تباينت ردود الفعل حول قضية الفنان أحمد عزمي، وبدت أصداؤها خافتة في الشارع المصري، وتزامنت مع أحداث جرت خلال تلك الفترة، ونشرت الصحف حينها أخباراً قصيرة حول القبض على النجم الصاعد، وصار مثل بعض الفنانين الذين اتهموا في قضايا مماثلة، وحكم عليهم بالسجن أو البراءة، وكان عليهم أن يدفعوا ثمن أخطائهم، ولكن بريق الشهرة زاد من اهتمام الرأي العام بهم، وربما عادوا أكثر نجومية، واستأنفوا نشاطهم الفني دون أن يتعرضوا للمنع، أو يتهددهم شبح الاعتزال. واختلفت تداعيات قضية عزمي، بل إنها أغلقت صفحة طويلة من مشواره الفني، وتركته حائراً في منتصف العمر، وعلى أعتاب الكهولة، وكأنه يلعب دوراً تراجيدياً لا ينتهي، لبطل يسير في الضباب، وتعرض لأزمات نفسية متتالية، ويأمل أن يستيقظ من هذا الكابوس، ويواصل مشواره في عالم التمثيل، ويحظى من جديد بحب وثقة الجمهور، الذي عرفه فناناً موهوباً يجسد أصعب الشخصيات الدرامية ببراعة فائقة.
وباتت شهرة عزمي في اختبار صعب، وقد تغيرت صورته أمام جمهوره، واستطاع أن يمحو الجانب السيء منها، باعترافه بالخطأ، وقد أخذ وقتاً طويلاً في استيعاب تجربة السجن القاسية، وقبلها صدمة وفاة شقيقه الأصغر في حادثة قتل، اهتزت له المشاعر، وأثارت موجة من التعاطف مع الفنان، ومواساته في أحزانه، لكنه أصيب باكتئاب شديد، ودخل إلى مصحة نفسية للعلاج، وبعد خروجه استغرق في أعماله الفنية، حتى وقع في كمين الشرطة، ووجد نفسه متهماً بحيازة مواد مخدرة. وفي لحظة فارقة تعثرت خطوات الفنان الشاب، وألقت الشرطة القبض عليه في أول أكتوبر عام 2013، داخل الشاليه الخاص به بمنتجع الدلتا السياحي، بمدينة شرم الشيخ في جنوب سيناء، وبحوزته كميات من مخدر الكوكايين والحشيش، أثناء حملة المداهمات التي قامت بها الأجهزة الأمنية في الساعات الأولى من صباح هذا اليوم، لضبط الخارجين عن القانون بالقرى والمنتجعات السياحية. وجاء في محضر التحقيق أن الفنان المتهم، تم ضبطه وبحوزته 5 غرامات من مخدر الكوكايين و3 أصابع حشيش، والتحفظ على المخدرات المضبوطة وتحويله للنيابة للتحقيق، وبعد أيام قرر رئيس محكمة جنح مستأنف جنوب سيناء، إخلاء سبيل عزمي بكفالة مالية قدرها 2000 جنيه مصري، على ذمة التحقيقات، بعد تجديد حبسه أول 15 يوماً، وكان دفاع عزمي، قد تقدم بطلب لرئيس المحكمة لإعادة النظر في حبس موكله، وطالب بالإفراج عنه بأي ضمان، وأفرج عنه على ذمة القضية.
عثرة أخرى، تعرض لها عزمي، في مطلع أبريل عام 2014، حين تمكنت أحد الأكمنة الأمنية بمدينة شرم الشيخ من القبض عليه، وبحوزته مجموعة من أقراص مخدر "الترامادول" داخل سيارته، وتحرر محضر بالواقعة، والتحفظ على الفنان لحين عرضه على النيابة العامة، وفي 27 من نفس الشهر، قضت محكمة جنايات شرم الشيخ بحبسه ستة أشهر مع الشغل، فضلاً عن غرامة ألف جنيه في قضية تعاطي "مخدر الترامادول".ترجع التفاصيل عندما استوقف أحد ضباط أكمنة مدينة شرم الشيخ للفنان، وتلاحظ عدم قدرته على الحديث، وأنه في حالة غير طبيعية وبصحبته إحدى الفتيات، وبتفتيش السيارة، ضبط 14 قرصاً مخدراً، وبفحص الفتاة تبين أنه مقيد ضدها 11 قضية آداب، وادعى عزمي أنها زوجته عرفياً، ناكراً معرفته بوجود الأقراص المخدرة التي كانت بسيارته.وفي 30 أبريل 2016، غادر عزمي سجن الزقازيق العمومي بعد انتهائه من مدة عقوبته، وذكر حينها أنه تعلم الكثير من تجربة السجن، وعرف من هم أصدقائه الحقيقيين الذين وقفوا بجانبه وقت الشدة ولم يتركوه، وأن أكثر شيء كان يبكيه داخل محبسه الظلم الذي وقع عليه، ونجله الذي كان لا يحب أن يرى والده في مثل هذا الموقف، وحاول أن يكون متصالحاً مع نفسه ومع الظروف بشكل كبير، وصنع صداقات جديدة مع بعض الأشخاص "المظلومين" داخل السجن، وأنه عرف فعلاً أن عبارة "ياما في السجن مظاليم" حقيقية.
