قالت شهرزاد بلغني أيها الملك السعيد إن ابن الملك ترك العمارة بمن فيها وسبق إلى البستان ودخل المقصورة التي تركها فيها، وفتّش فيها فلم يجدها ولم يجد الفرس، فعند ذلك لطم على وجهه، ومزق ثيابه، وجعل يطوف في البستان وهو مدهوش العقل، ثم بعد ذلك رجع إلى عقله وقال في نفسه: كيف علمت بسر هذا الفرس وأنا لم أعلمها بشيء من ذلك، ولعل الحكيم الفارسي الذي عمل الفرس قد وقع عليها وأخذها جزاء ما عمله والدي معه، ثم ان ابن الملك طلب حراس البستان وسألهم عمن مر بهم وقال لهم: هل نظرتم أحداً مر بكم ودخل هذا البستان؟ فقالوا: ما رأينا أحداً دخل البستان سوى الحكيم الفارسي فإنه دخل ليجمع الحشائش النافعة، فلما سمع كلامهم صح عنده أن الذي أخذ الجارية هو ذلك الحكيم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.وفي الليلة الثانية والثلاثين بعد الخمسمئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن ابن الملك لما سمع كلامهم صح عنده أن الذي أخذ الجارية هو ذلك الحكيم، وكان بالأمر المقدر أن ابن الملك لما ترك الجارية في المقصورة التي فيها البستان وذهب إلى قصر أبيه ليهيئ أمره دخل الحكيم الفارسي البستان ليجمع شيئاً من الحشيش النافع فشم رائحة المسك الطيب التي عبق منها المكان، وكان ذلك الطيب من رائحة ابنة الملك فقصد الحكيم تلك الرائحة حتى وصل إلى تلك المقصورة، فرأى الفرس التي صنعها بيده على باب المقصورة.
فلما رأى الحكيم الفرس امتلأ قلبه فرحاً وسروراً، إلا أنه كان كثير التأسف على الفرس حيث خرجت من يده فتقدم إلى الفرس وافتقد جميع أجزائها فوجدها سالمة، ولما أراد أن يركبها ويسير قال في نفسه: لابد أن أنظر ما جاء به ابن الملك وتركه مع الفرس ههنا، فدخل المقصورة فوجد الجارية جالسة وهي كالشمس الصاحية في السماء الصافية، ثم توجه إلى المدينة ليجيء لها بموكب ويدخلها المدينة فقالت له: من أنت فقال لها: يا سيدتي أنا رسول الملك قد أرسلني إليك وأمرني أن أنقلك إلى بستان آخر قريب من المدينة. فلما سمعت الجارية منه ذلك الكلام دخل في عقلها فصدقته وقامت معه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
هروب الحكيم الفارسي
وفي الليلة الثالثة والثلاثين بعد الخمسمئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الحكيم الفارس لما أخبر الجارية بأحوال ابن الملك صدقت كلامه ودخل في عقلها وقامت معه ووضعت يدها في يده ثم قالت له: يا والدي ما الذي جئت لي به معك حتى أركبه فقال: يا سيدتي الفرس التي جئت عليها تركبينها فقالت له: أنا لا أقدر على ركوبها وحدي، فتبسم الحكيم عندما سمع ذلك وعلم أنه قد ظفر بها فقال لها: أنا أركب معك بنفسي، ثم ركب وأركب الجارية خلفه وضمها إليه وشد وثاقها وهي لا تعلم ما يريد بها، ثم إنه حرك لولب الصعود فامتلأ جوف الفرس بالهواء وتحركت وماجت ثم ارتفعت صاعدة في الجو ولم تزل سائرة بهما حتى غابت عن المدينة. فقالت له الصبية: يا هذا أين الذي قلته عن ابن الملك حيث زعمت أنه أرسلك إلي، فقال لها الحكيم: قبح الله ابن الملك فإنه خبيث لئيم، فقالت له: يا ويلك كيف تخالف أمر مولاك فيما أمرك به فقال لها: ليس هو مولاي فهل تعرفين من أنا؟ فقالت: لا أعرفك إلا بما عرفتني به عن نفسك فقال لها: إنما إخباري لك بهذا الخبر حيلة مني عليك وعلى ابن الملك، ولقد كنت متأسفاً طول عمري على هذه الفرس التي تحتك فإنها صناعتي وكان قد استولى عليها والآن قد ظفرت بها وبك أيضاً، وقد أحرقت قلبه كما أحرق قلبي ولا يتمكن منها بعد ذلك أبداً فطيبي قلباً وقري عيناً فأنا لك أنفع منه.فلما سمعت الجارية كلامه لطمت على وجهها ونادت: يا أسفاه لا حصلت حبيبي ولا بقيت عند أبي وأمي، وبكت بكاءً شديداً على ما حل بها ولم يزل الحكيم سائراً بها إلى بلاد الروم حتى نزل بها في مرج أخضر ذي أنهار وأشجار وكان ذلك المرج بالقرب من مدينة وفي تلك المدينة ملك عظيم الشأن، فاتفق في ذلك اليوم أن ملك تلك المدينة خرج إلى الصيد والنزهة فجاز على ذلك المرج فرأى الحكيم واقفاً والفرس والجارية بجانبه، فلم يشعر الحكيم إلا وقد هجم عليه عبيد الملك وأخذوه هو والجارية والفرس وأوقفوا الجميع بين يدي الملك، فلما نظر إلى قبح منظره وبشاعته ونظر إلى حسن الجارية وجمالها قال لها: يا سيدتي ما نسبة هذا الشيخ منك، فبادر الحكيم بالجواب وقال: هي زوجتي وابنة عمي، كذبته الجارية عندما سمعت قوله وقالت: أيها الملك والله لا أعرفه ولا هو بعلي بل أخذني قهراً بالحيلة.فلما سمع الملك مقالها أمر بضربه فضربوه حتى كاد يموت، ثم أمر الملك أن يحملوه إلى المدينة ويطرحوه في السجن ففعلوا به ذلك، ثم إن الملك أخذ الجارية والفرس منه ولكنه لم يعلم بأمر الفرس ولا بكيفية سرها. هذا ما كان من أمر الحكيم والجارية.وأما ما كان من أمر ابن الملك فإنه لبس ثياب السفر وأخذ ما يحتاج إليه من المال وسافر وهو في أسوأ حال، وسار مسرعاً يقتص الأثر في طلبهما من بلد إلى بلد ومن مدينة إلى مدينة ويسأل عن الفرس الأبنوس وكل من سمع منه خبر الفرس الأبنوس يتعجب منه ويستعظم ذلك منه، فأقام على هذا الحال مدة من الزمان ومع كثرة السؤال والتفتيش عليهما لم يقع لهما على خبر، ثم إنه سار إلى مدينة أبي الجارية، وسأل هناك فلم يسمع لها بخبر ووجد أباها حزيناً على فقدها فرجع وقصد بلاد الروم وجعل يقتص أثرهما ويسأل عنهما. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
بلاد الروم
وفي الليلة الرابعة والثلاثين بعد الخمسمئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن ابن الملك قصد بلاد الروم وجعل يقتص أثرهما ويسأل عنهما، فاتفق أنه نزل في خان من الخانات فرأى جماعة من التجار جالسين يتحدثون فجلس قريباً منهم فسمع أحدهم يقول: لقد رأيت عجباً من العجائب فقالوا: وما هو؟ قال: إني كنت في بعض الجهات من مدينة كذا وذكر اسم المدينة التي فيها الجارية فسمعت أهلها يتحدثون بحديث غريب، وهو أن ملك المدينة خرج يوماً من الأيام إلى الصيد والقنص ومعه جماعة من أصحابه وأكابر دولته. فلما طلعوا إلى البرية جازوا على مرج أخضر فوجدوا هناك رجلاً واقفاً وإلى جانبه امرأة جالسة ومعه فرس من أبنوس، فأما الرجل فإنه قبيح المنظر مهول الصورة جداً، وأما المرأة فإنها صبية ذات حسن وجمال وبهاء وكمال وقد واعتدال، وأما الفرس فإنها من العجائب التي لم ير الراؤون أحسن منها ولا أجمل من صنعتها فقال له الحاضرون: فما فعل الملك بهم؟ فقال: أما الرجل فإنه أخذه الملك وسأله عن الجارية فادعى أنها زوجته وابنة عمه، وأما الجارية فإنها كذبته في قوله فأخذها الملك منه وامر بضربه وطرحه السجن، وأما الفرس الأبنوس فما لي بها علم.