أظهر استطلاع أجرته مجموعة من المختصين والباحثين الاقتصاديين أن هناك عددا من الإصلاحات الاقتصادية على الحكومة أن تباشر العمل على تنفيذها فورا، على سبيل الأولوية، وذلك لعلاج الوضع الصعب الذي يواجه الاقتصاد الكويتي والمالية العامة للدولة اليوم، حيث إنها إصلاحات محلّ توافق عام بين المختصين.وقد خصّ الباحثون «الجريدة» بنتائج هذا الاستطلاع الذي بيّن أن مسائل عدة مثل تعديل التركيبة السكانية وتشجيع العمالة الوطنية في القطاع الخاص، وضبط باب المشتريات الحكومية، والتوسع في الصناعة النفطية والتحويلية، وبرامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وغيرها هي من الإصلاحات التي من غير المقبول اليوم التراخي أو التأخر في تنفيذها.
من جهته، قال الباحث في الشؤون التنموية المشرف العام على الدراسة، خالد الحمد، إن هذه الدراسة ليس الهدف منها استحداث أو اختلاق أفكار اقتصادية جديدة، فالأفكار معروفة وأشبع الحديث عنها، لكن الفكرة الأساسية من الاستطلاع الذي أجري على 44 شخصية اقتصادية، هو قياس التوافق والتباعد بين الآراء في 3 مسائل رئيسة تحتاج إليها المالية العامة للدولة اليوم: إصلاحات الإيرادات، وإصلاحات المصروفات، والتوجه العام في مسألة الدين العام.فعلى صعيد المصروفات، بيّن الحمد أن الاستطلاع أظهر أن أكثر 3 إصلاحات حازت درجة عالية من التوافق جاء في مقدمتها معالجة التركيبة السكانية وأثرها في استهلاك الطاقة والبنية التحتية، والفرص الوظيفية للعمالة الوطنية في القطاع الخاص، ثم جاء ثانيا وعلى سبيل متسق أهمية دعم وتوجيه القوى العاملة نحو القطاع الخاص، لكونه يخفف العبء عن باب الرواتب، أما الإصلاح الثالث في المصروفات فهو المتعلق بمعالجة باب الرواتب وما في حكمها، وهو بلا شك يجب أن يتعامل معه بشكل حرفيّ وعادل. أما في الجانب الآخر المتمثل في باب الإيرادات، فذكر الحمد أن التوسع في الصناعات النفطية والتحويلية كانت على رأس سلّم التوافق، ثم يليها أهمية التوسع في تنفيذ مشاريع الدولة ضمن برنامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والذي واجه، مع الأسف، صعوبات حالت دون تنفيذه على النحو المرسوم والمخطط له، وأما ثالث الإصلاحات التي حصلت على توافق عام فهو المتعلق بتفعيل قانون الخصخصة، لاسيما أن الخصخصة لها تأثير مزدوج على بابي الإيرادات والمصروفات معا.أما المسألة الثالثة والأخيرة في الاستطلاع المتعلقة بالمزاج العام نحو الدين العام، فقد أظهر الاستطلاع أن ٦٥ في المئة من الشريحة الاقتصادية يرون ضرورة اللجوء للدين العام على سبيل الاضطرار، وأنه أفضل الخيارات العملية المتاحة. وختم الحمد أن معظم توصيات المشاركين ركزت على مسالة أهمية محاربة الفساد بكل أشكاله، لكونه يمثّل مسالة جوهرية في أي توجهات لإصلاح الوضع الاقتصادي للكويت.
