للمرحوم عبدالله حمد عبدالله الصقر جهود مع زملائه الإصلاحيين لا يمكن إنكارها، لذلك لا بد من توثيق هذه الجهود والإسهامات وتحليلها، والكتاب الذي بين أيدينا يقدم سيرته العامرة بالأنشطة والأحداث، ويتناولها من جوانب ثلاثة: التجارة، والسياسة، والثقافة.فللمرحوم عبدالله الصقر تأثير بالغ على مسيرة التعليم النظامي والممارسة السياسية في الكويت، وزرع فكرة الانتخابات والتمثيل الشعبي في المؤسسات خلال فترة مجلس الأمة التشريعي 1938- 1939.
وسلط المؤلف د. فيصل عادل الوزان في الكتاب، الذي طبع العام الماضي بإشراف مركز البحوث والدراسات الكويتية المتعلق بالسيرة الذاتية للمرحوم عبدالله الصقر، الضوء على نشاط الجناح الخليجي من شبكة منظمات ونوادي وجمعيات القوميين العرب في فترة الثلاثينيات والأربعينيات، والنشاط السياسي الكويتي في النصف الأول من القرن العشرين.واعتمد الكاتب في سيرة الصقر على المادة التاريخية التي تقدمها الوثائق الخاصة بأسرته، بالإضافة إلى المقابلات الشخصية التي أجريت مع أخويه عبدالعزيز وجاسم، ولفت إلى أن الحلقة المفقودة هي ما يتعلق بفترة الستينيات والسبعينيات، التي يبدو أن المرحوم تعرض فيها لوعكات صحية حالت دون خوضه مزيدا من الأنشطة.المؤلف جعل الكتاب في 3 فصول: الأول يتعلق بحياة عبدالله الصقر منذ النشأة إلى تولي الأعمال التجارية، والثاني عن دوره في القضايا العربية وحركة القوميين العرب، والثالث عن حياته خارج الكويت من 1939 إلى وفاته 1974.
واستعان المؤلف بصور الوثائق والأخبار والروايات الموثقة في الكتاب والمراجع التاريخية والعربية والأجنبية مما أعطاه قوة في التوثيق وصدقا في الرؤية، وفيما يلي تفصيل الحلقة التاسعة:كان الشيخ أحمد الجابر يفكر في تطبيق دستور مشابه لدستور شرق الأردن فطلب نسخة منه من الوكيل البريطاني، وبعد ذلك بفترة وجيزة كتب سموه مسودة دستور ثالث بعد أن رفض الثاني الآنف الذكر، وعرضه على الوكيل السياسي البريطاني في منتصف فبراير 1939 م، ووصفه البريطانيون بأنه معقول وكاف للكويتيين وملائم لهم، وكان الشيخ أحمد الجابر يفكر في تحويل المجلس إلى مجلس شورى بدلا من كونه تشريعيا ذا صفة تنفيذية، إلا أن النواب رفضوا. وفي هذه الأثناء كانت الصحافة العربية تشعل النار وتسخن الأجواء بين النواب والقيادة السياسية، وتضع الطرفين في موقف المواجهة. دافع الإنكليز عن الكويت بالوسائل الإعلامية ردا على العراقيين، فأوصى المقيم السياسي البريطاني الذي زار الكويت وزير خارجية شؤون الهند في لندن أن يتم شجب الحملة الإعلامية العراقية على الكويت وأميرها في محطة الـ"بي بي سي" البريطانية الناطقة بالعربية، وتوضيح أن هذه الحملة العراقية مغرضة، وأنها فاجأت وأحزنت إمارات الخليج والجزيرة العربية.قدم الوكيل السياسي البريطاني في الكويت رأيه فيما يتعلق بالحياة البرلمانية في دول الخليج قائلا: إن "الحكومة البرلمانية الديمقراطية، كما تعلم، تعمل بصعوبة في معظم الدول المتحضرة في الشرق، وستعمل بشكل أصعب في أماكن أقل تقدما كالكويت، وستكون فوضوية في أماكن أخرى أصغر في الخليج التي تحاول تقليد الكويت".نشرت جريدة السجل العراقية بتاريخ 10 مارس 1939 م نص مسودة الدستور الثالث الذي أعلنه الشيخ أحمد الجابر، ورغم وضعه تحت عنوان بذيء وتقديمه بمقالة حاقدة لا تعكس مضمون القوانين، فإن هذا التجني لا يمنع من تقديمه للقارئ الحصيف الذي يستطيع تمييز الجيد من الرديء، مع التنبيه إلى أننا لا نضمن عدم تزوير الجريدة أجزاء من النص.وفي الوثائق صور نشرت لهذا الدستور في جريدة السجل العراقية في 24 فبراير 1939، كما تضم الوثائق صورا لنصه بالإنكليزية التي كتبها كاتب الوكالة السياسية البريطانية وبعث بها ديجوري الى المقيم السياسي فاول ترنكرد وأتبعها بتقرير يخص رفض الأعضاء له.
