ما قل ودل: الشكر والاعتذار لإمارة الإنسانية
وزير الإنسانية
لا غرو أن يكون للإنسانية وزير، فأمير الإنسانية يمارس سلطته بواسطة وزرائه إعمالا للمادة (55) من الدستور، ولقد استحق الوزير أنس الصالح أن يلقب بوزير الإنسانية عندما تصدى لمشكلة مخالفي الإقامة، بعد أن كشف وباء كورونا بشاعة المأساة التي كان مخالفو الإقامة يعيشون فيها، فقد كان موقفه من استئصال هذه الجريمة من جذورها موقفاً رائعاً بملاحقة تجار الإقامات، لمعاقبتهم على ما اقترفت أيديهم في حق أمتهم من جريمة بشعة تهدد أمنها واستقرارها، وتشوه وجهها الحضاري، ومسيرة الخير التي يقودها أمير الخير والإنسانية، والتي استحق بسببها أن يلقب بأمير الإنسانية.
كلمة إنسانية رائعة للوزير
كلمة إنسانية هي جوامع الكلم من الشدة والرحمة والحزم والحكمة، ألقاها أنس الصالح وزير الإنسانية وأذيعت بالفيديو على قنوات التواصل الاجتماعية، في أحداث الشغب في كبد، والتي استهلها بالاعتزاز بالوافدين ضيوفنا، وطالب فيها العالقين في أماكن الحجر الصحي بالتحلي بالحكمة، لأن أمن البلاد خط أحمر، وأن أمن العالقين مسؤولية الكويت، وأن حقوقهم سوف ينتزعها من تجار الإقامات.ليسوا شركاء في الجريمة
وقد عبر الوزير بهذه الكلمة عن النظرة الصحيحة للوافدين من مخالفي الإقامة، بأنهم ضحايا هذه الجريمة وليسوا شركاء فيها، إلا أن قلة القلة التي تعيش في مستنقع الكراهية، والتي ليست من فصائل المجتمع الكويتي الإنساني النشأة والنزعة، والذي استحق بجدارة أن يطلق على إمارته إمارة الإنسانية، تقول هذه القلة إن مخالفي الإقامة لا يستحقون هذا الوعد من الوزير بأن يحصل على حقوقهم، فهم شركاء في جريمة تجارة الإقامات.وجريمة الاتجار بالإقامات، كأي جريمة أخرى، تصيب حقا فردياً يحميه الدستور والقانون، باعتباره تعدياً على حقوق الإنسان، كما تحمي نظاما اجتماعيا يحميه أيضا الدستور والقانون، وهي جريمة دولية ينص عليها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، باعتبارها جريمة اتجار بالبشر، وهو ما سبق أن أشرنا إليه في مقالنا على هذه الصفحة يوم الأحد الموافق 26 أبريل سنة 2005. فالقوى العاملة المعتدى عليها في هذه الجريمة من الهند ومصر وغيرهما، والتي جرى استغلالها بواسطة تجار الإقامات أبشع استغلال، عند استقدامها للعمل بالكويت، والعمل شرف لغير الكويتي، كما هو شرف للكويتي وواجب عليه إعمالا للمادة (41) من الدستور، هذه القوى العاملة قد أصبحت في كنف إمارة الإنسانية وحمايتها، ولها على الدولة حقوق، أن تتخذ كل الإجراءات التي تصون لها حقوقها، وتلاحق المعتدي عليها، وتنزل به العقوبة، وتلزمه بتعويض عادل.ولئن كان التقاضي حقا مكفولا ومشروعا للناس كافة، وفقا لأحكام المادة (166) من الدستور، إلا أن النصوص لا تعكس دائما الواقع، لأن هذه العمالة، ضحايا تجارة الإقامات، كانت تعيش مأساة كبيرة، فهي بالكاد تحصل على قوت يومها، والكفيل يستطيع في أي وقت أن يعلن تغيبها لتجد الترحيل سيفا مصلتا عليها.إلا أن ذلك كله، لم يكن عذرا لهذه العمالة، لقيام بعضها من الإخوة المصريين بأحداث شغب في كبد، وقد قدم غيرهم اعتذارا لقوات الأمن عندما حملوا عقيداً من الشرطة على الأكتاف وهتفوا بحياة الكويت، وأقدم عن نفسي وعن الإخوة المصريين اعتذارا مماثلا، فحقوق احترام هؤلاء الضحايا على تجار الإقامات، يقابلها واجب يقع على عاتقهم في احترام قوانين الدولة، وعلى رأسها الدستور الذي يفرض التزاما باحترام النظام العام على الكويتي والمقيم، فيما نصت عليه المادة (49) من الدستور من أن مراعاة النظام العام واحترام الآداب العامة واجب على كل سكان الكويت، ولا يستقيم النظام العام إلا بتحقق أركانه الثلاثة: الأمن العام، والصحة العامة والسكينة العامة.ولا تظلموا مصر
فقد كانت مصر، مثلها مثل الكويت، حريصة على استعادة أبنائها العالقين في الخارج، بالمفهوم الذي حدده مجلس الوزراء في مصر، للعالق في الخارج، وهو الذي كان قد سافر إلى الخارج للسياحة أو العلاج أو في مهمة عارضة، فرتبت لهم أولوية في العودة إلى البلاد، وأعدت لهم حجراً صحياً، حيث لم يكن يتجاوز عددهم من كل أنحاء المعمورة خمسة آلاف مواطن. أما الألوف المؤلفة في دول الخليج من العمالة في هذه الدول، فقد تمهلت مصر في استقبالهم حتى تهيئ لهم أماكن مناسبة للحجر الصحي باعتبارهم في كنف الدول التي يعملون بها، وليس في هذا التمهل، وهو حق لها، بحكم مسؤوليتها عن أمن وسلامة وصحة أكثر من مئة مليون مواطن، ما ينتقص من سيادة دولة الكويت، وفقا لنظرة البعض الضيقة لسيادة دولة الكويت على أرضها، فالسيادة ليست استعلاء أو استقواء، بل تعاونا وتراحما بين الأشقاء في كارثة إنسانية تتعاون كافة الدول في تحمل تبعاتها.وقد أثبتت دولة الكويت في تقدير ظروف مصر وغيرها من الدول ذات الكثافة العمالية العالية في الكويت، وفي تحمل الدولة نفقات عودتهم إلى بلادهم، أنها مستحقة لأن تكون إمارة الإنسانية، وجديرة بهذا الاستحقاق.وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.