بين «فارسية» الخليج و«عروبته»
الإصرار على تسمية الخليج "الفارسي" لا يخرج عن كونه إصبعا في "عدة الشغل" يلجأ إليها النظام في اللحظات التي يرى فيها نفسه ضعيفاً أو مهتزاً، ليذهب إلى ترديد خطاب تعبوي شعبوي موجه للداخل الإيراني أكثر منه إلى الخارج، فهذا الخطاب الدعائي المغلف بالعصبية القومية دخل عنق الزجاجة، ولم يعد يجدي نفعاً في ضوء الصفقات التي تعقد بينه وبين دول وكيانات على ضفتي الخليج، وبالتالي فقد تحول إلى نوع من "فقاعات الصابون" التي سرعان ما تسقط على الأرض وتتلاشى ولا يبقى لها أثر يذكر. استمتعت بقراءة كتاب الباحث "يعقوب يوسف الإبراهيم" والصادر عن "القبس" عام 2011 بعنوان "تسمية الخليج- قراءة في الأصول"، واسترجعت معلومات أرى أنها مفيدة وذات أهمية للرد على ما يصدر من القيادات الإيرانية بخصوص فارسية الخليج، يصف القس جوزيف بارفت في كتابه "بلاد الرافدين المدهشة" عندما حاول أحد الكتاب الفرس قديماً إعطاء صورة عن حرارة الجو في الخليج قال "إنها حرارة تذيب السيف في غمده، وتحول الأحجار الكريمة التي ترصع مقبض الخنجر إلى فحم، أما الصحراء فإنها مملوءة بالغزلان المشوية".
إذا كانت الحال هكذا، فماذا سيفعل نادر شاه أو غيره بأراض صحراوية ونحن نتحدث عن بدايات تأسيس الكويت؟ وكيف سيصل إلى هناك ولا يوجد طرق ولا وسائل نقل وأمامه موانع طبيعية تحول أن تطأ قدماه أرض الكويت؟ فالإمبراطوريات الفارسية على تعاقبها كانت على الدوام مشغولة بحروبها البرية ولم يعرف عنها الاهتمام بأمور البحر لأسباب كثيرة، لكن من الجيد أولاً الإضاءة على أصل التسمية، فقد عرفه السومريون وأطلقوا عليه اسم "البحر الأدنى" خلافاً للبحر الأعلى شمالاً وما يعرف اليوم باسم "البحر الأبيض المتوسط" وسمّاه الآشوريون "نار مراتو"، أي النهر المر. وبحسب ما أورده الكتاب، فالخليج الفارسي بالأساس هو تسمية يونانية (256 ق.م) والبلاد الإيرانية أسموها "برسيس" Persis أي بلاد بارس، والباء باللغة الفارسية يوضع تحتها ثلاث نقاط، و"لا يوجد في الأحرف العربية حرف (ب) بثلاث نقاط"، فاستعمل حرف (ف) خطأ ليصبح "فارس"، فتغلب هذا الاسم على كل البلاد. وكانت تسمى "إيرانا فيجاه" أي حظيرة الإيرانيين، وهو ما اشتهرت به إبان حكم الإخمينيين (330 ق.م). أما "بحر فارس" فقد ظهر مسماه عام 324 ق.م بعد رحلة نياركوس، قائد الأسطول البحري الذي أوكل إليه الإسكندر مهمة اكتشاف حافة العالم ومنابع الشمس. والتسمية لم تكن تعني شيئاً لساكني الخليج من الطرفين العربي والإيراني، وإن كان المؤرخ الروماني بليني (23– 79 ق.م) أول من أطلق كلمة الخليج العربي عليه، وعلى الرغم من مجاورة العرب للبحر منذ أزمنة بعيدة، لم يعطوه اسما محدداً وأبقوه بحراً لأنه الوحيد في جهاتهم وهو اسم علم لا يحتاج إلى تعريف. ولو كانت ضفة الخليج الشرقية مأهولة بسكان من الفرس لما توانى العرب عن إطلاق المسمى "بحر الفرس" كما فعلوا في تسمية بحار كانت تفصلهم عن أقوام أخرى كما هي الحال إزاء بحر الروم (البحر الأبيض المتوسط) وبحر الهند (المحيط الهندي) وبحر القلزم (البحر الأحمر) وبحر الخرز (بحر قزوين)، ولكن سكنة الجانب المقابل كانوا عرباً مثلهم فانتفت الحاجة إلى التسمية، فأحوال الطقس هي التي أجبرت الإيرانيين على عدم سكن سواحل الخليج نظراً لقساوة الطبيعة الجافة والطاردة فلا ماء يسقي بشراً أو زرعاً أو ضرعاً. نأتي إلى عهد (رضا خان) الذي تسلم الحكم عام 1926 وأنهى حكم القاجاريين، فقد ألغى التاريخ الهجري وشجع على تغيير أسماء المواليد من العربية إلى الإيرانية وأهمل المعالم الإسلامية، وفي عهده، أي في عام 1935، أطلق اسم إيران على كل الأقاليم الأخرى بما فيها إقليم فارس الممتد من كرمنشاه شمالاً حتى برزقون جنوباً، وهو إقليم منعزل تفصله عن سواحل الخليج سلسلة جبال زاغروس، وبذلك اختفى اسم فارس ولم يبق إلا على الإقليم والخليج الذي التصق بما تظهره الخرائط والمراسلات البريطانية. أما نادر شاه والادعاء بأنه زار الكويت ونصب فيها خيمة، وأما تسمية "الكويت" بأنها "كوت" وبأن أصل الكلمة فارسي! فهذا كلام "مأخوذ خيره" كما يقولون، فهو لم يزر الكويت أساساً بل ذهب إلى النجف للتقريب بين المذاهب، والكوت كما يعرف أهل التاريخ والاجتماع كلمة أصلها برتغالي وتعني "كوتا" (البيت الكبير)، وهناك كما تذكر المراجع الجغرافية ما بين 200 إلى 300 قرية وموقع جغرافي بالعراق يطلق عليه اسم كوت، إضافة إلى القضاء المعروف هناك بهذا الاسم.