فلما سمع ابن الملك هذا الكلام من التاجر دنا منه وصار يسأله برفق وتلطف حتى أخبره اسم المدينة واسم ملكها، فلما عرف ابن الملك اسم المدينة واسم ملكها بات ليلته مسرور فلما أصبح الصباح خرج وسافر ولم يزل مسافراً حتى وصل إلى تلك المدينة، فلما أراد أن يدخلها أخذه البوابون وأرادوا إحضاره أمام الملك ليسأله عن حاله وعن سبب مجيئه إلى تلك المدينة وعما يحسنه من الصنائع وكانت هذه عادة الملك من سؤال الغرباء عن أحوالهم وصنائعهم، وكان وصول ابن الملك إلى تلك المدينة في وقت لا يمكن الدخول فيه على الملك ولا المشاورة عليه فأخذه البوابون وأتوا به إلى السجن ليضعوه فيه.فلما نظر السجانون إلى حسنه وجماله لم يهن عليهم أن يدخلوه السجن بل أجلسوه معهم خارجه، فلما جاءهم الطعام أكل معهم بحسب الكفاية، فلما فرغوا من الأكل جعلوا يتحدثون ثم أقبلوا على ابن الملك وقالوا له: من أي البلاد أنت؟ فقال: أنا من بلاد فارس بلاد الكاسرة فلما سمعوا كلامه ضحكوا وقال بعضهم: يا كسروي لقد سمعت حديث الناس وأخبارهم وشاهدت أحوالهم فما رأيت أكذب من هذا الكسروي الذي عندنا في السجن، فقال آخر: ولا رأيت أقبح من خلقته ولا أبشع من صورته فقال لهم: ما الذي بان لكم من كذبه. فقالوا: زعم أنه حكيم وكان الملك قد رآه في طريقه وهو ذاهب إلى الصيد ومعه امرأة بديعة الحسن والجمال والبهاء والكمال والقد والاعتدال ومعه أيضاً فرس من الـبنوس الأسود ما رأينا قط أحسن منها، فأما المرأة فهي عند الملك، وهو لها محب، ولكن تلك المرأة مجنونة ولو كان ذلك الرجل حكيماً لداواها والملك مجتهد في علاجها وغرضه مداواتها مما هي فيه، وأما الفرس الأبنوس فإنها في خزانة الملك، وأما الرجل القبيح المنظر الذي كان معها فإنه عندنا في السجن، فإذا جن الليل يبكي، وينتحب أسفاً على نفسه ولا يدعنا ننام. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.داخل السجن
وفي الليلة الخامسة والثلاثين بعد الخمسمئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الموكلين في السجن لما اخبروه بخبر الحكيم الفارسي الذي عندهم في السجن وبما هو فيه من البكاء والنحيب خطر بباله أن يدبر تدبيراً ليبلغ غرضه، فلما أراد البوابون النوم أدخلوه السجن وأغلقوا عليه الباب فسمع الحكيم يبكي وينوح على نفسه بالفارسية ويقول في نوحه: الويل لي بما جنيت على نفسي وعلى ابن الملك وبما فعلت بالجارية، حيث لم أتركها ولم أظفر بمرادي وذلك كله من سوء تدبيري فإني طلبت لنفسي ما لا أستحقه وما لا يصلح لمثلي ومن طلب ما لا يصلح له وقع في مثل ما وقعت فيه.فلما سمع ابن الملك كلام الحكيم كلمه بالفارسية وقال له: إلى كم هذا البكاء والعويل هل ترى أنه أصابك ما لم يصب غيرك فلما سمع الحكيم كلامه أنس به وشكا إليه حاله مما يجده من المشقة فلما أصبح الصباح أخذ البوابون ابن الملك وأتوا به إلى ملكهم وأعلموه أنه وصل إلى المدينة بالأمس في وقت لا يمكن الدخول فيه على الملك فسأله الملك وقال له: من أي البلاد؟ وما اسمك؟ وما صنعتك؟ وما سبب مجيئك إلى هذه المدينة؟ فقال ابن الملك أما اسمي فإنه بالفارسية حرجة، وأما بلادي فهي بلاد فارس، وأنا من اهل العلم خصوصاً علم الطب فإني أداوي المرضى والمجانين، ولهذا أطوف في الأقاليم والمدن لأستفيد علماً على علمي، وإذا رأيت مريضاً فإني أداويه فهذه صنعتي.