قالت شهرزاد: فلما خرجت من عند الوالي، دخلت على قاضي البلد، وقالت له يا سيدنا القاضي قال لها نعم، فقالت له: انظر في أمري وأجرك على الله، فقال لها من ظلمك قالت له يا سيدي لي أخ وليس لي أحد غيره، وهو الذي كلفني الخروج إليك، لأن الوالي قد سجنه وشهدوا عليه بالباطل بأنه ظالم، وإنما أطلب منك أن تشفع لي عند الوالي، فلما نظرها القاضي عشقها، فقال لها ادخلي المنزل عند الجواري واستريحي معنا ساعة، ونحن نرسل إلى الوالي بأن يطلق أخاك، ولو كنا نعرف الدراهم التي عليه كنا دفعناها من عندنا، لأنك أعجبتينا من حسن كلامك، فقالت له إذا كنت أنت يا مولانا تفعل ذلك فما نلوم الغير، فقال لها القاضي إن لم تدخلي منزلنا فاخرجي إلى حال سبيلك، فقال لها القاضي وأين منزلك فقالت له في الموضع الفلاني، وواعدته على اليوم الذي وعدت فيه الوالي، ثم خرجت من عند القاضي إلى منزل الوزير، فرفعت إليه قصتها وشكت إليه ضرورة أخيها، وأنه سجنه الوالي فراودها الوزير عن نفسها.

Ad

سهام العشق

فقالت له إن أردت فيكون عندي في منزلي، ولأن المنزل ليس بعيداً وأنت تعرف ما نحتاج إليه من النظافة والظرافة، فقال لها الوزير وأين منزلك فقالت له في الموضع الفلاني، وواعدته على ذلك اليوم، ثم خرجت من عنده إلى ملك تلك المدينة ورفعت إليه قصتها، وسألته إطلاق أخيها فقال لها من حبسه قالت له حبسه الوالي، فلما سمع الملك كلامها رشقته بسهام العشق في قلبه، فأمرها أن تدخل معه القصر حتى يرسل إلى الوالي ويخلص أخاها، فقالت له أيها الملك إنه من سعد حظي، إن جئت إلى منزلي فأتشرف بنقل خطواتك الكرام كما قال الشاعر:

خليلي هل أبصرتما أو سمعتما زيارة من جلت مكارمه عندي

فقال لها الملك لا نخالف لك أمراً، فواعدته في اليوم الذي واعدت فيه غيره وعرفته منزلها.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

خمس طبقات

وفي الليلة الرابعة والخمسين بعد الخمسمئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن المرأة لما أجابت الملك وعرفته منزلها وواعدته على ذلك اليوم الذي واعدت فيه الوالي والقاضي والوزير، ثم خرجت من عنده فجاءت إلى رجل نجار، وقالت له أريد منك أن تصنع لي خزانة بأربع طبقات بعضها فوق بعض، كل طبقة بباب يقفل عليها، وأخبرني بقدر أجرتك فأعطيك، فقال لها أربعة دنانير، وإن أنعمت علي أيتها السيدة المصونة بالوصال فهو الذي أريد ولا آخذ منك شيئاً، فقالت له إن كان ولابد فاعمل لي خمس طبقات بأقفالها، فقال: حباً وكرامة، وواعدته أن يحضر لها الخزانة في ذلك اليوم بعينه، فقال لها النجار يا سيدتي اقعدي حتى تأخذي حاجتك في هذه الساعة، وأنا بعد ذلك أجيء على مهلي، فقعدت عنده حتى عمل لها الخزانة بخمس طبقات، وانصرفت إلى منزلها فوضعتها في المحل الذي فيه الجلوس، ثم أخذت أربعة ثياب وحملتها إلى الصباغ، فصبغ كل ثوب لوناً وكل لون خلاف الآخر، وأقبلت على تجهيز المأكول والمشروب والمشموم والفواكه والطيب.