مراحل مهمة
بدوره، بيّن أستاذ الاقتصاد في جامعة الخليج، أحد المشاركين في الاستطلاع، د. أسامة الفلاح، أن طريق الإصلاح الاقتصادي ينقسم إلى 3 مراحل مهمة، لا بدّ أن تؤخذ كل مرحلة منها على محمل الكفاءة والفاعلية.وأفاد الفلاح بأن المرحلة الأولى، هي ما قبل الإصلاح، وتتمثل في عمل خطة إصلاح عملية شاملة «قابلة للتطبيق» يتم عرضها على الشعب والحوار حولها في مؤتمر وطني أو تُعرض تحت قبة البرلمان، ويتم نقاشها في جلسة علنية، فتكون واضحة الأهداف (من تواريخ وأرقام)، وترتكز على ركائز أساسية، أهمها سد أبواب الفساد، وترشيد هدر الأموال العامة، وزيادة الإيرادات غير النفطية، وتطبيق سياسة التحفّظ المالي وزيادة الادخار الحكومي.وأشار إلى أن هذه الخطة لا بدّ أن تتوافق مع خطة وعي شاملة تـزيد من معرفة المواطن بما له وما عليه تجاه الوضع الاقتصادي العام في البلد، وربطها مع ما يدور حوله من أحداث عالمية، كذلك لا بدّ من الانتباه إلى أن تطبيق الإصلاحات يجب أن يكون بطريقة تدريجية لا يتضرر منها المواطن البسيط، ولا تؤثر بشكل سلبي على بيئة الأعمال المتوسطة والصغيرة. وأخيرا، يجب أن تركّز الخطة على زيادة كفاءة أداء الجهات الحكومية بشكل عام من ناحية الإنتاج والاستهلاك، حتى تكون قدوة للبقية.وعن المرحلة الثانية، ذكر الفلاح أنها مرحلة تطبيق الإصلاح، وتكون بتنفيذ الخطة السابقة بجدية والتزام على الجميع، تعلو فيها مصلحة الوطن واستقراره الاقتصادي فوق كل مصلحة، مبينا أن هذه المرحلة لا يتوقع أن تكون سهلة على الإطلاق، فكل إصلاح اقتصادي سوف يتضرر منه أصحاب المصالح الذين يرون في الفوضى والفساد فرصا لهم، وسيقاومون هذا الإصلاح بشراسة. لذلك، لا بدّ أن تكون الحكومة صلبة وقوية في تطبيق منهج الإصلاح. أما المرحلة الثالثة والأخيرة، وهي ما بعد الإصلاح، فإن أبرز ملامحها الالتزام بالمنهج المُتبع، وتقييمه بشكل دوري، وتصحيح المسار إذا تَطلَّب الأمر.وأوضح الفلاح أن نتائج الدراسة تدعونا إلى إعادة طرح السؤال القديم الجديد: إلى متى ستبقى ميزانية دولة الكويت أسيرة لتذبذبات أسعار النفط العالمية؟ وهو ما يجعلنا نؤكد مرة أخرى ضرورة تركيز الحكومة على مشروع تنويع مصادر الدخل للدولة، وهو ما نادى به اقتصاديون منذ الستينيات، حيث إنه يعتبر أمرا واضح الأهمية لأيّ مواطن حريص على مستقبل بلده.وتساءل: كيف يمكن أن تنوّع الكويت مصادر دخلها؟ في هذا الموضع لا بدّ من تأكيد أن هناك مدرستين اقتصاديتين في هذا الجانب؛ الأولى تدعو إلى البحث عن مصدر جديد للدخل، والثانية تدعو إلى التركيز على جانب القوة لدى الدولة، وهو ما يسمى علميا بـ «الميزة النسبية».والميزة النسبية لدولة الكويت اليوم هي الصناعات البتروكيماوية وما يدور في فلك الإنتاج النفطي، فإذا ركزت الكويت على الاستثمارات النفطية المحلية وتطوير الصناعات البتروكيماوية، فإنها ستتحول من دولة تبيع النفط الخام فقط إلى دولة تبيع المنتجات النفطية وملحقاتها، سواء من ناحية التكرير، أو الصناعات البتروكيماوية، أو الصناعات البلاستيكية، أو صناعات مواد البناء، أو الصناعات التحويلية... وغيرها. وأكد الفلاح أن التركيز على الميزة النسبية اليوم قد يفتح 3 فرص متميزة أمام الكويت: جذب الاستثمارات الأجنبية، وزيادة الفرص الوظيفية، وبيع المنتجات النفطية بأسعار مضاعفة، بحيث لا نكون أسرى لتذبذبات أسعار النفط العالمية.