فلما سمع الملك كلامه فرح به فرحاً شديداً وقال له: أيها الحكيم الفاضل لقد وصلت إلينا في وقت الحاجة إليك ثم أخبره بخبر الجارية وقال له: إن داويتها وأبرأتها من جنونها فلك عندي جميع ما تطلبه فلما سمع كلام الملك قال له: أعز الله الملك صف لي كل شيء رأيته من جنوني وأخبرني منذ كم يوم عرض لها هذا الجنون، وكيف أخذتها هي والفرس والحكيم، فأخبره بالخبر من أوله إلى آخره ثم قال له: إن الحكيم في السجن، فقال له: أيها الملك السعيد ما فعلت بالفرس التي كانت معهما؟ فقال له: باقية عندي إلى الآن في بعض المقاصير.فقال ابن الملك في نفسه: إن من الرأي عندي أن اتفقد الفرس وأنظرها قبل كل شيء، فإن كانت سالمة لم يحدث فيها أمر فقد تم لي كل ما أريد، وإن رأيتها قد بطلت حركتها تحيلت بحيلة في خلاص مهجتي ثم التفت إلى الملك، وقال له: ينبغي أن أنظر الفرس المذكور لعلي أجد شيئاً يعينني على برء الجارية فقال له الملك: حباً وكرامة ثم قام الملك وأخذه بيده ودخل معه إلى الفرس فجعل ابن الملك يطوف حول الفرس ويتفقدها وينظر أحوالها فوجدها سالمة لم يعبها شيء ففرح ابن الملك بذلك فرحاً شديداً، وقال: أعز الله الملك إني أريد الدخول على الجارية حتى أنظر ما يكون منها وأرجو الله أن يكون برؤها على يدي بسبب الفرس إن شاء الله تعالى ثم أمر بالمحافظة على الفرس ومضى به الملك إلى البيت الذي فيه الجارية.فلما دخل عليها ابن الملك وجدها تتخبط وتنصرع على عادتها ولم يكن بها جنون إنما تفعل ذلك حتى لا يقربها أحد، فلما رآها ابن الملك على هذه الحالة قال لها: لا بأس عليك يا فتنة العالمين ثم أنه جعل يرفق بها ويلاطفها إلى أن عرفها بنفسه فلما عرفته صاحت صيحة عظيمة حتى غشي عليها من شدة ما حصل لها من الفرح، فظن الملك أن هذه الصرعة من فزعها منه ثم إن ابن الملك وضع فمه على أذنها وقال لها: يا فتنة العالمين احقني دمي ودمك واصبري وتجلدي فقالت له: سمعاً وطاعة، ثم إنه خرج من عندها وتوجه إلى الملك فرحاً مسروراً وقال: أيها الملك السعيد قد عرفت بسعادتك داءها ودواءها وقد داويتها لك فقم الآن وادخل إليها ولين كلامك لها وترفق بها وعدها بما يسرها فإنه يتم لك كل ما تريد منها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.الجارية وابن الملك
وفي الليلة السادسة والثلاثين بعد الخمسمئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن ابن الملك لما جعل نفسه حكيماً، ودخل على الجارية وأعلمها بنفسه وأخبرها بالتدبير الذي يدبره فقالت له: سمعاً وطاعة ثم خرج من عندها وتوجه إلى الملك وقال له: قم ادخل عليها ولين كلامك لها وترفق بها وعدها بما يسرها فإنه يتم لك كل ما تريد منها فقام الملك ودخل عليها، فلما رأته قامت إليه وقبلت الأرض بين يديه ورحبت به ففرح الملك بذلك فرحاً شديداً ثم أمر الجواري والخدم أن يقوموا بخدمتها ويدخلوها الحمام ويجهزوا لها الحلي والحلل فدخلوا إليها وسلموا عليها فردت عليهم السلام بألطف منطق وأحسن كلام، ثم ألبسوها حللاً من ملابس الملوك ووضعوا في عنقها عقداً من الجواهر وساروا بها إلى الحمام وخدموها ثم أخرجوها من الحمام كأنها بدر التمام، ولما وصلت إلى الملك سلمت عليه وقلبت الأرض بين يديه فحصل للملك بها سرور عظيم وقال لابن الملك كل ذلك ببركتك زادنا الله من نفحاتك. فقال له ابن الملك: إن تمام برئها وكمال أمرها أنك تخرج أنت وكل من معك من أعوانك وعسكرك إلى المحل الذي كنت وجدتها فيه وتكون صحبتك الفرس الأبنوس التي كانت معها لأجل أن أعقد عنها العارض هناك وأسجنه وأقتله فلا يعود