الغلالة الصفراء

فلما جاء يوم الميعاد لبست أفخر ملبوسها وتزينت وتطيبت، ثم فرشت المجلس بأنواع البسط الفاخرة، وقعدت تنتظر من يأتي، وإذا بالقاضي دخل عليها قبل الجماعة، فلما رأته قامت واقفة على قدميها وقبلت الأرض بين يديه وأخذته وأجلسته على ذلك الفراش، فقالت له يا سيدي اخلع ثيابك وعمامتك، والبس هذه الغلالة الصفراء، واجعل هذا القناع على رأسك حتى أحضر المأكول والمشروب، فأخذت ثيابه وعمامته ولبس الغلالة والقناع، وإذا بطارق يطرق الباب فقال لها القاضي من هذا الذي يطرق الباب؟ فقالت له هذا زوجي فقال لها وكيف العمل وأين أروح أنا؟ فقالت له لا تخاف فإني أدخلك هذه الخزانة، فقال لها افعلي ما بدا لك، فأخذته من يده وأدخلته في الطبقة السفلى وأقفلت عليه، ثم خرجت إلى الباب وفتحته وإذا هو الوالي، فلما رأته قبلت الأرض بين يديه وأخذته بيدها وأجلسته على ذلك الفراش، وقالت له يا سيدي إن الموضع موضعك والمحل محلك وأنا جاريتك ومن بعض خدامك، وأنت تقيم هذا النهار عندي فاخلع ما عليك من الملبوس والبس هذا الثوب الأحمر فإنه ثوب النوم، وقد جعلت على رأسه *خلقاً من خرقة كانت عندها، فلما أخذت ثيابه، قالت له: من فضلك وإحسانك اكتب لي ورقة بإطلاق أخي من السجن، حتى يطمئن خاطري، فقال لها السمع والطاعة على الرأس والعين، وكتب كتاباً إلى خازنداره يقول فيه ساعة وصول هذه المكاتبة إليك تطلق فلاناً من غير إمهال ولا إهمال، ولا ترجع حاملها بكلمة، ثم ختمها وأخذتها منه، وإذا بطارق يطرق الباب فقال لها من هذا؟ قالت زوجي، قال: كيف أعمل» فقالت له: ادخل هذه الخزانة حتى أصرفه وأعود إليك. فأخذته وأدخلته في الطبقة الثانية وقفلت عليه، كل هذا والقاضي يسمع كلامها.

طرطور أحمر

ثم خرجت إلى الباب وفتحته، وإذا هو الوزير قد أقبل، فلما رأته قبلت الأرض بين يديه وتلقته وخدمته، وقالت له يا سيدي: لقد شرفتنا بقدومك في منزلنا يا سيدنا فلا أعدمنا الله هذه الطلعة ثم أجلسته على الفراش وقالت له اخلع ثيابك وعمامتك والبس هذه التخفيفة، فخلع ما كان عليه وألبسته غلالة زرقاء وطرطورا أحمر، فلما لبسها الوزير وإذا بطارق يطرق الباب، فقال لها من هذا؟ فقالت له زوجي، فقال لها: كيف التدبير؟ فقالت: قم وادخل هذه الخزانة حتى اصرف زوجي وأعود إليك ولا تخف، ثم أدخلته الطبقة الثالثة، وقفلت عليه وخرجت، ففتحت الباب وإذا هو الملك دخل، فلما رأته قبلت الأرض بين يديه وأخذت بيده وأدخلته في صدر المكان وأجلسته على الفراش، وقالت له: شرفتنا أيها الملك ولو قدمنا لك الدنيا وما فيها ما تساوي خطوة من خطواتك إلينا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

الفخ

وفي الليلة الخامسة والخمسين بعد الخمسمئة، قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك لما دخل دار المرأة قالت له لو أهدينا لك الدنيا وما فيها ما تساوي خطوة من خطواتك إلينا فلما جلس على الفراش قالت له: أعطني أذناً أكلمك كلمة واحدة فقال لها تكلمي ما شئت، فقالت له استرح يا سيدي واخلع ثيابك وعمامتك، وكانت ثيابه في ذلك الوقت تساوي ألف دينار، فلما خلعها ألبسته ثوباً خلقاً قيمته عشرة دراهم بلا زيادة، فبينما هما يتحدثان وإذا بطارق يطرق الباب، فقال لها من هذا؟ قالت له زوجي، فقال لها اصرفيه عنا كرماً منا وإلا اطلع إليه أصرفه قهراً، فقالت له لا يكون ذلك يا مولانا بل اصبر حتى أصرفه بحسن معرفتي، فقال لها وكيف أفعل أنا، فأخذته من يده وأدخلته في الطبقة الرابعة وقفلت عليه، ثم خرجت إلى الباب ففتحته وإذا هو النجار، فلما دخل وسلم عليها قالت له أي شيء هذه الخزائن التي عملتها فقال لها ما لها يا سيدتي فقالت له إن هذه الطبقة ضيقة فقال لها هذه واسعة، فقالت له ادخل وانظرها فإنها لا تسعك، فقال لها هذه تسع أربعة ثم دخل النجار، فلما دخل قفلت عليه الطبقة الخامسة، ثم قامت وأخذت ورقة الوالي ومضت بها إلى الخازندار، فلما أخذها قبلها وأطلق لها الرجل عشيقها من الحبس، فأخبرته بما فعلته، فقال لها وكيف تفعلين؟ قالت له نخرج من هذه المدينة إلى مدينة أخرى وليس لنا بعد هذا الفعل إقامة هنا، ثم جهزوا ما كان عندهما وحملاه على الجمال وسافرا من ساعتهما إلى مدينة أخرى.