حل المجلس
ومع استمرار حالة الاحتقان، وتمسك النواب بحيازة أكبر قدر من السلطة التشريعية والتنفيذية، قرر الأمير حل هذا المجلس بدورته الثانية، وترشيح أعضاء جدد لمجلس شورى، ولكنه لم يفعل ذلك مباشرة بل تمهل بضعة أيام إلى حين استشارة الأعيان، وسجل الوكيل السياسي امتعاض أهل القرى الكويتيين الساكنين خارج مدينة الكويت من المجلس، بسبب رفضهم إدخال منتجاتهم من الطماطم التي عُدّت فاسدة، وفي السابع من مارس 1939م حل الشيخ أحمد الجابر المجلس التشريعي دون أن تعقد أي جلسة، وأمر بتشكيل مجلس شورى.مجلس شورى بدلاً من مجلس تشريعي
قرر الشيخ أحمد الجابر أن ينشئ مجلسا يتكون من أفراد من الأسرة الحاكمة، ومن أعيان الكويت، كلهم معينون من قبله، اثنان منهم منتخبان في المجلس السابق، أما أسماء أعضاء هذا المجلس الثالث فهم:1- الشيخ عبدالله السالم الصباح، رئيساً.2- الشيخ سالم الحمود الصباح.3- الشيخ فهد السالم الصباح.4- الشيخ عبدالله الجابر الصباح.5- خالد الزيد الخالد.6- محمد بن شملان.7- عبدالرحمن سالم العبدالرزاق.8- ثنيان الغانم.9- مشاري الروضان.10- محمد الحمود الشايع.11- أحمد الحميضي.اجتمع المجلس في صباح الثاني عشر من مارس في منزل الشيخ عبدالله السالم بحضور الأمير، ثم تلقى الشيخ أحمد الجابر رسائل تهنئة من الملك عبدالعزيز بن سعود (برغم المقاطعة التجارية)، والشريف عبدالله أمير شرق الأردن، على تصديه لتلك الأخطار ونجاحه في إيقافها.وبعد حدوث هذه التغيرات السياسية، وتدهور العلاقة بين الأمير والنواب وقيام مظاهرات، اضطر الأمير إلى اتخاذ إجراءات أمنية لوقف تفاقم الأمور، فقبض على بعض الأشخاص، وقام آخرون بالخروج من الكويت.خرج عبدالله الصقر وتوجه إلى البصرة ومكث فيها منذ سنة 1939م إلى نحو سنة 1960م، حين غادرها إلى مصر ولم يعد الى الكويت، حتى بعد تولي الشيخ عبدالله السالم الحكم، أما الأعضاء الخمسة الذين قبض عليهم وسجنوا فقد مكثوا في السجن خمس سنوات (1939-1944م)وقد حاول عبدالعزيز بن سعود التوسط لإخراجهم من السجن، لكن طلبه رفض، وبعد انقضاء السنوات الخمس منح الشيخ أحمد الجابر عفوا عن معظم من هم خارج الكويت ليعودا إليها.ورجع أغلبيتهم الى الكويت وتصالحوا لاحقا مع الدولة، خصوصاً في فترة حكم الشيخ عبدالله السالم (1950-1965م) وتسنم كثير منهم أعلى المناصب القيادية والإدارية.رسالة من كاظم الصلح في بيروت إلى عبدالله الصقر في الكويت بتاريخ 27 يوليو 1938م
رأي كاظم الصلح في نشاط نواب مجلس 1938م
وفي رسالة وصلت إلى عبدالله الصقر من صديقه السياسي والدبلوماسي والبرلماني اللبناني كاظم الصلح، أحد أهم رموز القوميين العرب، وأحد مؤسسي جماعة الكتاب الأحمر، التي انتمى إليها عبدالله الصقر، قدم فيها نصائح تتعلق بالطريقة المثلى لممارسة السياسة في الكويت، وطريقة التعامل مع أميرها ومسؤوليها، وهذه النصائح- كما يوضح الصلح- خلاصة تجارب سياسيي الشام، وذلك بعد أن زار الكويت في بداية فترة مجلس 1938م، وشاهد مجريات الأمور بنفسه.ويبدو كاظم الصلح في هذه الرسالة منتقداً حماسة بعض الشبان الكويتيين التي أدت بهم إلى الاستهانة بالحكام وتجاوزهم، وينصح باحترام وتوقير الأمير ووزرائه، والاعتراف بسلطتهم، والتفاهم معهم دون إكراه على ما لا يريدون.