حرية الاختيار لدى الإنسان
"وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ". (هود، 118، 119). يتميز الإنسان عن سائر المخلوقات بالعقل، ففي حين تسير الظواهر الطبيعية كالشمس والقمر والنجوم وفق مسار حدد لها منذ آلاف السنين لا تخرج عنه ولا تحيد، وكذلك الحيوانات البرية منها والأليفة والطيور لم تتغير طبيعتها عبر القرون، وقد يستطيع الإنسان أن يختار من تلك المخلوقات ويربيها ليغير قليلا من سلوكها لخدمة بعض أغراضه. الإنسان وحده من بين المخلوقات القادر على التطور والإبداع، فمن يتتبع تطور الثقافة البشرية عبر العصور سيدرك ذلك بكل سهولة، ونظرا لهذه القدرات الهائلة لدى الإنسان أمر الله الملائكة بالسجود لهذا المخلوق، وتقديم التحية احتفالا بقدومه، كما تفيد المرويات الدينية، فقد فضله الله على كثير من المخلوقات، "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً". (الإسراء 70).الإنسان خلق ليكون خليفة لله في هذه الأرض ليعمرها ويطورها بما يملك من قدرات هائلة، أما وجوده في الجنة فكان مؤقتا لحكمة أراد الله بها أن يختبر إرادة الإنسان عندما حرم عليه شجرة لا يأكل منها، فلما أكل منها وخالف أمر ربه أنزله إلى الأرض، ومن هنا بدأ قانون الثواب والعقاب، سواء بالشريعة أم بالقوانين الوضعية، وكذلك قوانين الحياة والطبيعة، فالإنسان بعقله قادر على أن يميز بين الصح والخطأ والخير والشر، وله حرية الاختيار، وعليه أن يتحمل عواقب اختياره، فإن اختار طريق الشر فغالبا ما ينتهي به إلى الهلاك والدمار.
وما ينطبق على الفرد غالبا ما ينطبق على الدول، فالطبقة الحاكمة في الدولة بمثابة العقل المفكر لها، فإذا كانت عاقلة ورشيدة قادت شعبها إلى الخير والرفاهية، أما إذا كانت جاهلة وشريرة قادته إلى الهلاك والدمار، وخير مثال على ذلك نظام الملالي في طهران. كانت إيران مرشحة قبل مجيء هذا النظام أن تصبح سويسرا الشرق بما تملك من ثروات مالية وطبيعية وشعب حيوي ونشيط وقادر على العمل، ولكن منذ مجيء هذا النطام وإيمانه بخرافة عودة الإمبراطورية الفارسية في عصر سقطت فيه الإمبراطوريات، وإنفاقه أموال الشعب الإيراني وإهداره دمه جريا وراء سراب لن يصل إليه. لذا فإن من يزور إيران لن يجد فيها مشروعا حيويا ذا قيمة بعد سقوط نظام الشاه، وقد ينطبق هذا على الدول التي تتحكم فيها الميليشيات التي صنعها نظام الملالي، فالعراق من أغنى الدول العربية، ولكن تحكم الميليشيا الموالية لنظام طهران والتي يطلق عليها ثوار العراق الذيول الإيرنية أكثرت فيه الفساد ونهبت ثرواته، وكذلك لبنان الذي كان مثلا في التقدم الاقتصادي والثقافي، أصيب بالتدهور منذ بدأ نصر الله يتحكم في مصيره.