حكاية المطربة حبيبة محمد سعيد سالم، بدأت بمولدها في 28 سبتمبر 1976 بمحافظة الجيزة، وقبل بلوغها العشرين طرقت أبواب الفن، وشاركت في العديد من الأفلام والمسرحيات، منها "شباب تيك أواي"، و"رجل مهم جداً"، و"سلام مربع للستات"، و"كان يوم حبك"، و"بهلول في اسطنبول"، وظلت حبيسة أدوار ثانوية، وتطمح إلى الشهرة والنجومية.تنقلت حبيبة بين كواليس السينما والمسرح، وأثناء مشاركتها في مسرحية "بهلول في اسطنبول" تعرفت على زوجها عطا الله جعفر لأول مرة، وفوجئت به يرغب في التحدث معها، ويريد الزواج منها، وتأكدت من صدق مشاعره، وبعدها قررت الزواج منه شريطة أن يكون زواجاً سرياً لا يعلم به أحد غير أسرتها، وذكرت أن والده كان يعلم بهذه الزيجة وكان أول المهنئين.
تفاصيل أخرى عن زواجها العرفي، ذكرتها حبيبة في لقاء تلفزيوني مع الإعلامية هالة سرحان، وقالت إن أسرتها وجيرانها وأهل المجني عليه، كانوا يعلمون بزواجها، وتأخر التوثيق لأن زواج المصرية من أجنبي لا يتم على يد المأذون مباشرة، وفي البداية يقوم المحامي بتوثيق أوراق رسمية، بعدها يأتي دور المأذون، وأن زوجها كان بصدد إنهاء هذه الإجراءات، ولكن القدر لم يمهله. وأن حياتها معه كانت مستقرة، باستثناء الخلافات البسيطة التي تحدث بين الأزواج، مثل اعتراضه على تأخرها في العودة للمنزل، بحكم عملها كفنانة.
آلام سجينة
ذكرت حبيبة لحظات القبض عليها بعد وقوع الجريمة، بقولها: "كنت أفطر أول يوم من شهر رمضان مع بعض صديقاتي في ستوديو تصوير، وفوجئت بالشرطة على الباب، وأخبروني أنهم يريدونني في كلمتين وهاترجعي تاني، وأخدوني متغمية عشان ماعرفش مكاني، كل ده وأنا ماعرفش أخدوني ليه، وماكنتش أعرف إن زوجي قُتل، أول ما فتحت عيني وجدت نفسي على كرسي بثلاثة أرجل ومقيدة، ورأيت حولي عددا كبيرا من الرجال، وتخلل التحقيق معي شتائم وإهانات".تابعت حبيبة: "سألوني إنت قتلتي زوجك ليه؟ قلت لهم أكيد هناك شيء خطأ، لأني كنت أفطر وسأذهب لتصوير مسلسل "السيرة الهلالية" مع الأستاذ مجدي أبوعميرة، وحين قلت جايبني هنا ليه؟، تلقيت الضرب والإهانات، وكان يوجد رجل ضخم جداً، شالني فوق ورزعني في الأرض بقوة ومن غير رحمة، الإحساس وقتها بيبقى صعب جداً ولا يقدر يحسه غير الذي عاشه، وهددوني بهتك العرض، وهذا جعلني أعترف بجريمة لم أرتكبها، وقلت لهم اكتبوا ما تريدون بشرط ألا ينفذوا تهديدهم، وحينئذ قلت على الأقل أموت بكرامة وأموت مظلومة".وتابعت حبيبة: "دافعت عن نفسي كثيراً دون فائدة وبكل أسف حدثت أشياء كثيرة لا داع لذكرها طوال هذه الأيام الأربعة والكلابشات (الأصفاد الحديدية) في يدي في كرسي بجوار مخبر ولا أستطيع حتى الراحة ووصلت لمرحلة الانهيار الكامل، وبعد أن أخذت 45 يوماً حبساً على ذمة القضية عملت إعادة تحقيق أكدت فيه أنني أُكرهت على الاعتراف، وأثبتُ في إعادة التحقيق ما حدث معي، واستندت إلى تقرير الطب الشرعي، لكن لم يؤخذ به، وبعدها بشهر ذهبت إلى المحكمة ولم ينتظروا حتى دفاع المحامي، لدرجة أنه لم يستطع الترافع ليأتي الحكم في القضية بسجني عشر سنوات، وحتى النقض في الحكم جاءني متأخراً بعد أربع سنوات، والشق المستعجل تم رفضه لوقف التنفيذ".وعن أيام في السجن، قالت: "قضيتها في عذاب أليم، وانتظار لكلمة الحق، وكان دعائي إلى الله أن يظهر الحق... وفي الفترة الأولى لي في السجن أصبت بانهيار، ولا أكلم أحداً أو أرى أحداً أيضاً، وكانت حالتي صعبة جداً... حتى أمر مأمور السجن بذهابي للكشف الطبي وكانت حالتي صعبة جداً، بعدها بدأت أشعر بالهدوء النسبي قليلاً، بالإضافة إلى أنه أصبح أمراً واقعاً ولا جدال فيه".