شبح الإعتزال
انطبق على عزمي عنوان أحد أفلامه "وش سجون" وتعرض لتجربة قاسية خلف القضبان، ولم يخسر عزمي حريته خلال مدة العقوبة التي أمضاها في سجن الزقازيق فقط، ولكنه خسر أيضاً زوجته ورفيقة عمره بعد أن طلبت الطلاق عقب القبض عليه، والأكثر مرارة وقسوة أن مستقبله الفني بات مهددا، ويواجهه شبح إعتزال التمثيل، والبحث عن مهنة أخرى، وفقا للوائح نقابة المهن التمثيلية المصرية، وتقضى بعدم منح تصريح بمزاولة المهنة لأى شخص تم اتهامه فى قضايا جنائية أو مخلة بالشرف ولابد من رد اعتبار الممثل قضائيا حتى يسمح له بممارسة المهنة. بحث الفنان الشاب عن طوق نجاة، ليصل إلى شاطئ الأمان، ويستأنف نشاطه الفني، وبدت ردود أفعال مسئولي النقابة حازمة، وحينها صرح وكيل نقابة المهن التمثيلية، الفنان سامح الصريطى، قائلا: "إن احمد عزمى حصل على حكم بات ونهائي، ومن المؤكد انه لن يقوم بأي دور فني، ولكنني رغم ذلك لست على دراية كاملة بالقضية ولن أستطيع الجزم بذلك إلا بعد قراءة حيثياتها، وبعدها إذا كان مخالفا لقانون النقابة سيطبق عليه القانون، لو أنه ارتكب جريمة جنائية ومخلة بالشرف".توقف نشاط أحمد عزمي، المولود في 23 إبريل 1972 بمحافظة الجيزة، والحاصل على بكالوريس المعهد العالي للفنون المسرحية، وشارك في العديد من الأفلام والمسلسلات الدرامية، منها "عباس الأبيض" و"يتربى في عزو" و"وش سجون" و"الدنيا مقلوبة" و"شمال يا دنيا" و"الأبواب المغلقة" و"عزبة آدم" و"الوعد" وعمل مع كبار النجوم مثل يحيى الفخراني ومحمود ياسين ومحمود حميدة وغيرهم. وانتهت مدة العقوبة وخرج أحمد عزمى من السجن، ليمارس حياته بطريقة طبيعية، ولكنه ممنوع من ممارسة المهنة التي اختارها، وقد تجاوز الأربعين بعدة سنوات، وتراكمت عليه الأحزان والآلام، ليعيش مأساة حقيقية جرت أحداثها في أرض الواقع، وطار بطلها المعذب والمهدد بالإعتزال، ويعيش دون مؤازرة من أحد، وكأنه غادر محبسه إلى سجن أكثر قسوة، وضاقت عليه الدائرة، رغم انتهاء مدة العقوبة، ويواجه نظرات الإتهام في عيون الآخرين.تجربة قاسية
اعترافات مثيرة أدلى بها أحمد عزمي، خلال حواراته مع وسائل إعلام مختلفة، وتحدث بجرأة عن تجربته داخل السجن، وأنه عرف حبيبه من عدوه، بالإضافة إلى أن الشيء الصعب فى السجن هو التنقل بين أكثر من مكان، وبدأت رحلته في سجن الزقازيق، وإيداعه في حبس انفرادي لدواع أمنية، والذي عرفه داخل السجن أن الزنزانة الانفرادية تكون للمسجلين خطر، أو بينه والسجناء خصومة. ويتابع عزمي: "كان الأساس أن أقضى فترة سجني بالزقازيق، أو "الطور" كما اعتقدت، وإذا بهم يأخذونني لكي يتم ترحيلي، الساعة السابعة صباحا، وسألت المخبر فقال لي: سيارة الترحيلات ستمر على 4 سجون ولما يقولون لك انزل سيكون هو سجنك، وبعدها ذهبت لسجن الإسماعيلية، وهناك احتاروا أين سأقيم، وفي النهاية اضطروا إلى حبسي مع عناصر من جماعة الإخوان (جماعة راديكالية مصنفة إرهابية في مصر)، وسألني أحدهم عن أعمالي الفنية، وكانوا يصلون معي، وسجين إخوانى قال لي (إنت بتاع فيلم أحاسيس؟) وتحدثت معهم بوعي بسبب قراءتى عنهم في كتب كثيرة أثناء تأديتي دوراً في مسلسل (الجماعة)". وصار عزمي بطلا لتجربته في السجن، واختلفت عن دوره في فيلم "وش سجون" مع الفنانين باسم السمرة ودينا فؤاد أحمد وفيق، وانتهت الأحداث الحقيقية، بقوله: "بعد سجن الإسماعيلية تم نقلي وبدون معرفة السبب لسجن الزقازيق، وهناك تعرفت على ضابط كان يحضر لي كتباً لكي أقرأ فيها، ثم نقلت إلى سجن بورسعيد، ومنه عدت إلى سجن الزقازيق، كما أنني فوجئت إن الضباط ممنوعين من الكلام معي، ولم أكن أخرج من غرفتي إلا للضرورة".