ارتاد محمود عبدالعزيز آفاقاً فنية غير مسبوقة، وخلال فترة السبعينيات قام ببطولة 25 فيلماً سينمائياً، أغلبها يدور حول طموحات الشباب والحب والمغامرات، وتجاوز مرحلة الانتشار إلى انتقاء أعماله السينمائية، ورغم رفضه الكثير من السيناريوهات، فإن حقبة الثمانينيات كانت الفترة الذهبية بالنسبة إليه، وقدم خلالها أكثر من 60 فيلماً سينمائياً، وتضاءل الكم تدريجياً في التسعينيات وما بعدها لأسباب عديدة منها تعثّر الإنتاج السينمائي، وظهور نوعية من الأفلام التجارية «سينما المقاولات» وهجرة بعض النجوم وكبار المخرجين إلى المسلسلات التلفزيونية.

وفي ذلك الوقت، شارك الساحر مع كثير من النجوم في «بطولات جماعية»، ومنهم أحمد زكي ونور الشريف وحسين فهمي ومحمود ياسين وفاروق الفيشاوي ويحيى الفخراني، وجمعته بزملائه منافسة شريفة في سياق فني، وتقديم أفضل الأعمال للمشاهد، بما ينفي وجود خصومة مع بعضهم، لا سيما الفتى الوسيم حسين فهمي الذي التقى به في أعمال كثيرة مثل «العار» و»وداعاً للعذاب» و»نصف أرنب».

Ad

وفي ذروة المد السينمائي، تعامل الساحر مع كوكبة من المخرجين، منهم هنري بركات وحسن الإمام وكمال عطية وعاطف سالم، ومحمد خان وعلي عبدالخالق وغيرهم، والتقى نجمات من أجيال مختلفة، منهن الفنانة الكبيرة شادية والسندريلا سعاد حسنى ونبيلة عبيد ونجلاء فتحي وميرفت أمين ونادية الجندي ويسرا وإلهام شاهين ومعالي زايد ونورا وهالة صدقي وغيرهن.

وكرّس محمود عبدالعزيز جلّ حياته لفنه، وحاول البعض اقتحام حياته الخاصة، فلم يجد سوى أبواب موصدة، وبدا مُقِلاً في ظهوره الإعلامي، ويتحدث فقط عن أعماله، وطموحاته الفنية، وعشقة للمغامرة والتجريب، وارتداء أقنعة كثيرة، وعدم تجسيد أدوار متشابهة، وشاركه هذا التمرد مجموعة من كتاب السيناريو والمخرجين منهم رأفت الميهي ووحيد حامد ومصطفى محرم.

«مبروك جالك ولد»

وقبل انحسار المد السينمائي، قدّم الساحر 3 أفلام في عام 1981، وهي «أنا في عينيه» المأخوذ عن قصة للأديبة سلمى شلاش وسيناريو أحمد صالح وإخراج سعد عرفة، وشارك في بطولته النجمة نجلاء فتحي وتحية كاريوكا وحسن مصطفى، ودارت أحداثه حول فتاة فقيرة تُدعى آمال تصاب في حادث سيارة يقودها الشاب الثري العابث عادل، الذي يشعر بالذنب، ويتكفل بعلاجها، وتتبدل حياتهما تماماً.

وفي العام ذاته التقى الساحر نجلاء فتحي وحسين فهمي وسمير حسني في فيلم «وداعاً للعذاب» من إخراج أحمد يحيى، وتأليف السيناريست علي الزرقاني الذي أراد استثمار نجاح فيلمه السابق «أيامنا الحلوة» للمخرج حلمي حليم، لكن في نسخة ملونة، ووضع أبطال فيلمه الثاني في اختبار صعب مع فاتن حمامة وعمر الشريف وعبدالحليم حافظ وأحمد رمزي وزينات صدقي.

ودارت أحداث «وداعاً للعذاب» في أجواء ميلودرامية ولعب محمود عبدالعزيز دور عصام، الذي جسّده عبدالحليم حافظ، بينما قام حسين فهمي بدور نور، الذي لعبه عمر الشريف، وقامت نجلاء فتحي بدور ليلى، الفتاة اليتيمة التي تقطن في حجرة بمنزل في حي شعبي، وتصاب بمرض خطير يتطلب إجراء جراحة عاجلة.

وغادر الساحر أجواء الميلودراما إلى المسلسل التلفزيوني الكوميدي «مبروك جالك ولد» تأليف لينين الرملي وإخراج فهمي عبدالحميد، وشارك في بطولته نيللي ومحمود المليجي وسعيد عبدالغني ونعيمة وصفي، وتدور القصة في إطار دراما اجتماعية، حول زوجة لا تنجب (نيللي)، ويسافر زوجها محمود (محمود عبدالعزيز) للعمل في الخارج، وتكتشف أن لديه طفلا من زوجته الأولى، وتتصاعد الأحداث.

