ظهرت تفاصيل صادمة في الأيام الأخيرة حول دور جمهورية الصين الشعبية في انتشار وباء كورونا، ففي شهر أبريل تبيّن أن قيادة الحزب الشيوعي ترددت في التحرك طوال ستة أيام حاسمة حين أدركت أن انتشار الفيروس في "ووهان" قد يتحول إلى وباء شامل، واتّضح هذا الوضع بعدما أصدرت جامعة "ساوثهامبتون" تقديرات مريعة مفادها أن الحكومة الصينية كانت تستطيع تقليص إصابات "كوفيد-19" بنسبة 95% لو أنها تحركت لتخفيف حدة الفيروس قبل ثلاثة أسابيع، لكن خلال هذه الفترة، أسكت أعضاء الحزب الشيوعي الصيني خبراء الطب وأمروا بتدمير عيّنات الفيروس، وقد يتعلق أسوأ حدث بإقدام هذا الحزب على منع رحلات السفر من "ووهان" إلى مدن صينية أخرى في شهر ديسمبر، من دون أن يأخذوا عناء منع رحلات السفر الدولية.

ركّز بعض أعضاء الكونغرس الأميركي على الأضرار الاقتصادية لفيروس كورونا وحاولوا لوم جمهورية الصين الشعبية بطرقٍ مختلفة، منها مصادرة الأصول الصينية في الولايات المتحدة أو إلغاء مدفوعات سندات الخزينة، لكن تجازف هذه الخطوات بإضعاف القانون الدولي المتعارف عليه منذ قرون وزعزعة النظام المالي العالمي، كذلك لا تحقق هذه المقاربات أهداف الاستراتيجية الأساسية على المدى الطويل.

Ad

يبدو قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتجميد المساهمات الأميركية لمنظمة الصحة العالمية شبه صائب، وتُعتبر الولايات المتحدة المموِّلة الأساسية لبرامج هذه المنظمة، على مستوى المساهمات الإلزامية والطوعية معاً، وتشكّل تقديماتها نحو 20% من عائدات المنظمة الإجمالية. تستطيع واشنطن أن تفرض ضغوطاً حقيقية في هذا المجال ومن حقها أن تلوم منظمة الصحة العالمية لأنها بالغت في مراعاة اقتراحات الحزب الشيوعي الصيني خلال مراحل محورية من انتشار الفيروس، لكن يصعب أن تؤمّن هذه الإدارة الأميركية فرص عمل للأميركيين داخل الوكالات الدولية كونها تستخف بأهمية تلك الوكالات حتى الآن، بغض النظر عن صحة موقفها. وحتى لو نجح الرئيس في جهوده الرامية إلى إصلاح منظمة الصحة العالمية، إلا أنه لا يستطيع إثبات تورط الصين في نشر فيروس كورونا.

بدل محاولة معاقبة الحزب الشيوعي الصيني أو استهداف المنظمات التابعة له إذاً، على صانعي السياسة الأميركية أن يدركوا محور الأزمة الحقيقي: سيطرة الحزب على المعلومات بطريقة استبدادية!

لطالما سعى المدافعون عن حقوق الإنسان إلى إضعاف "جدار الحماية العظيم" في الصين وتوفير خدمات غير خاضعة للرقابة لمستخدمي الإنترنت هناك. غداة تفشّي فيروس كورونا، يجب أن تدرك واشنطن أن المعلومات المغلوطة والحملات الدعائية التي ينشرها الحزب الشيوعي الصيني ليست مجرّد مشاكل أيديولوجية ولا تعكس اختلافاً في القيم بكل بساطة، بل إنها تطرح تهديداً عابراً للقارات ومن الواضح أنه بدأ ينتشر اليوم على مستوى العالم.

يتعين على واشنطن أيضاً أن ترفع كلفة التحركات التدميرية للحزب الشيوعي الصيني، تتعدد أشكال الضغوط الفاعلة، منها فرض عقوبات على الكيانات الأجنبية بسبب إخفاء البيانات المرتبطة بفيروس كورونا، ومنع الموظفين الحكوميين الأميركيين من العمل رسمياً على أي برمجيات طوّرتها شركات في جمهورية الصين الشعبية إذا كانت معروفة بمراقبة البيانات وإخفائها، وزيادة تمويل المنظمات غير الحكومية التي تطوّر حلولاً تكنولوجية لجدار الحماية العظيم.

بدأت هذه الأفكار تكسب التأييد داخل واشنطن، وهي تستحق انتباهاً مضاعفاً، ففي النهاية من الواضح أن الحزب الشيوعي الصيني لن يقوم بالإصلاحات المطلوبة منه، فإذا فشلت الولايات المتحدة في معالجة السبب الأصلي لهذه الأزمة وإضعاف سطوة الحزب الصيني الحاكم على المعلومات، سنلاحظ قريباً أن العالم ليس أكثر أماناً مما كان عليه قبل انتشار فيروس كورونا.

* مايكل سوبوليك

* «ذا دبلومات»