيها، لأنه هو الذي كان سبباً لفراقك منا، وهو مسجون يا ولدي من يوم غبت عنا، فأمر ابن الملك بالإفراج عنه وإخراجه من السجن وإحضاره بين يديه.

فلما حضر بين يديه خلع عليه وأحسن إليه غاية الإحسان، إلا أنه لم يزوجه ابنته فغضب الحكيم من أجل ذلك غضباً شديداً، وندم على ما فعل، وعلم أن ابن الملك قد عرف سر الفرس وكيفية سيرها، ثم أن الملك قال لابنه: الرأي عندي أنك لا تقرب هذا الفرس بعد ذلك، ولا تركبها أبداً بعد يومك هذا لأنك لا تعرف أحوالها فأنت منها على غرور، وكان ابن الملك قد حدث أباه بما جرى له مع ابنة الملك صاحب تلك المدينة وما جرى له مع أبيها.

فقال له أبوه: لو أراد الملك قتلك لقتلك، ولكن في أجلك تأخير، ثم إن ابن الملك هاجت بلابله بحب الجارية ابنة الملك صاحب صنعاء فقام إلى الفرس وركبها وفرك لولب الصعود، فطارت به في الهواء، وعلت به إلى عنان السماء، فلما أصبح الصباح افتقده أبوه، فلم يجده، فطلع إلى أعلى القصر وهو ملهوف، فنظر إلى ابنه وهو صاعد في الهواء، فتأسف على فراقه، وندم كل الندم، حيث لم يأخذ الفرس ويخفي أمره، ثم قال في نفسه: والله إن رجع إليّ ولدي ما بقيت أخلي هذا الفرس لأجل أن يطمئن قلبي على ولدي، ثم إنه عاد إلى بكائه ونحيبه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثلاثون بعد الخمسمئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك عاد إلى بكائه ونحيبه من حزنه على ولده، هذا ما كان من أمره.

وأما ما كان من أمر ابنه، فإنه لم يزل سائراً في الجو حتى وقف على مدينة صنعاء ونزل في المكان الذي كان فيه أولاً ومشى مستخفياً حتى وصل إلى محل ابنة الملك، فلم يجدها لا هي ولا جواريها ولا الخادم الذي كان محافظا عليها، فعظم عليه ذلك، ثم إنه دار يفتش عليها في القصر، فوجدها في مجلس آخر غير محلها الذي اجتمع معها فيه، وقد لزمت الوساد وحولها الجواري والدايات، فدخل عليهن وسلم عليهن.

فلما سمعت الجارية كلامه، فقال لها: يا سيدتي أوحشتيني هذه المدة، فقالت له: أنت الذي أوحشتني ولو طالت غيبتك عني لكنت هلكت بلا شك، فقال لها: يا سيدتي كيف رأيت حالي مع أبيك وما صنع بي ولولا محبتك يا فتنة العالمين لقتلته وجعلته عبرة للناظرين، ولكن أحبه من أجلك، فقالت له: كيف تغيب عني وهل تطيب حياتي بعدك؟ فقال لها: أتطيعيني وتصغي إلى قولي؟ فقالت له: قل ما شئت فإني أجيبك إلى ما تدعوني إليه ولا أخالفك في شيء، فقال لها: سيري معي إلى بلادي وملكي، فقالت له: حباً وكرامة.

فلما سمع ابن الملك كلامها، فرح فرحاً شديدا، وأخذ بيدها وعاهدها بعهد الله تعالى على ذلك، ثم صعد بها إلى أعلى سطح القصر، وركب فرسه وأركبها خلفه، وحرّك لولب الصعود الذي في كتف الفرس فصعدت بهما إلى الجو، فعند ذلك زعقت الجواري وأعلمن الملك أباها وأمها، فصعدا مبادرين إلى سطح القصر، والتفت الملك إلى الجو فرأى الفرس الآبنوس وهي طائرة بهما في الهواء، فعند ذلك انزعج الملك وزاد انزعاجه وقال: يا ابن الملك سألتك بالله أن ترحمني وترحم زوجتي، ولا تفرّق بيننا وبين بنتنا، فلم يجبه ابن الملك.

ثم إن ابن الملك ظن في نفسه أن الجارية ندمت على فراق أمها وأبيها، فقال لها: يا فتنة الزمان، هل لك أن أردك إلى أمك وأبيك؟ فقالت له: يا سيدي والله ما مرادي ذلك، إنما مرادي أن أكون معك أينما تكون لأنني مشغولة بمحبتك عن كل شيء حتى أبي وأمي.

فلما سمع ابن الملك كلامها فرح بذلك فرحاً شديداً، وجعل يسير الفرس بهما سيراً لطيفاً لكيلا يزعجها، ولم يزل يسير بها حتى نظر إلى مرج أخضر وفيه عين جارية، فنزلا هناك وأكلا وشربا، ثم إن ابن الملك ركب فرسه وأردفها خلفه وأوثقها بالرباط خوفاً عليها، وسار بها ولم يزل في الهواء حتى وصل إلى مدينة أبيه فاشتد فرحه.

ثم أراد أن يظهر للجارية محل سلطانه وملك أبيه، ويعرفها أن ملك أبيه أعظم من ملك أبيها، فأنزلها في بعض البساتين التي يتفرج فيها والده وأدخلها في المقصورة المعدّة لأبيه، وأوقف الفرس الآبنوس على باب تلك المقصورة، وأوصى الجارية بالمحافظة على الفرس، وقال لها اقعدي ههنا حتى أرسل إليك رسولي، فإني متوجه إلى أبي لأجل أن أهيئ لك قصرا، وأظهر لك مُلكي، ففرحت الجارية عندما سمعت منه هذا الكلام، وقالت له: افعل ما تريد. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

التبجيل والتشريف

في الليلة الواحدة والثلاثين بعد الخمسمئة قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية فرحت عندما سمعت منه هذا الكلام، وقالت له: افعل ما تريد، ثم خطر ببالها أنها لا تدخل إلا بالتبجيل والتشريف كما يصلح لأمثالها، ثم إن ابن الملك تركها وسار حتى وصل إلى المدينة، ودخل على أبيه، فلما رآه أبوه فرح بقدومه وتلقاه ورحب به، ثم أن ابن الملك قال لوالده: اعلم أنني أتيت ببنت الملك التي كنت أعلمتك بها، وقد تركتها خارج المدينة في بعض البساتين وجئت أعلمك بها لأجل أن تهيئ الموكب وتخرج لملاقاتها وتظهر لها ملكك وأعوانك وجنودك. فقال له الملك: حباً وكرامة، ثم أمر من وقته وساعته أهل المدينة أن يزيّنوا المدينة أحسن زينة، وركب في أكمل هيبة وأحسن زينة هو وجميع عساكره وأكابر دولته وسائر مملكته وخدمه، وأخرج ابن الملك من قصره الحليّ والحلل وما تدخره الملوك، وهيأ لها عمارة من الديباج الأخضر والأحمر والأصفر، وأجلس على تلك العمارة الهنديات والروميات والحبشيات وأظهر من الذخائر شيئاً عجيباً. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.