هل يصلح "كورونا" ما أفسده الزمن؟ وهل تؤدي هذه الأزمة القاتلة إلى تغير في التفكير والمنهج للقادم من السنين؟

في الأزمات ترتفع أصوات الإصلاح القادم، وتتزايد الوعود بأنه لا عودة للوضع السابق، إلا أن ما يحدث عادة هو العكس.

Ad

فهل تعلمنا دروساً أو درساً واحداً من أخطر أزمة مرت علينا، وهي غزو ١٩٩٠؟ فقد أظهر "كورونا" خطورة اختلالات التركيبة السكانية على السطح، حيث يتضح أن الخطط الحكومية المتعاقبة استهدفت تحقيق توازن سكاني بنسبة ٥٠%، إلا أن ذلك لم يتحقق إلا بالغزو. فما إن تحررت البلاد، حتى تم منح آلاف الفيز، لعدد من المتنفذين، ليغرقوا البلد بعمالة هامشية، ويتركوها سائبة، كما قامت شركات متعاقدة مع الحكومة بجلب الآلاف من العاملين الزائدين عن حاجة العقود وقذفهم بالشارع، كما نشطت شبكات شركات أصغر لغرض جلب العمالة السائبة فقط، وترتب على ذلك فقدان سريع للتوازن السكاني، وبفعل فاعل أصبحت التركيبة السكانية أسوأ مما كانت عليه قبل الغزو. والشيء بالشيء يذكر فقد وجه كبار المسؤولين خطابهم للبدون، وهم على الحدود الكويتية كأفراد في الجيش الكويتي المتأهب للتحرير، بأنكم كويتيون، وليس هناك شيء اسمه بدون، فما إن تحررت البلاد حتى تبخرت تلك الوعود، وصاروا مقيمين بصورة غير قانونية، فنحن مبدعون في حل المشاكل عن طريق تغيير أسمائها.

وزاد الطين بلة ظهور مصطلح منذ سنوات هو "الشركات الوهمية". شركات ذات ترخيص "ملعوب به"، تستطيع جلب أعداد كبيرة من البشر، وبالذات العمالة الدنيا الفقيرة، ورميهم في الشارع مقابل أموال طائلة، فما هي الإجراءات التي اتخذت بحقهم؟ قامت السلطات الأمنية بتهديد العمال الذين جلبتهم تلك الشركات بالإبعاد الفوري، مع أنه لا ذنب لهم، دون أي اعتبار لكونهم ضحايا، وأن أوراقهم وإقاماتهم سليمة، أما الشركات الوهمية فأقصى ما يتم بحقها هو الإغلاق، ولا محاسبة لأصحابها، أو المسؤولين الذين ساهموا في ذلك.

فهل سينتج عن هذا الضجيج "السكاني" أكثر من لوم لضحية، وتبرئة لجان، ونفض اليد من المسؤولية، بضرب الحلقة الأضعف، الوافدين، ويصرف النظر عن تجار إقامات، تجار بشر، وغاسلي أموال، وفاسدين، ومرتشين، ومتنفذين. إنها حكاية "الحمار والبردعة"، فحين لا تقدر على الحمار تلوم البردعة.

إن التركيبة السكانية المهترئة ليست سبباً لما نراه، ولكنها نتيجة لسياسات مضى عليها زمن طويل من التغاضي عن تجار الإقامات، والمستفيدين من المسؤولين، وصرف النظر عن ممارسات الاتجار بالبشر، وعدم القدرة على تنفيذ الخطط التنموية. هي الخلاصة لنظام ريعي غير منتج.

إن الإصلاح منظومة متكاملة، والتركيبة السكانية ليست إلا جزءاً منها، وحتى اللحظة، لا توجد هناك جدية في ذلك، دع عنك وجود الرغبة. أما إن وجدت فالطريق واضح ومكتوب وموضوع في الأدراج، انفضوا عنه الغبار ونفذوه، بلا صراخ ولا عويل ولا إهانة لكرامات البشر. ولا أظن أن يوجه فيروس كورونا البوصلة لاتجاه غير الذي اعتدناه؟