رسالة مسجلة
وذكرت حبيبة أن آخر اتصال بزوجها كان أوائل شهر ديسمبر عام 1998، وقبل حلول شهر رمضان بأيام ووقتئذ قال لها: "قد أسافر لقضاء شهر رمضان في قطر وسأقوم بالاتصال بك"، وظلت تتصل به عبر الهاتف، وتتلقى رسالة مسجلة على جهاز "الأنسر ماشين"، وبعد أيام أصيبت بالذهول عندما سمعت خبر مقتل زوجها، ورغم أن زواجها منه لم يتعد 4 أشهر، فإنها لم تعرف عنه كل شيء، وكانت علاقته طيبة، وليس له أعداء أو خصوم. ولم تجد سبباً واحداً كي يموت بهذه البشاعة.وتتذكر حبيبة أيامها الصعبة داخل سجن القناطر، بقولها: "هناك من صدقني داخل أسوار السجن، وهم قلة، إلا أن الكثيرين لم يصدقونني نظراً لاعترافي بارتكاب الجريمة، فهم لم يستوعبوا أنني وقعت على الاعتراف لكي أحمي نفسي وكرامتي وشرفي وشرف أهلي من الضابط الذي عذبني مدة ثمانية أيام شاهدت فيها العذاب بكل أشكاله، وكان من الممكن أن أصمد وأتحمل هذا التعذيب النفسي والمعنوي وجرح الكرامة، إلا أنهم هددوا بتعذيب أمي وأختي وجدتي، فاعترفت بكل شيء يريده الضابط إلى درجة أنه كان يذهب معي للنيابة، خوفاً من أن أغيّر أقوالي".وعن أقسى لحظاتها في السجن قالت: "حصل زلزال وأنا في السجن، والناس كلها بدأت تبكي من الخوف. واحدة ماتت من الخوف داخل العنبر، أخدنا ننادي لينقذها أحد، حتى السجانات كان مقفولاً عليهن وليس معهن مفتاح. أيضاً كان من الصعب جداً أن أرى أهلي لأكثر من الدقيقة. كلمة خلاص الزيارة انتهت ترن في أذني. تبقى أمي وحشاني ومحتاجة أجلس معها لكن لا أستطيع، كانت (رحمها الله) تبكي دائماً، وكانت تعلم أنني مظلومة". وعن إحساسها بعد الحكم ببراءتها وتعويضها مالياً، قالت: "الفلوس لا تعوِّض يوماً من كرامة الإنسان التي ضاعت داخل السجن، الإهانة لا تساوي المال، وإلا ما كنت اعترفت على نفسي وكنت ذاهبة لحبل المشنقة بقدمي، اعترفت طبعاً تحت التعذيب، وقبل ذهابي إلى النيابة كانوا يحضرون لي كوافير وخبير ماكياج، لإخفاء آثار التعذيب". وقالت حبيبة: "مازلت أتذكر كل تفاصيل ما حدث معي، فالتعذيب داخل قسم الشرطة لم يكن أحد يتدخل لوقفه، عشت أسوأ أيام حياتي مدة 8 أيام متواصلة، لدرجة جعلتني غير قادرة على الإحساس بالحياة وأتمنى الموت، ويكفي أن أسرة زوجي في قطر أبلغت الرئاسة المصرية بشكل رسمي أنه لا يُعقل أن أكون المتهمة بقتله، خصوصا أنه تلقى 30 طعنة".وكانت الشرطة قد عثرت على زوجها مقتولاً في غرفة نومه بشقته في حي الهرم بالجيزة، واكتشفت الجثة بعد مرور 12 يوماً على الجريمة، عندما أبلغ الجيران عن انبعاث رائحة كريهة من شقة المجني عليه، وحاصرها الاتهام بقتله، واعترفت بالجريمة تحت تأثير الإكراه ـ حسب قولها، نتيجة للتعذيب الذي لاقته من قبل ضابط المباحث، وأنها تعرضت للسب ولكل أنواع الشتائم والإهانات وركلها بالأيدي والأرجل وضربها العصي والخراطيم وتهديدها بهتك العِرض.قضية القرن
واتجهت الأضواء إلى الممثلة المغمورة، وتلاحقت ومضات آلات التصوير على وجهها وثوبها الأبيض في قفص الاتهام بمحكمة جنايات الجيزة، وقيدت الدعوى برقم 6849 لسنة 1999 جنايات الهرم، وقضت بمعاقبتها بالسجن 10 سنوات مع الشغل، وبعد قضائها 5 سنوات في السجون، فوجئت في عام 2003 بالقبض على المتهمين الحقيقيين أثناء بيعهم ساعة ذهبية كانت خاصة بزوجها، وتم الإفراج عن حبيبة. وتحول مسار القضية في 17 أبريل 2004، عندما قضت محكمة النقض بإلغاء حكم محكمة جنايات الجيزة بمعاقبتها بالأشغال الشاقة مدة 10 سنوات، بعد أن أمضت في الحبس 5 سنوات، وقامت محكمة جنايات الجيزة في مايو 2005 بإعادة محاكمتها ومحاكمة رئيس مباحث الهرم الأسبق بتهمة تعذيب الممثلة لإجبارها على الاعتراف بقتل زوجها.