بومبيو قالها بصراحة، ستبقى كوبا تحت حصارنا الذي فرضناه عليها منذ 60 سنة، حتى لو أنقذت القارة الأوروبية بأكملها من وباء كورونا! وبالرغم من نجدتها لنحو 24 دولة حول العالم وإرسالها 593 طبيباً متخصصاً وتقديم نموذج يغلب عليه الطابع الإنساني مستفيدة من خبرتها في مكافحة الأوبئة سابقاً في القارة الإفريقية وتمتعها بنظام صحي متطور، فإن ذلك لم يشفع لها بأن توقف إدارة دونالد ترامب الضغوط التي تمارسها على تلك الدول وحثها على عدم قبول أطباء كوبيين لديها، حتى لا تدفع لهم الأموال مباشرة وبالتالي تساعد الحكومة الكوبية على جني أرباح من "الاتجار بالبشر" على حد تعبيرها!

قد يكون في هذه السياسة نوع من "الغطرسة" التي لا تميز بين الاعتبارات الإنسانية والمصالح "المشروعة" ومثلما تصرفت مع منظمة الصحة العالمية وحرمتها في ظل ظروف قاهرة من المبالغ المالية التي تقدمها لها، تفعل الشيء نفسه مع هافانا فنظام العقوبات الأكثر ظلماً والأطول مدة في تاريخ العقوبات الأميركية ما زال يلقي بظلاله على الوضع القائم في كوبا.

Ad

واشنطن تمعن في ممارسة هذا الحصار وتلاحقها مثل الطريدة، لتهدد قطر وجنوب إفريقيا وغيرها من الدول، وإذا لم توقف التعامل مع الفرق الطبية الكوبية فستتخذ إجراءات بحقها! لقد استجابت كوبا لطلب إيطاليا وبوقت قياسي عندما هبط فريق من 52 طبيباً مطار ميلانو، في الوقت الذي امتنعت فيه دول القارة الأوروبية عن مد يد العون والمساعدة لشقيقتها، وهو ما أثار الشكوك بقدرة هذا الاتحاد على الصمود والبقاء!

استعدت كوبا ومنذ زمن بإنشاء فرقة "هنري ريف" المتخصصة في الكوارث الطبيعية والأوبئة، وها هي أقاليم ما وراء البحار التابعة لفرنسا مثل "مارتينيك" و"غواديلوب" تستقبل أصحاب القمصان البيضاء بعد أن عجزت باريس عن نجدتها، بالطبع هناك منافع اقتصادية وسياسية تجنيها كوبا من هذه الفرق الطبية والتي أصبحت تشكل مصدراً ذا شأن بموارد الدولة حيث بلغت 6.3 مليارات دولار في السنة.

الحقيقة أن كوبا استثمرت أموالها في التعليم الصحي وتحولت مع مرور الوقت إلى دولة مصدرة للأطباء وكانت هذه "الثروة البشرية" أحد الأذرع الاقتصادية التي اعتمدت عليها في سياستها الخارجية، وعندما احتاجت النفط وذهبت للجزائر، فاوضت هذه الدولة من منطلق نأخذ منكم النفظ ونصدر إليكم الأطباء، وهذا ما حصل.

تخطت كوبا حالة الانعزال التي فرضتها واشنطن، وبات "سفراء الطب" يسمونهم إحدى أدوات الدبلوماسية التي تنتهجها، ووفق أرقام نشرتها عدة صحف ومواقع هناك ما يزيد على 45 ألف طبيب كوبي منتشرين في 67 دولة وبمختلف القارات إلى جانب عشرات الآلاف من الممرضين والفنيين، ففي بوليفيا على سبيل المثال وحدها 700 اختصاصي كوبي إضافة إلى دول أخرى في أميركا اللاتينية.

حصة العالم العربي متواضعة إلى حد ما بالوجود الطبي الكوبي، وإن كانت الكويت وقطر ودول عربية أخرى تستعين بخبرات وكوادر طبية متخصصة في أمراض السرطان والعظام وغيرها، علما أن أعداد كبيرة من دول المنطقة تقدمت بطلبات لإرسال فرق طبية لمواجهة كورونا، أما إفريقيا وبحسب بيانات وزارة الصحة الكوبية فيوجد فيها 2500 طبيب موزعين على 32 دولة إفريقية بما فيها جنوب إفريقيا.

نجحت كوبا في مواجهة وباء كورونا ولم تتعد حالات الوفيات سوى ست حالات وإصابة ما يقرب من 212 إصابة، وهذا ما كان مؤشراً على نجاعة النظام الطبي المتبع وفي بلد يضم 82 طبيباً لكل عشرة آلاف شخص مقارنة بـ 40 طبيباً لكل عشرة آلاف شخص في روسيا و26 في أميركا و18 في الصين!

أحدثت كوبا نقلة نوعية في نظام الرعاية الصحية فمعدلات التطعيم هي الأعلى في العالم على سبيل المثال والاستثمارات في أبحاث الأدوية وتطويرها أعطى نتائج جيدة من حيث إنتاج الأدوية واللقاحات.

ثمة دروس يمكن تعلمها من التجربة الكوبية في مجال الرعاية الصحية أقلها قدرتها على احتواء الفيروس المستجد وبأقل قدر من الأضرار، وبعدد وفيات لا يذكر يماثل حادث سيارة.

مناكفة واشنطن لكوبا في ساحة كورونا أعطى هافانا قوة دفع كبيرة جعلها تتحدث بلغة "الانتصار والتفوق" وهذا مدعاة للتفكر ومن جديد بالنهج الذي ستمليه هذه الجائحة على العلاقات الدولية!

بلد بلغ عدد سكانه 11 مليون نسمة فيه 150 مستشفى و95 ألف طبيب و85 ألف ممرضة، تجاوز الحد الذي تطلبه منظمة الصحة العالمية لضمان خدمة صحية فعالة وهي 25 طبيباً لكل عشرة آلاف نسمة والسلام.