يبدو المشهد الاقتصادي العالمي قاتماً في ظل انتشار فيروس "كوفيد-19"، ففي حين تتخذ البلدان تدابير صحية وقائية صارمة وسط ما يسمّيه صندوق النقد الدولي "الإقفال الكبير"، من المتوقع أن ينحسر الاقتصاد العالمي بنسبة تصل إلى 3% في العام 2020.في الصين، أول بؤرة لانتشار الوباء، تعطّل الاقتصاد بالكامل رغم ظهور بعض المؤشرات الواعدة على إعادة النمو الآن، فخلال الربع الأول من عام 2020، تراجع الناتج المحلي الإجمالي في الصين بنسبة 6.8% مقارنةً بما كان عليه منذ سنة، وهو أول انكماش اقتصادي يشهده البلد منذ عقود.
أمام هذا الوضع، ينعكس وباء "كوفيد-19" المستمر سلباً على مبادرة "الحزام والطريق" الصينية على مستويات عدة، ففي المقام الأول، تصبّ معظم البلدان المشارِكة في المشروع تركيزها على محاربة عدوى كورونا وتضع التعاون الاقتصادي وتطوير البنى التحتية جانباً في الوقت الراهن.لكن لن تتخلى الصين عن مبادرة "الحزام والطريق" رغم المصاعب القائمة اليوم، لقد أصبح هذا المشروع جزءاً من دستور الحزب الشيوعي الصيني ويُعتبر أهم سياسة خارجية واقتصادية في سجل الرئيس الصيني شي جين بينغ، وبعد تلاشي الوباء سيتجدد العمل عليه خلال وقت قصير حتماً.من الضروري أن تكسب مبادرة "الحزام والطريق" طابعاً متعدد الأطراف، لا سيما على مستوى التمويل، وحتى الآن، يتم تمويل معظم مشاريعها عبر قروض من بنوك السياسة الصينية وبنوك تجارية مملوكة للدولة. على صعيد آخر، تستطيع الصين أن تجمع رساميل من القطاع الخاص ومساهمات مالية من المؤسسات الدولية، على غرار البنك الدولي، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وبنك التنمية الجديد التابع لمجموعة "بريكس"، كذلك على الصين أن تبذل جهوداً حثيثة لتعزيز شفافية مبادرة "الحزام والطريق" على مستوى الإجراءات والعقود والمعلومات، فتختار المشاريع وتبرم العقود وتحل الخلافات وتقيّم الأداء بناءً على قواعد واضحة، ولتقليص المخاطر الجيوسياسية، من المفيد أن تضمن فرص تمويل مشتركة بين مبادرة "الحزام والطريق" و"الشراكة الموسّعة اليابانية للبنية التحتية للجودة" و"استراتيجية الاتحاد الأوروبي لربط أوروبا وآسيا".تتعلق أبرز مهمة تضطلع بها البلدان المشارِكة في مبادرة "الحزام والطريق" بالسيطرة على تداعيات الدين العام المرتبطة بالمشروع، قد تفكّر مثلاً بتثبيت وضعها المالي قبل قبول أي مشاريع بنى تحتية ضخمة وتجري تقييمات عميقة للقدرة على تحمّل الديون مسبقاً. يمكن الاستفادة أيضاً من وضع استراتيجية مدروسة للبنية التحتية الوطنية، شرط أن تُحدد بكل وضوح دور مبادرة "الحزام والطريق" في خطة التنمية الاجتماعية والاقتصادية داخل البلدان المشارِكة على المدى الطويل.في غضون ذلك يتعين على الصين والبلدان المشارِكة في مبادرة "الحزام والطريق" أن تتعاون لحماية الجماعات المحلية وتمكينها، من خلال خلق فرص عمل محلية والامتناع عن تغيير أماكن العمل قسراً، ومن الأسهل أن يتقبل الرأي العام مشاريع هذه المبادرة. ومع مرور الوقت، يجب أن تُحوّل الصين والبلدان المضيفة ممرات النقل إلى ممرات اقتصادية لتعزيز النمو، على أن تشمل بنى تحتية للمواصلات ومراكز مترابطة وتجمعات صناعية في المدن، وبهذه الطريقة، قد تعطي مبادرة "الحزام والطريق" منافع طويلة الأمد للبلدان التي تشارك فيها.إذا حاول صانعو السياسة هندسة خطة تضمن التعافي السريع بعد تلاشي "كوفيد-19"، ستكون الحوافز الاقتصادية الدولية، على غرار مبادرة "الحزام والطريق"، أساسية لتحريك عجلة الاقتصاد العالمي الهش مجدداً، حيث تستطيع بلدان إضافية أن توافق على تلك المبادرة نتيجةً لذلك، ومنعاً لتخييب آمال المشاركين راهناً ومستقبلاً، على الصين أن تطبّق إصلاحات مستهدفة في مشروعها، فإذا تحقق هذا الهدف فقد يصبح وباء "كوفيد-19" "نعمة متنكرة" تخدم مصالح مبادرة "الحزام والطريق".* «جيانباي جي»
مقالات
فيروس كورونا نعمة متنكرة... لمصلحة مبادرة الحزام والطريق
07-05-2020