تفاصيل أخرى أكثر مأساوية، ذكرها أحمد عزمي في تصريحاته: "الشيء الذي أثر في بشكل كبير، هي زوجتي التي كانت بين نارين، بعد أن علمت أنه تم ضبط سيدة معي بالسيارة ومسجلة آداب، ولذلك حينما طلبت الطلاق وافقت على الفور لأعفيها من الإحراج، واحتراماً لها، فهي رفيقة عمري، وكل خطوة كنت أخطوها في حياتي كانت بمعرفتها وكانت تختار ملابسي ولم تكن زوجة فقط بل أم وأخت وصديقة وكانت عائلتي، وحياتنا كانت عبارة عن مشاركة وجدانية ونفسية، وحينما رزقنا الله بآدم، وعمره الآن 8 سنوات، كان تتويجا لحالة الحب، وفقداني زوجتي بمثابة حكم بالإعدام علي، لأني لست قادراً على أن أحب شخصاً آخر، أو أن تدخل إنسانة أخرى في حياتي بهذه الدرجة من المشاعر، كما أن هناك أشياءً كثيرة في عملي لا أستطيع مشاهدتها لأنها تذكرني بها".العقار الممنوع
كشف عزمي خلال اعترافاته سر ضبطه بعقار ممنوع، بقوله: "عقار الترامادول الذي ضبط معي، هو عقار متداول بين الأزواج كما أنه يساعد على السهر، وحينما كنت أجلس مع بعض الأطباء النفسيين كانوا يكتبون لي بعض العقاقير التي تؤدي إلى الابتهاج، كما أنني دخلت مصحة نفسية، وكان هناك من يعطيني دواء عرفت فيما بعد أنه "الصراصير" كما يسمونه (عقار البيركينول) وحينما أردت أن أحضره من الخارج، الطبيب قال لي حينما تحتاج سأعطيك جرعات معينة لأنه ممنوع بالخارج، وحينما دخلت السجن كان بعض السجناء يعطوني ترامادول ويقولون لي إنهم يعرفون قضيتي لكنني كنت أرفض". وتابع عزمي اعترافاته قائلاً: "أثناء تلك الفترة كنت أشعر بحالة نفسية سيئة واكتئاب، وكنت أذهب لطبيب نفسي، ويصرفون لي علاجاً من الجدول (أدوية مدرجة في جدول تُصرف فقط بروشتة طبيب لأنها تسبب الإدمان)، بسبب قضية شقيقي الأصغر ومقتله في حادث سرقة في رمضان، مما أثر عليَّ نفسياً، والمرض هنا ليس له علاقة بالنجاح، وفي ذلك الوقت عرض علي فيلم "وش سجون" وكان يتحدث عن عملية اغتصاب طفلة وتعرضها للقتل مما جعلني أتذكر أخي فقد قتله صديقه وعمره 17 عاماً، ولم يأخذ عقابه لأنه حَدث (صغير السن)، ومع انتهاء الفترة كنت أتذكر شقيقي فتزداد حالتي النفسية سوءاً، وهذا ما دعاني لتناول العقاقير في تلك الفترة".وعن لحظة القبض عليه في الكمين، قال: "كان معي صديقة إنكليزية، وصرفها الضابط ومعها السائق، وأثناء التفتيش عثر على الأقراص المخدرة ولا أعلم من أين جاءت؟ وبدأ الضابط يغضب، حينما وجدني أرد عليه بشكل قاطع مطالباً منه تطبيق القانون والتعامل معنا على هذا الأساس، وحينما أخذنا اعتقدت أنه سيقوم بعمل محضر سب، لكنني فوجئت بهذا المحضر". واستطرد: "حينما أخطئ ليس لدي مشكلة في الاعتراف، ولكني لم أتناول الترامادول، وفي فترة من الفترات أدمنت الكحول، وتعافيت منه، والترامادول يؤخذ لعلاج آلام العظام والأعصاب، وقد تحملت القضية بمفردي، والسائق حينما ترك المكان لم يأت للشهادة، ولم أطلبه حتى لا يدخل شريكاً، وكنت معتقداً أن الأمر لن يأخذ هذا الحجم". انتهت اعترافات عزمي، بقوله: "تجربتي هذه رغم الألم الذي عشته وعايشته إلا أن المحنة التي كنت فيها جعلتني أعرف من هو العدو ومن الصديق، كما أنني تعلمت الصبر من هذه المحنة وكيف تقرب حواسك من بعض وقيمة كل لحظة نعيشها بحرية وأتمنى أن أتوجه بحياتي إلى الطريق الصحيح وترجع حياتي مثلما كانت وتعود لي أسرتي".