كرَّس محمود عبدالعزيز حياته للتمثيل، وترك إبداعه يتحدث عنه، ويشي بشخصية فنان لا يكترث بافتعال ضجة حول أعماله، وفور انتهائه من تصوير مشاهده، يختفي عن الأنظار، ويتأهب لدور جديد، ولذلك كان مقلاً في ظهوره الإعلامي، وأوصد بابه في وجه الشائعات التي لاحقته خلال مشواره الفني، ورغم نجوميته الطاغية، اتسمت شخصيته بالتواضع الشديد، ودائماً يثير حضوره في موقع التصوير بهجة في نفوس زملائه وفريق العمل.

وبعد النجاح الهائل لمسلسل «رأفت الهجان» لاحقت عبدالعزيز اتهامات أنه يتعالى على الظهور في برامج تلفزيونية، رغم أن شهرته الأولى تحققت على شاشته، وعرفه الجمهور من خلال مسلسل «الدوامة» و»كلاب الحراسة» قبل الأفلام السينمائية، وخرج الساحر عن صمته، ليقول: «هذا الكلام أغضبني جداً وقتها، وأكثر ما أغضبني أن التي قالته هي الزميلة نجوى إبراهيم في أحد برامجها، رغم أننا عملنا معاً فيلمين من أنجح الأفلام هما «حتى آخر العمر» و»السادة المرتشون» ولمجرد أنها طلبتني للتسجيل معها واعتذرت لظروف خاصة بي وقتها وجدتها تذيع هذا في برنامجها مما أغضبني وشعرت أنها سعت لتشويهي أمام الجمهور، وكما ذكرت لظروف خاصة بي في هذا الوقت، وثانياً لأنني لست من هواة الظهور على شاشة التلفزيون وأتعامل بحرص شديد في هذا الجانب».

Ad

وكان المقربون من محمود عبدالعزيز، يدركون أنه يمارس إبداعه بروح الزاهد في الشهرة، وأن سعادته الحقيقية تكمن في قدرته على تجسيد الشخصيات المتباينة، ودخول مغامرات سينمائية غير مسبوقة، حتى أنه كان لديه بعض الطقوس الخاصة قبل الدخول في عمل جديد، ولأنه من هواة الرسم، كان يتخيل ملامح الشخصية التي سيؤديها، ويرسم بورتريها لكافة تفاصيلها من ماكياج وأكسسوارات وملابس، ويستدعي من الذاكرة إيماءات وحركات الشخصية من واقع مشاهداته الحياتية.

الساحر والمجنونة

وتدفق عطاء الساحر في فترة الثمانينيات، وقدّم عدداً كبيراً من الأفلام، وتراوحت أقنعته بين التراجيديا والكوميديا، والتقى عام 1985 مع «صاحبة السعادة» إسعاد يونس التي مثلت وكتبت سيناريو فيلم «المجنونة» إخراج عمر عبدالعزيز، وشارك في بطولته حاتم ذوالفقار ومها أبوعوف وظهر خلاله الكاتب المسرحي بهجت قمر في دور «حفظي».

وجسد عبدالعزيز شخصية «سيف»، مذيع مشهور بالتلفزيون، تربطه صداقة بالمخرج محمود (حاتم ذوالفقار)، الذي يحل دائماً مشاكل سيف مع خطيبته هند (مها أبوعوف)، ويتقابل سيف مع سعاد (إسعاد يونس) التي تعجب به وببرامجه، ويفاجأ أنها تعلم عنه كل شيء، ويكتشف أنها تظهر بأسماء مختلفة في عدة أماكن، وتتابع الأحداث من خلال مفارقات كوميدية.

وعن تجربتها مع الساحر، قالت النجمة إسعاد يونس: «قدمت معه فيلم (المجنونة)، وبعد سنوات أنتجت له فيلم (الساحر)، وكان محمود شخصية مشعة بالفن والبهجة أينما وُجِد، وكنا مجموعة من الفنانين المقربين من الفنان الكبير فريد شوقي، ودائماً يقول له: (ولد يا محمود أنا لما أموت ستكون أنت ملك الترسو)، وهو لقب فريد شوقي نفسه، وعندما يشعر محمود بالحزن، يختفي عن الأنظار حتى لا ينشر الكآبة، وحين عرضت عليه سيناريو (المجنونة) وافق على بطولته، ولم يطلب تغيير عنوان الفيلم، رغم أنه كان نجماً كبيراً في ذلك الوقت».

ويروي المخرج عمر عبدالعزيز ذكرياته مع الساحر، بقوله إنه بدأ مع محمود عبدالعزيز رحلة الكفاح، وكان من أقرب الأصدقاء إليه، وكانا بمثابة أشقاء وليس تشابها في اللقب فقط، فضلاً عن كونه ممثلاً موهوباً وإنساناً حقيقياً، وقد جمعهما فيلمان فقط «الشقة من حق الزوجة» و»المجنونة» والأخير حصل على العديد من الجوائز من مهرجانات كبرى، كما أنه كان التجربة الأولى للفنانة إسعاد يونس في عالم كتابة السيناريو.

