ما هو شكل التعافي الاقتصادي المرتقب «U» أو «V» أو «L»؟
قال سفاكياناكيس إن إجراءات التحفيز الاقتصادي الذي اتخذتها دول الخليج كبيرة جداً، وبالنظر للتدابير التي اتخذتها الإمارات على وجه الخصوص نلحظ محاولات كبيرة منها مساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة.
قال الباحث الأول في جامعة كامبردج، والزميل المشارك في معهد تشاتام هاوس في لندن د. جون سفاكياناكيس، إنه بالنظر لكل ما يحدث حولنا، ومع وجود هذه الجائحة العالمية في مقدمة الأحداث، القول بأن 2020 عام استثنائي ومليء بالتحديات، ربما يكون فيه تقليل من حجم أثر الوضع الحالي. يمكنني القول إن التأثير على الاقتصاد العالمي كان كبيرا جدا. ويعد هذا أحد أهم الأحداث التي شهدها العالم منذ الكساد الكبير في عام 1929.وأضاف سفاكياناكيس، في حوار متخصص حول واقع الاقتصاد العالمي وتأثر أسواق النفط في مجلس افتراضي أعدته «أدنوك»، أن الأزمة العالمية التي نشهدها اليوم، لها علاقة كبيرة بالأحداث غير المتوقعة؛ لا شيء من الأحداث التي نشهدها اليوم كان متوقعاً قبل 4 أو 3 أشهر. وبالعودة للوراء نلحظ أن الأزمة المالية عامي 2008 و2009، كانت أزمة مالية مختلفة جداً، أزمة مختلفة كلياً عما نراه اليوم.إذا كان عليّ أن أقارن بين الأزمتين؛ فما حدث عام 2008 كان أزمة مالية وليس أزمة اقتصادية عالمية. «من الصعب علينا التصديق اليوم أن الاقتصاد توقّف، وأن يُجبر الأفراد على البقاء في المنزل، ولم نتوقع أن تتوقّف الشركات، والصناعات عن العمل، حتى أن تتوقف حركة تحليق الطائرات في السماء؛ هذه ظروف غير متوقّعة، لذلك فمن الصعب جداً التكهن بكيف سنخرج وبالضبط متى سنخرج من هذه الأزمة؛ والأهم من ذلك ماذا سيحدث للمشهد الاقتصادي عندما نعود إلى الحياة الطبيعية.
منطقة مجهولة
وتابع: «الوضع الطبيعي هو العودة إلى ما كان عليه الاقتصاد العالمي قبل الأزمة، لكن على الأرجح، سيكون المشهد الاقتصادي. لن يكون بالضرورة سيئاً، لكنّه سيكون مختلفاً. نحن في منطقة مجهولة. باختصار، الكثير من الاقتصادات تقول «حسناً، سنتعرض لتراجع حاد، ومن ثم سنعود للتقدم بشكل سريع «أي كشكل حرف «V» من التراجع، ثم التعافي هل سنرى النوع «V» من التعافي الاقتصادي؟ لست متأكداً. هل سنرى النوع «U» الذي يعني انحداراً حاداً، ثم القليل من التباطؤ على المدى الطويل أو المدى المتوسط ثم انتعاشاً سريعاً؟ هذا غير معروف. هل سنرى نوع «L» أي انحدار حاد ثم فترة ركود طويلة جداً؟ غير معروف أيضاً. ولكن بشكل عام، هذه أزمة مختلفة جداً عن الأزمة التي شهدناها، ويتذكرها الكثيرون منا، وهي أزمة عامي 2008 و2009».وحول مدى استيعاب دول الخليج لتأثير جائحة «كوفيد - 19» على اقتصاداتها، قال سفاكياناكيس إن إجراءات التحفيز الاقتصادي الذي اتخذتها دول الخليج كبيرة جداً، وبالنظر للتدابير التي اتخذتها الإمارات على وجه الخصوص نلحظ محاولات كبيرة منها مساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة، إلى القروض المصرفية وإجراءات تأمين السيولة في القطاع المصرفي، فحجم هذه التدابير في المجموع يصل إلى حوالي 17 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذه مبالغ مذهلة تماماً. هذا المبلغ الضخم من المال تم توفيره لاقتصاد دولة الإمارات، في كل من أبوظبي ودبي وبقية الإمارات. فمن حيث الحجم، فقد كانت هذه الإجراءات ضخمة؛ ومن حيث التوقيت، كانت رائعة، وأعتقد أن العديد من هذه التدابير قد تم اتباعها من قبل العديد من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، وخارج المنطقة عموماً».وتابع: «سيكون عام 2020 عاماً صعباً إلى حد ما، ولكن عام 2021 سوف يكون عام الانتعاش والتعافي لاقتصاد الإمارات ككل. تحقيق نسبة نمو تقدر بحوالي 3 و3.5 في المئة، سيكون شيئاً يستحق الملاحظة، وشيئاً مثيراً للإعجاب، بالنظر إلى العديد من الاقتصادات الأخرى، ليس فقط في دول مجلس التعاون الخليجي، ولكن ضمن بقية الأسواق الناشئة أيضاً. الإمارات العربية المتحدة متقدمة بهذا الجانب، وستحقق نتائج جيدة جداً، من حيث النمو والإجراءات المتبعة».