كما احتوت الرسالة على مسألة مهمة جداً تتعلق بطلب كاظم الصلح من عبدالله الصقر أن يطرح قضية فلسطين في المجلس التشريعي رسمياً، وينقل للمجلس أن محمد علي علوبة باشا (رجل سياسة وقانون مصري 1875- 1956) دعا إلى عقد مؤتمر برلماني لمعالجة قضية فلسطين، وأنه لابد من تمثيل الكويت رسمياً، وإن كان ذلك صعباً بسبب الإنكليز أو معارضة الشيخ، فلابد من حضور عبدالله الصقر بصفة شخصية مع بعض رفاقه.وفيما يلي نص الرسالة:"بيروت في 27 تموز (يوليو) سنة 1938مأخي الكريم السيد عبدالله أعزك اللهلا يخطرنّ في بالك أننا لا نحفل بأخباركم، فالواقع أن الكويت وأخبارها وناسها هم في نفسي ونفس إخواني كالمشغلة المحلية تماماً، إذ إننا فوق عقيدتنا العامة التي تفرض علينا هذا الفرض، وقد أصبحنا بعد رحلتنا إليها نعنى بها العناء الكامل، نتتبع أخبارها في صحف العراق وغير العراق، ونسأل ممن يعرفها أو يعرف شيئاً عنها من الإخوان العراقيين، ومن حسن الصدف أنني منذ أسبوعين تقريبا حظيت هنا بصديقين كويتيين تعرفت إليهما في الرحلة فسررت بهما كما لو لقيت أخا جديداً، ثم جعلت أستفيض من أخباركم ما أمكن، وهما مصطافان في برمانا (لبنان).ومن أهم ما قرأنا في الصحف هذه الحركة التي نرجو أن تكون مباركة، وهي إقامة النظام النيابي في القطر الكويتي العزيز، ففوائد حركة عظيمة جليلة شرط أن يُحسن استثمارها للمصلحة العليا لا لمصالح شخصية أو حزبية.وأقول لك هذا قاصداً ما أقول، ففي كثير من البلدان، ولاسيما في الشرق، كان هذا النظام مع الأسف سبب عبث وهزء وتسخير لمصلحة الوطن تجاه الأفراد، لذلك أرجو- وقد ظفرتم بهذه الأمنية التي يتمناها كثير من الشعوب- ألا تقعوا في الأخطاء التي وقع فيها غيركم.وليكن همكم منها الإصلاح الحقيقي الشامل، والخدمة القومية الخالصة لا تقييد أمير أو قهر وزير، كما كنت لاحظت من اتجاهات بعض شبان الكويت وأنا مازلت على رأيي الذي ذكرته في الكويت؛ من أنه خير بكثير أن يجري الإصلاحُ بالتعاون والتفاهم مع الشيوخ من أن يجري بالرغم منهم وعلى كره منهم، وقد خبرنا نحن هنا الطريقتين، طريقة المقاومة، وطريقة المفاهمة، فوجدنا لكل واحدة نفعها وضررها، أما في الكويت فالمفاهمة أولى وأكثر ثمرة وأسرع نتاجاً.لذلك تراني هنا أقدم لك التهاني على توليك النيابة ولسائر إخوانك مثلها، وأؤكد لك أن سرورنا هنا كان عظيماً حين قرأنا خبر توليكم، لأنه فضلاً عما بيننا من روابط نعرف فيكم الكفاءة لخدمة قطركم، وخدمة سائر الأقطار العربية، وفقكم الله فيها وفي سائر أعمالكم الخاصة.وبعد أيها الأخ العزيز: علمتم ولا شك أن محمد علي علوبة باشا وجه دعوات إلى المجالس النيابية في العالم العربي كله، لعقد مؤتمر برلماني لمعالجة قضية فلسطين وأخبار هذا المؤتمر لا أتبسط فيها الآن، فلا شك أنكم تطلعون عليها في الصحف العربية، لذلك أقصد إلى الموضوع رأساً، وأقول لك إن مثل هذه الدعوة قد وجهت مجلسكم، فمما لا شك فيه أنكم ملبون هذه الدعوة، فمستحيل أن يقال إن الكويت بذلك تغضب الإنكليز، فحالها في ذلك حال مصر والعراق، وهما متعاقدان بمحالفات مع إنكلترا توجب عليهما عدم مقاومتها، ومع ذلك ترى أنهما تحملان عبء هذا المشروع أكثر مما تحمله سائر الدول العربية.ولنا رجاء حار أن يكون هذا العمل أول الأعمال الجليلة، التي يقوم بها مجلس الكويت، وبذلك يثبت وجوده بين سائر الأقطار العربية كأخ نبيل في تفريج هم الإخوة الأقربين، ويبرهن سمو الأمير برضاه عن هذا الاشتراك أنه الأخلق بتكريم الشعوب العربية ووفائها له.