قانون إيكا

وتتابعت رحلة الساحر في «نهر الخوف» 1988، تأليف وإخراج محمد أبوسيف، وشارك في البطولة الفنان الكبير صلاح قابيل ونورا وعبلة كامل وأحمد راتب وأحمد صيام، ودارت أحداث الفيلم في أجواء تراجيدية من خلال مطاردة الشرطة لثلاثة من الشباب المنحرفين، يروعون ركاب أتوبيس نهري، والأوقات العصيبة التي عايشوها، وتركت آثارها في نفوسهم.

وفي العام التالي قدّم فيلم «يا عزيزي كلنا لصوص» قصة الأديب إحسان عبدالقدوس وإخراج أحمد يحيى، وشارك في بطولته النجمة ليلى علوي وسعيد صالح وصلاح قابيل ومريم فخرالدين وعبدالله فرغلي وأسامة عباس ونظيم شعراوي، وجسّد محمود عبدالعزيز شخصية مرتضى السلاموني الشاب الثري الذي يفقد ثروته، بعد الحجز على أموال والده، ويقيم في منزل العائلة بالريف، ويقرر الانتقام ممن تسبب في إفلاسه، وتتصاعد الأحداث.

وعن كواليس الفيلم، قال كاتب السيناريو مصطفى محرم، إن النجم حسين فهمي كان مرشحاً لمشاركة عبدالعزيز البطولة، لكنه اعتذر عن الدور، ولعبه الفنان الكبير صلاح قابيل، وأيضاً رشحت النجمة معالي زايد لدور «بسمة» وبدورها اعتذرت لأن الفيلم ينتقد فترة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وقامت بالدور بدلاً عنها الفنانة ليلى علوي.

ويستعيد الساحر أصداء فيلمه «طائر الليل الحزين» عام 1974، وموجة الأفلام التي تنتقد فترة الستينيات، ويقدم في عام 1991 فيلم «قانون إيكا» سيناريو أحمد صالح وإخراج أشرف فهمي وبطولة آثار الحكيم وعبلة كامل ونهلة سلامة ورضا حامد وكمال الزيني، وتدور قصته في عام 1968، واعتقال الدكتور الجامعي حسين وزوجته منى، وتتصاعد الأحداث في أجواء بين الحلم والواقع، عندما يتعرف على الراقصة «إيكا» التي تأخذه إلى منحى جديد ومختلف عن حياته السابقة.

وفي العام ذاته، قام الساحر ببطولة «أبو كرتونة» تأليف أحمد عبدالرحمن وإخراج محمد حسيب وتمثيل سماح أنور وسعاد نصر وحسين الشربيني وميمي جمال وأحمد عبدالوارث، وتدور أحداثه في إحدى الشركات، وجسد عبدالعزيز دور العامل «عايش سعيد أبو كرتونة» وهو من الأدوار المركبة التي تخلى فيها عن وسامته، وأظهرت قدرته على الأداء الكوميدي، والسخرية اللاذعة من سلبيات المجتمع.

وتتابع رحلة الساحر، ليدخل في مغامرة سينمائية مع المخرج محمد كامل القليوبي، ويتقمص شخصية «سائق سيارة لوري» في فيلم «ثلاثة على الطريق» عام 1992 وشارك في بطولته عايدة رياض ولطفي لبيب وعلي حسنين، وتدور قصته حول رحلة «السائق محمود» من مدينة الأقصر (جنوب) إلى طنطا (شمال) على مدار يومين، وخلال رحلته على الطريق يركب معه الطفل خليل الذي هرب من قسوة زوجة أبيه لكي يتجه إلى أمه في طنطا، كما تركب معه «تحية» المسافرة إلى صديقتها، وخلال رحلتهم، يواجهون العديد من المشاكل، وتتصاعد الأحداث.

«البحر بيضحك ليه»

وبعد عامين التقى الساحر مع المخرج محمد كامل القليوبي في فيلم «البحر بيضحك ليه»، وشارك في بطولته حنان شوقي ونجاح الموجي وشوقي شامخ ومحمد لطفي، وتدور أحداثه في أجواء فانتازية، حول الموظف الشاب «حسين» الذي يصاب بحالة من الاكتئاب بسبب الروتين الممل وضغوط الحياة، كموظف ورب أسرة، فيقرر أن يهرب من واقعه ومن عمله وأسرته، ويتعرف على «نعيمة» التي تعمل حاوية في إحدى الفرق الجوالة بالشوارع ويتزوجها، ويعيش حياة جديدة، وينزع الأقنعة عن الزيف والخداع.