نص أرنب

وسجل «صانع البهجة» رقماً سينمائياً مضاعفاً في عام 1982، وقام ببطولة «الخبز المر» مع النجم الكبير فريد شوقي وشريهان وشويكار والمخرج أشرف فهمي، وقدّم مع النجم نور الشريف وسهير رمزي ومحيي إسماعيل «إعدام طالب ثانوي» للمخرج أحمد فؤاد درويش، وقام بدور المحقق، ثم فيلم «المعتوه» إخراج كمال عطية، وشارك في البطولة عفاف شعيب وجورج سيدهم ومجدي وهبة.

وفي العام نفسه جمع مخرج الروائع حسن الإمام بين الساحر والنجم حسين فهمي والنجمة سهير رمزي في فيلم «ليال»، الذي كتب السيناريو له فيصل ندا، وتدور قصته في أجواء درامية غنائية.

وبدأ في عام 1983، يبحث عن أفكار ذات صبغة اجتماعية، وتنتقد السلبيات وظواهر الانحراف، والتقى النجم محمود ياسين والمخرج علي عبدالخالق في فيلم «السادة المرتشون»، وشارك في البطولة نجوى إبراهيم ومريم فخرالدين ونجم الكوميديا سعيد صالح، وتأليف مصطفى محرم، ولعب محمود عبدالعزيز دور «الضابط فتحي» الذي يرغب في الزواج من ابنة عمه المحامية آمال (نجوى إبراهيم)، وجسَّد محمود ياسين شخصية الموظف البسيط «محمود»، وتدور الأحداث في إطار تشويقي حول الصراع بين الخير والشر.

واستطاع المخرج محمد خان أن يجمع الساحر والنجم يحيى الفخراني في فيلم «نص أرنب»، وشارك في بطولته هالة صدقي وسعيد صالح وتوفيق الدقن وفريدة سيف النصر، ويتناول الفيلم حكاية سراج، الذي يصرف شيكا بمبلغ نصف مليون جنيه من البنك لشركة المقاولات، ومعه صديقته كوثر، ويطمع الموظف يوسف (محمود عبدالعزيز) والنشال رفاعي (سعيد صالح) في الاستيلاء على الحقيبة التي بها المبلغ، وينجحان في اختطافها، ويفرّان إلى مكان مهجور، لكنّهما يكتشفان خلو الحقيبة من النقود، وتتصاعد الأحداث في إطار كوميدي.

وتجدد لقاء الساحر والنجم حسين فهمي في فيلم «مملكة الهلوسة» تأليف أحمد الخطيب» وإخراج محمد عبدالعزيز، وتدور أحداث الفيلم حول تاجر المخدرات المعلم قدورة (حسن عابدين)، ويتعقبه الضابط كامل (محمود عبدالعزيز) المكلف متابعة قضيته وضبطه متلبساً بجريمته، ويحاول أن يجنّد الأخوين مرسي وحسنين (حسين فهمي وسعيد صالح) اللذين يعملان في الميناء بنقل البضائع لمساعدته في الإيقاع به، كما يستعين بفاطمة (ماجدة الخطيب) لرغبتها في الانتقام من المعلّم قدورة لتورطه في مقتل أخيها.

درب الهوى

والتقى الساحر النجمة نبيلة عبيد والمخرج حسين كمال في فيلم «العذراء والشعر الأبيض» عن قصة للأديب الكبير إحسان عبدالقدوس وسيناريو كوثر هيكل، ويطرح قضية العنف الأسري من خلال الزوجة دولت (نبيلة عبيد) التي يطلّقها زوجها لعدم قدرتها على الإنجاب، ثم تتعرف على الشاب الفقير مدحت (محمود عبدالعزيز) الذي يسكن بعمارة والدتها، وتنشأ بينهما قصة حب تنتهي بزواجهما، وتساعده دولت حتى يصبح من كبار رجال الأعمال، ويقررا تبني طفلة تُدعى بثينة (شريهان)، وتتوالى الأحداث.

وعن ذكريات الفيلم، ذكر المخرج الراحل حسين كمال، أنه استقر على إسناد دور مدحت للفنان محمود عبدالعزيز، وأن الفنانة الكبيرة شادية كانت المرشحة الأولى لبطولة «العذراء والشعر الأبيض»، لكنها تركت الفيلم من دون أسباب، رغم تحمّسها للقصة، واستطاع بعدها أن يقنع الفنانة نبيلة عبيد بتقديم هذا الدور، وكان مغامرة منها أن تجسّد دور أم لفتاة كبيرة وهي في سن الشباب».

واختتم الساحر أعماله في عام 1983، بصدام مع الرقابة على المصنفات الفنية، عندما شارك في بطولة فيلم «درب الهوى» للمخرج حسام الدين مصطفى، وأثار ضجة كبيرة حول مشاهده الجريئة، مما أدى إلى منعه من العرض في دور السينما، وضم هذا الشريط السينمائي كوكبة من النجوم منهم أحمد زكي ويسرا وفاروق الفيشاوي ومديحة كامل وحسن عابدين، ودارت أحداثه في فترة الأربعينيات من القرن الماضي.