وأثناء إحدى جلسات المحاكمة، في يناير 2006، تسلمت هيئة المحكمة، خطاباً من مساعد وزير الداخلية، آنذاك، لقطاع الشؤون القانونية، جاء به أنه بالتنسيق مع الإدارة العامة لشؤون الضباط، وبالرجوع للسجلات الإدارية تبين عدم سابقة اتهام الضابط، في أي جرائم تعذيب من قبل، وقدمت النيابة صورة ضوئية من ملف خدمته وأفاد بنفس ما جاء في الخطاب الأول.وبعد ثلاث سنوات من إجراءات إعادة المحاكمة، تمت تبرئتها مرة أخرى، وتمت إدانة ومعاقبة 6 متهمين بالسجن المشدد ما بين 10 إلى 15 عاماً، وفي مطلع أكتوبر 2012، قضت محكمة استئناف القاهرة، بإلزام وزارة الداخلية بدفع مبلغ قدره مليون جنيه، تعويضاً عن تعذيب الفنانة حبيبة، وعن كل الأضرار المادية والأدبية التي تعرضت لها، بينما أكد محام حقوقي وقتئذ أن هذا الحكم يعد أكبر مبلغ تعويض يصدره القضاء المصري في قضية تعذيب، واصفاً القضية بأنها قضية "تعذيب القرن".وقالت المحكمة إنها أطمأنت إلى ثبوت ارتكاب رئيس المباحث لجناية التعذيب ضد المدعية بالحق المدني "حبيبة" لحملها على الاعتراف بقتل عطا الله جعفر، وبتوافر أركانها المادية والمعنوية في حقه، والتفتت المحكمة عن جميع دفوعه لقيامها على افتراضات وتصورات تخالف التصور الذي اعتنقته المحكمة واطمأنت إليه من أدلة الدعوى، ورأت المحكمة أنه إن كانت الجريمة التي اقترفها المتهم، رأى المُشرع في خطورتها ما يستوجب وضعها في عداد الجنايات، ومعاقبة مرتكبيها بالسجن الذي يصل إلى 10 سنوات، إلا أن المحكمة ترى النزول بهذه العقوبة إلى عقوبة الحبس سنة مع إيقاف تنفيذها لاعتبارات ارتاحت إليها المحكمة من واقع مطالعتها لملف خدمة المتهم، وبأنه لن يعود إلى ما ارتكبه ثانية، واضعة في اعتبارها ما عاناه أثناء إجراءات التحقيق والمحاكمة، خصوصا أنها لم تأمر بإيقاف تنفيذ عقوبة العزل من وظيفته، مراعية أن في تلك العقوبة جزاءً لما ارتكبه.وترجع تفاصيل قضية الضابط المتهم، عندما أقامت "حبيبة" دعوى تعويض ضد المذكور ووزير الداخلية بصفته، لتعويضها عما أصابها من أضرار نتيجة تعذيبها وقضائها 5 سنوات مسجونة بتهمة قتل زوجها واعترفت بالجريمة، نتيجة للتعذيب الذي لاقته من قِبل ضابط المباحث، وقضت محكمة أول درجة لصالحها بالتعويض بمبلغ 150 ألف جنيه، واستأنفت حبيبة هذا الحكم وقيد تحت رقم 3751 لسنة 129 قضائية الدائرة (4) تعويضات، والتي قضت بتعويضها بمبلغ قدره مليون جنيه.اضطربت مشاعر حبيبة بين الفرح والحزن، وأقرت أن الحكم لمصلحتها بمليون جنيه يعدّ الأعلى في تاريخ القضاء المصري في قضايا تعذيب، ولكن المبلغ في حد ذاته إذا كان كبيراً في نظر الناس، إلا أنه لا يعوض ولو جزءاً بسيطاً عما تعرضت له من تعذيب وإهانة داخل أسوار السجن طوال 5 سنوات كاملة عقاباً على جريمة لم ترتكبها.فيلم سينمائي
شاركت حبيبة في عدة أعمال بعد خروجها من السجن أهمها فيلم "كان يوم حبك" بطولة داليا البحيري، وخالد سليم، وإخراج إيهاب لمعي، لكن وبقلب موجوع بذكريات أليمة، فكرت المتهمة المظلومة أن تجسد قصة معاناتها في شريط سينمائي، وفكرت أن تكتبها بنفسها، لأنها عاشت التجربة كاملة، ومازالت تفاصيها عالقة برأسها، ولا تفارق مخيلتها، حتى بعد حصولها على البراءة والتعويض المالي، وبالفعل شرعت تكتب، وركزت في سردها على وقائع الأيام الثمانية، وتعرضها للإهانة والتعذيب أثناء توقيفها في قضية مقتل زوجها، وتحمس أحد المنتجين لتحويل "قصة حبيبة" إلى فيلم سينمائي، ومازات تنتظر خروجه إلى النور.