اختفى الساحر من السينما نحو سبعة أعوام، وعاد في فيلم «ليلة البيبي دول» عام 2008، سيناريو عبدالحي أديب، وإخراج عادل أديب، واحتشد كوكبة من النجوم في هذا الشريط السينمائي، منهم نور الشريف وليلى علوي ومحمود حميدة وسلاف فواخرجي وجميل راتب وجمال سليمان وغادة عبدالرازق وأحمد مكي، ووضع الموسيقى التصويرية للفيلم الموسيقار ياسر عبدالرحمن.

وجسَّد عبدالعزيز شخصية «حسام» المرشد السياحي المصري الذي يعمل في أميركا، والعائد من جديد إلى مصر مع فوج سياحي في ليلة رأس السنة الميلادية لزيارة المعالم السياحية في القاهرة، وينتهز المرشد الفرصة للقاء زوجته «سميحة» وتتابع الأحداث عبر خيوط درامية متشابكة لأشخاص تزامن وجودهم في ليلة الكريسماس.

Ad

وعن ذكرياته مع «ليلة البيبي دول»، قال المخرج عادل أديب، إنه وشقيقيه الإعلاميين عماد الدين أديب وعمرو أديب، أرادوا تحقيق وصية والدهم السيناريست الراحل عبدالحي أديب، بظهور هذا الفيلم، والأمر الثاني هو عودة النجم محمود عبدالعزيز إلى السينما، بعد غياب أكثر من سبعة أعوام منذ فيلمه «الساحر» مع المخرج رضوان الكاشف، وأنه أثناء فترة التحضير طلب مشاركة النجمين نور الشريف ومحمود عبدالعزيز، بينما بقية النجوم تحمسوا للمشاركة في الفيلم.

وطار الساحر مع نجوم وصناع الفيلم إلى مهرجان «كان» السينمائي في دورته الحادية والستين، ولاحقتهم ومضات آلات التصوير أثناء وقوفهم على السجادة الحمراء، وعُرض «ليلة البيبي دول» في قاعة سينما «ستار» ضمن الأفلام المشاركة بالمهرجان، وخلال تقديم الفيلم والنجوم على خشبة المسرح، قال عماد الدين أديب، إنه سعيد لأنه حقق ثلاثة إنجازات، أولها وصية والده والثاني عودة محمود عبدالعزيز إلى أضواء السينما، أما الإنجاز الثالث فهو عودة عادل أديب إلى الإخراج بعدما توقف وأعلن اكتئابه من الواقع السينمائي الذي كاد أن يحبط أحلامه الفنية.

إبراهيم الأبيض

وكان الساحر على موعد في عام 2009 مع فيلمه الأخير «إبراهيم الأبيض» مع النجم أحمد السقا والسيناريست عباس أبوالحسن وإخراج مروان حامد، وجسد خلاله دور زعيم عصابة «عبدالملك زرزور»، ودارت أحداث الفيلم في أجواء من العنف والمعارك الدامية، وأثار الجدل حول فكرته الرئيسية، ومدى اقترابها من الواقع الاجتماعي في مصر.

وتردد أن «الساحر» قد أصيب بصدمة شديدة بعد عرض فيلم «إبراهيم الأبيض»، بسبب حذف الكثير من مشاهده فيه، دخل بعدها في عزلة وأطلق لحيته لعدة أشهر، ولكنه قام في العام نفسه ببطولة الفيلم القصير «النشوة في نوفمبر» عن قصة للأديب العالمي نجيب محفوظ، وسيناريو وإخراج عايدة الكاشف، وشاركت في بطولته الفنانة فرح يوسف، ويحكي عن رجل في الستين، يقرر في يوم من الأيام الاستمتاع بحياته كما يحلو له، ومهما كانت العواقب.

رأس الغول

ترك الساحر بصمة متفردة في الدراما التلفزيونية، وأبرزها مسلسل «رأفت الهجان» و»الدوامة» و»البشاير» و»محمود المصري» وكان آخر أعماله «رأس الغول» 2016، تأليف شريف بدرالدين ووائل حمدي وإخراج أحمد سمير فرج، وشارك في البطولة كوكبة من النجوم منهم ميرفت أمين وفاروق الفيشاوي وسناء شافع ولقاء الخميسي وبيومي فؤاد وصبري عبدالمنعم، ومحمد محمود ومحمد شاهين. وقام عبدالعزيز بدور «فضل الغول» الذي يعثر على جهاز مسروق، ويتورط في سلسلة متشابكة من العقبات وخلال محاولة هروبه يواجه الكثير من مشاكل ماضيه الغامض.