وحول تذبذب أسعار النفط مع انخفاض الطلب، قال سفاكياناكيس «إن توقّع سيناريو أسعار النفط هو أصعب التوقعات التي يمكن لأي شخص القيام بها. «لو كنت أعرف ما سيكون عليه سعر النفط، بالتأكيد لن أكون هنا؛ وبالتأكيد لن أخبر الناس لأنني عندئذ سأستثمر سراً».لذلك من الصعب جداً التنبؤ به، ومع ذلك، هناك بعض الأنماط التي نراها اليوم؛ وغالباً ما تحدث في الأزمات، لأنني عايشت ربما 4 أو 5 أزمات مختلفة، خلال التسعينيات، عندما كنت شاباً وأعمل كمحلل اقتصادي، كان بإمكاني أن أرى الأزمة تتكشف طياتها في آسيا. عندما تكون في خضم أزمة، تميل إلى أن تكون متشائماً جداً، وهذه صفة بشرية طبيعية».«ومن ناحية أخرى، عندما ننعم بنمو اقتصادي مرتفع، يتمتع الجميع بالنمو الجيد الذي نراه، وننسى أن الأوقات المميزة لا تدوم إلى الأبد. لذا أحاول أن أقول إنه في لحظة صعبة، نميل للقول بأن الأمور ستكون سيئة جداً لفترة طويلة ونحن جميعاً نميل للشعور بالإحباط، بحيث لا نرى إلا الصورة السلبية. لذا ما سأقوله هنا بخصوص أسعار النفط، نعم، يمكننا أن نرى توجهاً قصير الأجل نحو انخفاض السعر. وهذا احتمال وارد، لماذا؟ لأن أسعار النفط مدفوعة بالطلب، والطلب اليوم عند أدنى مستوياته. لذلك، فإن العديد من المحللين اليوم يقولون «كما تعلمون، سعر النفط سوف يتجه نحو مزيد من الانخفاض». ويمكن أن ينخفض أكثر، ولكن بعد ذلك، سنكون في طريقنا إلى التعافي من جائحة كورونا. ولن يكون العالم على النحو الذي نراه اليوم. ولكن لنكن واقعيين قليلاً، لن تستمر حالة الإغلاق هذه للأبد، في نهاية المطاف، كل هذا سينتهي.لذا، فالطلب سيرتفع ومع ارتفاعه سترتفع الأسعار. نعم، هناك مشاكل في الإمدادات. هناك الكثير من النفط المستخرج حالياً. لكن دولة الإمارات اتخذت القرار الصحيح مع بقية شركائها في «أوبك»، بمعالجة مسألة العرض، والبدء في تخفيض الإمدادات، وسوف يتم النظر في الأمر مرة أخرى بحلول شهر يونيو. وستتخذ التدابير المناسبة، وارتفاع الطلب العالمي سيكون عاملاً مهماً، عندها سنشهد ارتفاع الأسعار. لن نرى ذلك فوراً، لكننا سنراه في الربع الثالث والرابع من هذا العام؛ حيث ينبغي أن تبدأ الأسعار بالارتفاع. وأعتقد أن الحديث عن هذا التعافي سيسيطر على الأجواء في عام 2021».مواجهة العاصفة
وفي ضوء ظروف السوق الحالية، قال سفاكياناكيس: «أعتقد أن على العالم وشركات النفط والغاز، إعادة التفكير وبشكل كبير، بالكيفية التي سيعززون من خلالها مكانتهم في السوق، وقد فكّرت شركات كثيرة على مدار السنوات الخمس الماضية فيما ستقوم به، والواقع أن قِلّة من الشركات تمكنت من القيام بشيء ما منذ عام 2015 عندما شهدنا انهياراً آخر في أسعار النفط. ولنتذكر هنا هبوط أسعار النفط في عامي 2014 و2015، حين بدأ كثير من البلدان تشعر بالقلق. شركات النفط والغاز شعرت وقتها بالقلق أيضاً.وأضاف: «أعتقد أنه من المهم لشركات النفط والغاز التفكير بمستقبل ما بعد النفط. لا أزعم بالضرورة أن النفط سيختفي، وأن الطلب سيختفي، لكن الطلب سيتغير. لن تكون بنيوية الطلب مماثلة لما كانت عليه قبل جائحة كورونا.مستقبل ما بعد الجائحة
وحول مستقبل الاقتصاد ما بعد جائحة كورونا، قال: «أعتقد أن الدرس المستفاد هو أن هناك العديد من الأمور المجهولة التي سيمر بها العالم. وهناك حاجة إلى الصبر، وهناك حاجة إلى مسألة حسن التوقيت.وكما قلت، سيغير العالم أيضاً الطريقة التي يتعامل بها مع سلاسل التوريد. لن يكون بالضرورة أن نرى في آسيا، وداخل آسيا، والصين الشريك الوحيد المعتمد لرفد دول العالم بالموارد اللازمة للصناعة التحويلية وما إلى ذلك.«الكثير من البلدان ستقرر أن تكون أكثر فردية أو معتمدة على الذات، وسوف تنظر إلى العالم من منظور ذاتي بحت. هذا لا يعني بالضرورة نشوب عدد كبير من الحروب التجارية، ولكن في الوقت نفسه لن يكون هذا متعلقاً بالعولمة فحسب. في الوقت نفسه سيكون هناك، كما أعتقد، تغير بنيوي بعيداً عن الكفاءة والإنتاجية نحو مزيد من التفكير بالمحافظة على استمرارية الأعمال والشركات. وسيتطلب ذلك بالنسبة للشركات، أن تعمل لتحقيق ما هو أبعد من مجرد زيادة الكفاءة والإنتاجية فحسب».