وتوالت ردود الفعل حول مضمون الفيلم، وشخصية القوّاد التي جسّدها محمود عبدالعزيز، ومنع «درب الهوى» من العرض والتداول كشريط فيديو، مما دفع المخرج حسام الدين مصطفى إلى تحريك دعوى قضائية، وبعد ثمانية أعوام صدر الحكم بعرض الفيلم في 26 يناير عام 1991، لكنه لم يحظ بإقبال جماهيري كبير.

نجمة الجماهير تتذكر أول لقاء في «الدوامة»

قبل رحيل الفنان محمود عبدالعزيز بأيام قليلة، نشرت الفنانة نادية الجندي عبر موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» صورة أرشيفية تجمعها بالساحر، وكتبت نجمة الجماهير: «أتمنى الشفاء العاجل ودوام الصحة والعافية للنجم الكبير والصديق الغالي والأخ محمود عبدالعزيز، اشتركنا معا في البدايات في مسلسل الدوامة، وعملنا معاً فيلم وكالة البلح، وتمرّ هذه السنوات ولم يجمعنا سوى كل خير وصداقة واحترام، فنان بمعنى الكلمة، صادق ومخلص في شغله ولن يتكرر، قدّم أهم الأعمال في تاريخ السينما المصرية والعربية، كل يوم أدعو له في صلاتي، ربنا يكمل شفاءه على خير، ويدي له (يعطيه) الصحة وطول العمر، ويمتعنا بفنه الجميل الرائع المحترم ويخليه لكل أحبابه وأهله وجمهوره».

وكان الساحر قد التقى نجمة الجماهير للمرة الأولى في بداية مشواره الفني، حين شارك معها في مسلسل «الدوامة» عام 1973، وتباعد بينهما اللقاء حتى عام 1982، وجمعهما المخرج حسام الدين مصطفى في فيلم «وكالة البلح» وشاركهما البطولة النجم محمود ياسين، وتدور قصة الفيلم حول المعلمة نعمة الله (نادية الجندي) التي تسيطر على التجارة في منطقة «وكالة البلح» بوسط القاهرة، وتتعرف على الشاب الفقير عبدالله (محمود ياسين) وتتزوجه، وتجعله المسؤول عن تجارتها، وجسّد محمود عبدالعزيز شخصية «عبدون» المركّبة، وبظهوره تنقلب الأحداث رأساً على عقب.

مطرب في «الكيف» و«الكيت كات»

تحدث النجم محمود عبدالعزيز عن تجربته في الغناء عبر شاشة السينما، وقال في مقابلة صحافية: «لم أفكر يوماً أن أصبح مطرباً، أنا فقط مستمع جيد، وقد أكون مؤدياً جيداً وأعشق الغناء الأصيل، ومن هنا اندهش الجميع لأدائي مجموعة الأغنيات الهابطة في فيلم (العار) مثل (يا حلو بانت لِبتك، والكيمي كيمي كا، وآه يا قفا)، كما أن العبارات التي رددتها مثل (بحبك يا سكموني مهما الناس لاموني) نالت شعبية كبيرة، ولا يزال الكثيرون يرددونها حتى اليوم».

والمثير أن عبدالعزيز اتخذ إجراءات قانونية، بعد صدور أغاني «الكيف» في ألبوم غنائي، وقال: «بالطبع حزنت بشدة لهذا التصرف الذي اتخذته الشركة المنتجة ولم أكن سعيداً بأي حال من الأحوال، وبعض شركات الدعاية الخاصة بالموبايل، قامت بأخذ جمل وعبارات شهيرة لي، وأطلقتها في الدعاية لها، واتخذت إجراءات قانونية ضدهم، لأنهم فعلوا هذا من دون الحصول على موافقتي، وحتى لو فعلوا ذلك، ما كنت وافقت على الإطلاق».

وعن غنائه في فيلم «الكيت كات» قال: «أنا أعتز بشدة بهذا الفيلم، لأن قصته حقيقية ومأخوذة عن رواية (مالك الحزين) للكاتب الكبير إبراهيم أصلان، وشخصية الشيخ حسني الكفيف التي قدّمتها هي شخصية حقيقية ومعروفة تماماً في حي الكيت كات وإمبابة (منطقتان شعبيتان في القاهرة) ومشهورة بالغناء، ورغم هذا لم يكن في مخيلتي الغناء حتى زارنا الموسيقار إبراهيم رجب أثناء تصوير الفيلم في استديو جلال، ورحنا نستعيد ذكريات سهراتنا معاً، أنا وهو وسعاد حسني وصلاح جاهين، فكنا ندندن ونغني على العود (درجن... درجن) ورحنا نرددها معاً، فجنّ جنون داود عبدالسيد مخرج الفيلم، وأصر على أن أقدّمها في سياق العمل».