وأثار الساحر موجة من القلق قبل عرض مسلسل «رأس الغول» عندما كتب تغريدة على حسابه الشخصي بموقع «تويتر»، قال فيها «رأس الغول سيكون آخر عمل لي في رمضان، أتمنى من ربنا أن يعجبكم» وهو ما تسبب في ضجة، وتناول البعض الأمر على كونه بمثابة إعلان الاعتزال من قبل الفنان محمود عبدالعزيز، وكان قد استهل دخوله في العالم الافتراضي بجملته الشهيرة «حد ليه شوق في حاجة؟» من فيلم «إبراهيم الأبيض».

الساحر والوصية

عمل الفنان محمود عبدالعزيز بوصية والده، وكرَّس حياته لفنه، وتزوج من السيدة جيجي زويد، والتي خفق قلبه نحوها، عندما رآها في إحدى المناسبات، وعلم أنها شقيقة صديقه، وطلب منها الزواج في أثناء العرض الخاص لفيلم «المتوحشة» بعدما تأكد من مشاعره نحوها، وأنجب منها كريم ومحمد، ورغم انفصالهما كان يقول عنها: «هي أم أولادي ولا أنسى السنين الطويلة والعشرة الطيبة التي كانت تجمعنا».

وعلى الرغم من وقوع العديد من الأزمات بينهما على مدى عشرين عاماً قضياها معاً، فإنها ظلت تحبه حتى آخر دقيقة، وساعدته خلال مشواره الفني ولم تتخل عنه، حتى إنها رافقته، قبل انفصالهما بفترة قصيرة، في رحلته العلاجية إلى فرنسا التي أجرى فيها جراحة خطيرة.

وبعد انفصالهما أعلن زواجه من الإعلامية بوسي شلبي عام 1998 بعد عودته من رحلته العلاجية في فرنسا، وكان على معرفة مسبقة بها، وكانت دائماً تقول له إنه «فتى أحلامها الأوحد»، وكان يستقبل كلامها على سبيل المزاح، وبعد شهر ونصف من الزواج انفصل عنها لخلافات بينهما، ولكنهما عادا مجدداً، واستمر معها حتى وفاته في 12 نوفمبر عام 2016.

مشكلات في التنفس

وقبل وفاته بنحو عشرين عاماً كان عملاق التمثيل يعاني آلاما لم يفهم سببها في البداية، وسافر إلى فرنسا لإجراء فحوصات طبية، وقيل إنه كان يعاني نقصا في نسبة الهيموجلوبين في الدم، كما يعاني وجود أنسجة داخل الفم أدت إلى تورم باللثة، وتمت إزالته جراحياً، لكنه ظل يعاني مشكلات في التنفس.

وفي إحدى اللقاءات الصحافية، حكى صانع البهجة قصته مع متاعب صحية أخرى، بقوله: «في مطلع ديسمبر عام 1997 شعرت أثناء وجودي في سورية لتكريمي هناك بآلام شديدة وقام الأطباء بتشخيص حالتي على أنها التهاب في القولون وتضاعفت الآلام بعد عودتي للقاهرة فأجريت فحوصات طبية وتبين وجود كيس مائي على البنكرياس، وهي حالة نادرة تحدث كما أكدوا لي مرة في المليون، ويبدو أنني متخصص مع الحالات النادرة حيث سبق وعانيت حمى البحر المتوسط، وهي أيضاً نادرة وبعد أن أكد لي الاطباء وجود الكيس المائي سافرت لفرنسا وأكدت التحاليل والأشعة حقيقة التشخيص، فأجريت جراحة استغرقت خمس ساعات ورغم معاناتي من المرض فإن الشائعات التي أطلقت وقت سفري ضاعفت آلامي».

وعن علاقته بأبنائه، قال: «أنا مثل أي أب قمت بتوجيه النصيحة لهم بالابتعاد عن المهنة بسبب متاعبها الكثيرة وعموماً لم تبرز أي مواهب لدى أحد منهم سوى كريم الذي وجدت لديه إصراراً كبيراً على خوض التجربة، وأكبر دليل على عدم وقوفي ضده هو اشتراكه معي في فيلم «البحر بيضحك ليه».

ولا يزال الفنان كريم محمود عبدالعزيز يحرص على إحياء ذكرى ميلاد والده، والتي تحل يوم 4 يونيو سنوياً، مطالباً جمهوره بالدعاء له. ونشر عبر حسابه على موقع تبادل الصور «إنستغرام، صورة تجمعه بوالده، وعلق قائلاً: «أرجو الدعاء لوالدي.. ولكل من افتقدناهم».

الكوميديا السوداء

وأكثر ما يميز رحلة محمود عبدالعزيز، تفوقه في تقديم «الكوميديا السوداء»، فلم يتخذ الضحك مجرد تسلية له، بل هدفا يفتش في ثناياه بين الشائك والمتأزم ويتنبأ من خلاله بالمستقبل، فقد خاطب في أعماله فئتي «الثلاثينيات والأربعينيات» هذه المرحلة العمرية التي ناقش فيها الفنان الكثير من الأزمات، والتي كان «الفقر» هو الخط الرئيس المحرك لأحداثها، مع اختلاف وتنوع الظروف.