والطريف أن «تترات» الفيلم تضمنت إهداءً غير تقليدي، ويحمل قدراً كبيراً من الوفاء والتقدير لجيل الرواد، وصانعي أول فيلم روائي طويل في تاريخ السينما المصرية، كما ورد ذلك في بداية الفيلم متمثلاً في العبارة التالية: «إلى ذكرى الرواد الشجعان للسينما المصرية الذين قاموا عام 1928 بعمل أول فيلم روائي كوميدي طويل في تاريخ السينما المصرية بعنوان (البحر بيضحك) نهدي هذا الفيلم».

أحلى الأوقات مع «ملكات النحل»

كشف النجم محمود عبدالعزيز أسرار دخوله إلى عالم الفن، وقال إن المصادفة غيّرت مجرى حياته، وأنه لم يخطط ليصبح نجماً ملء السمع والبصر، وكان طالباً في كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية متفوقاً على أقرانه إذ كان أول دفعته كل عام، ومنتهى طموحه أن يُعين في وظيفة معيدٍ ويصبح أستاذاً جامعياً، وسرعان ما تخرج وعُين معيداً، وحصل على درجة الماجستير في موضوع «كيفية زيادة المنتج من عسل النحل».

وحسب اعترافه في حوار أجرته معه مجلة «الإذاعة والتلفزيون» المصرية، فإن أجمل لحظاته كان يقضيها مع ملكات النحل وتأمل هذا العالم البديع، وقبل تخرجه كان مشتركاً في فريق التمثيل بالكلية وشاهده المخرج نور الدمرداش وعرض عليه أن يذهب إلى القاهرة ليحترف التمثيل، لكنه رفض الابتعاد عن معشوقته الإسكندرية وعالم النحل واعتذر عن العرض، ولكن الأقدار كانت ترسم له مساراً آخر عندما كلفته الكلية بالذهاب إلى وزارة الزراعة لاستلام مخصصات الكلية وأثناء مروره بالشارع وجد المخرج نور الدمرداش ووقف ليصافحه، وهنا صرخ الدمرداش فيه: «نحل إيه يا محمود تعال معي»، وأخذه إلى مبنى التلفزيون وأعطاه مشهداً من مسلسل «الدوامة» مع محمود ياسين ونيللي، وأداه بصورة أبهرت الجميع وقال له «مش هاسيبك» (لن أتركك)، وأعطاه أول أجر من التمثيل أربعة جنيهات، ثم وفر له شقة حتى يكمل المسلسل، وبعدها تغيب عن الكلية حتى فصلته، ولم يعد أمامه طريق إلا التمثيل.

ولم يرق هذا الاختيار لوالده فقد كان يخشى عليه من الأجواء داخل الوسط الفني ومن ثم لم يشجعه على اتخاذ هذه الخطوة، ولكن كان إيمانه بموهبته كبيراً لذا صمم عبدالعزيز على النجاح، وبالفعل نزح إلى القاهرة وتحمل الكثير من الصعاب، حتى صار من أهم النجوم في تاريخ السينما المصرية.

«المدمن» يزور الساحر في «الشقة»

توطدت صداقة النجمين الكبيرين أحمد زكى ومحمود عبدالعزيز على مدار سنوات تألقهما فى عالم السينما، وكانا يلتقيان بشكل دائم في الفعاليات الفنية ومواقع التصوير والجلسات الخاصة، وعندما يبدأ أحدهما في تصوير عمل فني، كان يأخذ رأي الآخر في العمل، وهناك لقطة مؤثرة في آخر لقاء بينهما أثناء العرض الخاص لفيلم «حليم» (آخر أفلام أحمد زكي) ووقتها كان المرض قد تمكن من النجم الأسمر، وظهر الحزن الشديد على وجه عبدالعزيز، وقد أخفى دموعه خلف نظارة سوداء.

والتقى النجمان في عدة أفلام، منها «شفيقة ومتولي» و«البرئ» و«درب الهوى» وكانت المنافسة بينهما تحتكم لتقاليد وأخلاقيات ثابتة، رغم محاولة البعض نثر الشائعات حول خلافات بينهما، ولكنها لا تصمد أمام الصداقة التي جمعت بينهما خلال ثلاثة عقود من مشوارهما الفني.

وأبرز المواقف الطريفة بين النجمين، كان أثناء قيام محمود عبدالعزيز بتصوير فيلم «الشقة من حق الزوجة» عام 1985 للمخرج عمر عبدالعزيز، ووقتها كان أحمد زكي يصور فيلم «المدمن» من إخراج يوسف فرنسيس، وكان موقعا التصوير قريبين من بعضهما، فزار أحمد زكى الساحر محمود عبدالعزيز في موقع التصوير، وهنأه على الفيلم، وقال مداعباً المخرج عمر عبدالعزيز: «أنا زعلان أوي وغيران من محمود، ليه ماجبتنيش في الفيلم ده، بصراحة قصته عجباني أوي والقضية اللي بيقدمها مهمة ومختلفة»، وكان الساحر يبتسم حين سمع تعليقات أحمد زكي على الفيلم، ودامت الصداقة بينهما حتى رحيل النجم الأسمر في 27 مارس 2005.