فضيحة العشاق

أما القوم فإنهم أقاموا في طبقات الخزانة ثلاثة أيام بلا أكل، فانحصروا لأن لهم ثلاثة أيام لم يبولوا، فبال النجار على رأس السلطان، وبال السلطان على رأس الوزير، وبال الوزير على رأس الوالي، وبال الوالي على رأس القاضي، فصاح القاضي وقال أي شيء هذه النجاسة؟ أما يكفينا ما نحن فيه حتى تبولوا علينا؟ فرفع الوالي صوته وقال عظم الله أجرك أيها القاضي، فلما سمعه عرف أنه الوالي، ثم رفع الوالي صوته وقال ما بال هذه النجاسة؟ فرفع الوزير صوته وقال عظم الله أجرك أيها الوالي، فلما سمعه الوالي عرف أنه الوزير، ثم رفع الوزير صوته وقال ما بال هذه النجاسة؟ فرفع الملك صوته وقال عظم الله أجرك أيها الوزير، ولما سمع الملك كلام الوزير عرفه ثم سكت وكتم أمره، ثم قال الوزير لعن الله هذه المرأة بما فعلت معنا، أحضرت جميع أرباب الدولة عندها ما عدا الملك، فلما سمعهم الملك قال لهم اسكتوا فأنا أول من وقع في شبكة هذه الفاجرة، فلما سمع النجار قولهم قال لهم وأنا أي شيء ذنبي، قد عملت لها خزانة بأربعة دنانير ذهباً، وجئت أطلب الأجرة فاحتالت علي وأدخلتني هذه الطبقة وقفلتها علي، ثم صاروا يتحدثون مع بعضهم وسلوا الملك بالحديث وأزالوا ما عنده من الانقباض.

كسر الأبواب

فجاء جيران ذلك المنزل فرأوه خالياً فقال بعضهم لبعض بالأمس كانت جارتنا زوجة فلان فيه، والآن لم نسمع في هذا الموضع صوت أحد، ولا نرى فيه أنسياً فاكسروا هذه الأبواب وانظروا حقيقة الأمر، لئلا يسمع الوالي أو الملك فيسجننا فنكون نادمين على أمر لم نفعله قبل ذلك، ثم كسر الجيران الأبواب ودخلوا فرأوا خزانة من خشب، ووجدوا رجالاً يئنون من الجوع والعطش فقالوا لبعضهم هل يوجد جني في هذه الخزانة، فقال أحدهم نجمع لها حطباً ونحرقها بالنار، فصاح عليهم القاضي وقال لا تفعلوا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

كشف المستور

وفي الليلة السادسة والخمسين بعد الخمسمئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجيران لما أرادوا أن يحملوا الحطب ويحرقوا الخزانة صاح عليهم القاضي وقال لا تفعلوا ذلك، فقال الجيران لبعضهم إن الجن يتصورون ويتكلمون بكلام الإنس، فلما سمعهم القاضي قرأ شيئاً من القرآن العظيم، ثم قال للجيران ادنوا من الخزانة التي نحن فيها، فلما دنوا منها قال لهم أنا فلان وفلان، ونحن هنا جماعة، فقال الجيران للقاضي من جاء بك هنا، فأعلمنا الخبر من أوله إلى آخره، فاحضروا لهم نجاراً ففتح للقاضي خزانته وكذلك الوالي والوزير والملك والنجار وكل منهم بالملبوس الذي عليه. فلما طلعوا نظروا لبعضهم وصار كل منهم يضحك على الآخر، ثم خرجوا وطلبوا المرأة فلم يقفوا لها على خبر وقد أخذت جميع ما كان عليهم، فأرسل كل منهم إلى جماعته يطلب ثياباً، فأحضروا لهم ملبوساً ثم خرجوا مستورين به على الناس، فانظر يا مولانا الملك هذه المكيدة التي فعلتها هذه المرأة مع هؤلاء القوم. وإنما ذكرت لك ذلك لتحقق غفلة النساء وسخافة عقولهن وسوء تدبيرهن، فلا تسمع قولها وتقتل ولدك مهجة قلبك وتمحو ذكرك من بعدك فانتهى الملك عن قتل ولده. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