إليها أبداً فقال له الملك: حباً وكرامة، ثم أخرج الفرس الابنوس إلى المرج الذي وجدها فيه هي والجارية والحكيم الفارسي وركب الملك مع جيشه وأخذ الجارية معه وهم لا يدرون ما يريد أن يفعل، فلما وصل إلى ذلك المرج أمر ابن الملك الذي جعل نفسه حكيماً أن توضع الجارية والفرس بعيداً عن الملك والعساكر بمقدار مد البصر وقال للملك: دستور عن إذنك أنا أريد أن أطلق البخور، وأتلو العزيمة وأسجن العارض هنا حتى لا يعود إليها أبداً، ثم بعد ذلك أركب الفرس الابنوس وأركب الجارية خلفي فإذا فعلت ذلك الفرس تضطرب وتمشي حتى تصل إليك وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.عودة الجارية
وفي الليلة السابعة والثلاثين بعد الخمسمئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن ابن الملك لما قال لملك الروم: حتى تصل إليك فعند ذلك يتم الأمر فافعل بها بعد ذلك ما تريد فلما سمع الملك كلامه فرح فرحاً شديداً ثم ان ابن الملك ركب الفرس ووضع الصبية خلفه وصار الملك وجميع عساكره ينظرون إليه ثم إنه ضمها إليه وشد وثاقها، وبعد ذلك فرك ابن الملك لولب الصعود فصعدت بهما الفرس في الهواء والعساكر تنظر إليه حتى غاب عن اعينهم ومكث الملك نصف يوم ينتظر عودته إليه، فلم يعد فيئس منه وندم ندماً عظيماً وتأسف على فراق الجارية ثم أخذ عسكره وعاد إلى مدينته. هذا ما كان من أمره.وأما ما كان من أمر ابن الملك فإنه قصد مدينة أبيه فرحاً مسروراً ولم يزل سائراً إلى أن نزل على قصره وأنزل الجارية في القصر وامن عليها ثم ذهب إلى أبيه وأمه فسلم عليهما وأعلمهما بقدوم الجارية ففرحا بذلك فرحاً شديداً. هذا ما كان من أمر ابن الملك والفرس والجارية.وأما ما كان من أمر ملك الروم فإنه لما عاد إلى مدينته احتجب في قصره حزيناً كئيباً فدخل عليه وزراؤه وجعلوا يسلونه ويقولون له ان الذي أخذ الجارية ساحر، والحمد لله الذي نجاك من سحره ومكره وما زالوا به حتى تسلى عنها، وأما ابن الملك فإنه عمل الولائم العظيمة لأهل المدينة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.أفراح صنعاء
في الليلة الثامنة والثلاثين بعد الخمسمئة قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن ابن الملك عمل الولائم العظيمة لأهل المدينة وأقاموا في الفرح شهراً كاملاً، ثم دخل على الجارية وفرحا ببعضهما فرحاً شديداً هذا ما كان من أمره، وأما ما كان من أمر والده فإنه كسر الفرس الأبنوس وأبطل حركاتها، ثم إن ابن الملك كتب كتاباً إلى أبي الجارية وذكر له فيها حالها وأخبره أنه تزوج بها، وهي عنده في أحسن حال وأرسله إليه مع الرسول وصحبته هدايا وتحفاً نفيسة فلما وصل الرسول إلى مدينة أبي الجارية وهي صنعاء اليمن اوصل الكتاب والهدايا إلى ذلك الملك. فلما قرأ الكتاب فرح فرحاً شديداً وقبل الهدايا واكرم الرسول ثم جهز هدية سنية لصهره ابن الملك وأرسلها إليه مع ذلك الرسول فرجع بها إلى ابن الملك وأعلمه بفرح الملك أبي الجارية حين بلغه خبر ابنته فحصل له سرور عظيم وصار ابن الملك في كل سنة يكاتب صهره ويهاديه ولم يزالوا كذلك حتى توفي الملك أبوالغلام وتولى هو بعده في المملكة فعدل في الرعية وسار فيهم بسيرة مرضية فدانت له البلاد واطاعته البلاد واستمروا على هذه الحالة في ألذ عيش وأهنأه وأرغده. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. * وإلى اللقاء في حلقة الغد