أرسل لك هذا الكتاب وأنا وسائر الإخوة نأمل أن تنهض بهذا العبء وحدك ولو تراخى به سائر زملائك، لا سمح الله، وأن فرض المستحيل واستنسبت السياسة العليا في الكويت أن يتمنع المجلس عن الاشتراك رسمياً، فلا بأس أن تشترك أنت شخصياً مع من تيسر من إخواننا وإخوانك في المجلس، ويمكن أن يكون هذا الشكل مقبولا، لأنه جرى مثله أو أفضل منه في لبنان، كما ترى في الصحف اللبنانية، وليست الكويت بأقل من لبنان في أي حال.ولا شك أن هذه فرصة ثمينة نراك بها مع سائر الإخوان إن مررت بسورية ولبنان إلى مصر في حالة الانعقاد في مصر، وإن عقد في سورية نراك هنا طويلاً.اكتب جوابك إليّ بعنواني البسيط وهو (بيروت: كاظم الصلح)، والرجاء أن يكون ذلك سريعاً... تحيتي إلى الإخوان جميعاً، أعزك الله ووفقك.كاظم الصلحورقة من ضمن ملف الوثائق البريطانية تخص الإنجازات التي قام بها مجلس الشورى الذي عين أعضاءه الشيخ أحمد الجابر بعد حله المجلس التشريعي في مارس 1939م.
من إنجازات المجلس التشريعي
من بين إنجازات المجلس إرسال بعثات دراسية لطلبة كويتيين إلى الخارج، كما ذكرنا في السابق، وهناك وثيقة عبارة عن رسالة أرسلت من بغداد على ورق شركة أحمد وحمود آل خالد في بغداد إلى عبدالله الصقر بتاريخ 19/1/1939م، وتتحدث عن ضرورة الإسراع في مغادرة الطلاب وفيما يلي نصها:"بغداد في 28 ذو القعدة 1357 (الموافق) 19/1/1939م إلى الكويتلحضرة الأكرم الأفخم الأخ المكرم عبدالله الحمد الصقر المحترمتحية وسلاما ملؤهما الود والإخلاص لشخصك الكريم، وإني لفي أشد العتب عليك لهذه المقاطعة التي لم تعودنا عليها، نعم قد يحول بينك وبين الكتابة هذه الأحداث الهوجاء التي لا زلنا على أحر من الجمر بانتظار ما تسفر عنه، والحقيقة أن ربعنا المعهودين "كلما دخلت أمة لعنت أختها" لم نجد بالسويداء رجالا كما سبق المثل، وعلى كل يجب أن ترجح عندنا كفة التفاؤل بفضل أبناء الأمة العاملين.كذلك أخي كتبت إلى الشيخ يوسف بخصوص البعثة يريدون قضاء العطلة الربيعية بالكويت، ومع الأسف ما أخذنا جواب بذلك، فأرجوكم أن تكلموا الشيخ يوسف بهذا الخصوص حتى ندفع لهم مصاريف السفر، ويتوجهوا لأن هنا مناسبة، وهي عزم فريق من طلاب المدرسة القيام بسفرة إلى الكويت.وأرجو السرعة بالجواب، لأن الوقت مضايق، ولم يتبق على العيد إلا بضعة أيام، هذا وفي الختام عليكم مني ألف تحية وسلام.المخلص (توقيع....)* جامعة الكويت - قسم التاريخافتتاحية جريدة السجل العراقية المنشورة في 24/2/1939م
العدساني: عبدالله الصقر غيور على نهضة الكويت
وصف خالد سليمان العدساني صديقه عبدالله الصقر في مذكراته قائلا: "عميد بيت الصقر من آل الزايد، أعرق عائلات الكويت وأبرزها جاها وغنى، وكان على درجة حسنة من التثقيف والمعرفة، يتوقد غيرة ونشاطا في سبيل إنهاض الكويت ورفعها الى مستوى البلدان الناهضة، وقد استطاع هذا الشاب أن يجعل من نفسه، رغم حداثة سنه واشتغاله بشؤون الكويت العامة، محورا للقضية الوطنية وصوتها المسموع، وذلك لما توفر فيه من مؤهلات الزعامة حينذاك مع النزاهة والتجرد.الصقر في جريدة السجل العراقية
كانت جريدة السجل العراقية من أكثر الجرائد العراقية تناولاً لقضية مجلس الأمة التشريعي سنة 1938-1939م، حيث كان لها مراسلون في الكويت، وكان يكتب فيها بعض الكويتيين من النواب أو المؤيدين لهذه الحركة.