التلقائية أحد المقومات التي لا يحملها إلا قلة من زملائه، هذه الصفة لم تجعله محبوباً فقط لدى جمهوره، بل امتدت حتى إلى العاملين البسطاء معه في مواقع التصوير، حتى بات الساحر صديقاً لهم طوال فترة تصوير أي عمل فني، وحتى بعد فراقه يبقى محمود عبدالعزيز تجربة فنية ثرية، مليئة بالرؤى السياسية والاجتماعية، لم يتعكر صفو علاقة الحب بينه وبين الملايين من محبيه طيلة حياته.

الناقد الكبير الدكتور صلاح فضل، قال في تصريحات صحافية عقب وفاة الساحر: «محمود عبدالعزيز، فنان عظيم في تاريخ السينما العربية، لأنه كان يتميز باختياراته الدقيقة للأدوار والمواقف الإنسانية ذات الطابع الفكري والفلسفي والجمالي».

وأضاف: «لقد أبدع إلى أقصى مدى في الأدوار الوطنية، والدينية، والشعبية، وكان التنوع هو السمة الأساسية في تجسيداته للنماذج البشرية العاتية، وكان يقدم في هذه التجسيدات مشاهد لا يمكن للمتلقي أن ينساها، بطريقة عبقرية تجعله من صناع الصورة السينمائية المتميزة وأصحاب الأدوار الخالدة، مثل شخصية الشيخ حسني في (الكيت كات)، وشخصية رأفت الهجان، وشخصياته في المسلسلات التلفزيونية تدخل تاريخ الشاشات العالمية».

وتابع فضل: «أعتقد أنه عندما تترجم الأفلام المصرية إلى اللغات الأخرى يأخذ نجومنا المبدعون الكبار أمثال محمود عبدالعزيز مكانتهم في السينما العالمية، حظ هذا الجيل أنه جاء في عصر الصورة فأصبح عصياً على النسيان، سوف تظل تعرض أفلام عبدالعزيز ويظل حياً افتراضياً إلى الأبد، فالتقدم التكنولوجي ضمن لكبار المبدعين هذا الخلود الحقيقي وليس الأدبي أو الاعتباري فقط».

وصية ماء البحر

أما الفنان سمير صبري فقال عنه في تصريحات سابقة: «كان أباً مثالياً، وساندته حتى آخر أيامه زوجته وصديقتي بوسي شلبي، ومنذ عشرين عاماً أصيب بشىء في معدته، وشك الأطباء بأنه يعاني من مرض السرطان، وسافرت معه إلى باريس».

وتابع قائلاً: «خلال تواجدنا في الطائرة أوصاني بأنه إذا لم يعد حياً، أن يتم دفنه في الإسكندرية وأن يتم رش مياه البحر على قبره»، وواصل صبرى حديثه: «وظل في المستشفى لمدة 6 أيام لإجراء فحوصات، ثم العملية، وبعد شفائه دخلت عليه ومعي زوجته الأولى وشقيقه، فضحك وقال ضاحكاً: (يبدو أنه لن يتم رش الماء الآن)».

ظهور الفنان الراحل في شوارع الإسكندرية!

فوجئ جمهور الفنان الراحل محمود عبدالعزيز بانتشار صوره في شوارع مدينة الإسكندرية، وذلك ضمن المبادرة التي أطلقت هذا العام تحت عنوان «إسكندرية تستاهل... شخصيات سكندرية» تزامناً مع استعدادها للاحتفال بعيدها القومي يوم 26 يوليو.

من جانبها، علقت الإعلامية بوسي شلبي، أرملة الفنان الراحل على هذه المبادرة قائلة: «الإسكندرية ترفع صور ابنها الغالي، شكراً محافظ الإسكندرية، وأهلها الغالين».

جوائز وتكريمات في مشوار «الساحر»

قدم النجم محمود عبدالعزيز أكثر من 100 عمل فني بين أفلام ومسرحيات ودراما تلفزيونية وإذاعية، ونال خلال مشواره الفني العديد من الجوائز والأوسمة من مختلف المهرجانات الدولية والمحلية، منها جائزة أحسن ممثل من مهرجان دمشق السينمائي الدولي، ومهرجان الإسكندرية السينمائي عن فيلم «الكيت كات»، وجائزة أحسن ممثل من مهرجان زنجبار السينمائي الدولي عن فيلم «القبطان»، كما حصل على جائزة أحسن ممثل من مهرجان مسقط عن فيلم «الساحر»، وجائزة أحسن ممثل من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن فيلم «سوق المتعة»، فضلاً عن تكريمات عديدة لاسمه بعد رحيله.