حارسة الحمام

وفي الليلة السابعة والخمسين بعد الخمسمئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك انتهى عن قتل ولده فلما كان في اليوم السابع حضرت الجارية صارخة بين يدي الملك وأضرمت ناراً قالت له إن لم تنصفني من ولدك ألقيت نفسي في هذه النار، فقد كرهت الحياة وقبل حضوري كتبت وصيتي وتصدقت بمالي وعزمت على الموت فتندم كل الندم كما ندم الملك على عذاب حارسة الحمام فقال لها الملك وكيف كان ذلك. فقالت له الجارية: بلغني أيها الملك أن امرأة كانت عابدة زاهدة ناسكة وكانت تدخل قصر ملك من الملوك يتبركون بها، وكان لها عندهم حظ عظيم فدخلت يوماً من الأيام ذلك القصر على جري عادتها وجلست بجانب زوجة الملك فناولتها عقداً قيمته ألف دينار، وقالت لها يا جارية خذي هذا العقد عندك واحرسيه حتى أخرج من الحمام فآخذه منك، وكان الحمام في القصر فأخذته الجارية وجلست في موضع في منزل الملكة حتى تدخل الحمام الذي عندها في المنزل وتخرج، ثم وضعت ذلك العقد تحت سجادة وقامت تصلي فجاء طير وأخذ العقد وجعله في شق من زوايا القصر، وقد خرجت الحارسة لحاجة تقضيها وترجع ولم تعلم بذلك، فلما خرجت زوجة الملك من الحمام طلبت العقد من تلك الحارسة فلم تجده، وجعلت تفتش عليه فلم تجد له خبراً، ولم تقع له على أثر فصارت الحارسة تقول والله يا بنتي ما جاءني أحد، وحين أخذته وضعته تحت السجادة، ولم أعلم هل أحد من الخدم عاينه واستغفلني وأنا في الصلاة وأخذه والعلم في ذلك لله تعالى فلما سمع الملك بذلك أمر زوجته أن تعذب الحارسة بالنار والضرب الشديد.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

حديث العجوز وولد التاجر

في الليلة الثامنة والخمسين بعد الخمسمئة قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك لما أمر زوجته أن تعذب الحارسة بالنار والضرب الشديد عذبتها بأنواع العذاب، فلم تقر بشيء ولم تتهم أحداً، وبعد ذلك أمر الملك بسجنها وأن يجعلوها في القيود فحبست، ثم جلس الملك يوماً من الأيام في وسط القصر والماء محدق به وزوجته بجانبه، فوقعت عينه على طير وهو يسحب ذلك العقد من شق من زوايا القصر، فصاح على جارية عنده فأدركت ذلك الطير وأخذت العقد منه، فعلم الملك أن الحارسة مظلومة فندم على ما فعل معها وأمر بإحضارها، فلما حضرت أخذ يقبل رأسها ثم صار يبكي ويستغفر ويتندم على ما فعل معها، ثم أمر لها بمال جزيل فأبت أن تأخذه ثم سامحته وانصرفت من عنده، وأقسمت على نفسها ألا تدخل منزل أحد، وساحت في الجبال والأودية تعبد الله تعالى إلى أن ماتت. فانظر أيها الملك كيد الرجال للنساء، وأنا لن أرجع عن حقي إلى أن أموت، فأمر الملك بقتل ولده، فدخل الوزير السابع فلما حضر بين يديه قبل الأرض بين يديه، وقال أيها الملك أمهلني حتى أقول لك هذه النصيحة فإن من صبر وتأنى أدرك الأمل ونال ما تمنى، ومن استعجل يحصل له الندم، وقد رأيت ما تعهدته هذه الجارية من تحميل الملك ركوب الأهوال والمملوك المغمور من فضلك وإنعامك ناصح لك، وأنا أيها الملك أعرف من كيد النساء ما لا يعرفه أحد غيري، وقد بلغني من ذلك حديث العجوز وولد التاجر، فقال له الملك وكيف كان ذلك يا وزير؟ وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وإلى اللقاء في حلقة الغد