صرخة طفل تكشف غموض جريمة منتصف الليل
حل لغز اختفاء شاب من عربة سائق عجوز
اعتاد السائق العجوز «حسني» جولاته الليلية بسيارته في شوارع القاهرة، ورأى أنها أفضل من التجول في الازدحام المروري خلال ساعات النهار، وفي كل يوم تتغير الوجوه، ويقطع المسافات في جولات تنتهي مع شروق الشمس، ويعود إلى مسكنه لينام حتى الظهيرة، ويسرع في الخروج إلى الشارع، لاسيما أن حياته أصبحت فارغة بعد وفاة زوجته، وانشغال أولاده بأسرهم، حتى جاءت ليلة تسارعت أحداثها الغريبة، ليجد نفسه شاهداً رئيسياً في جريمة قتل.
قالت الأم لابنها: لا داعي للخروج الليلة مادمت تركت العمل، ولكن وجدي أقنعها بأنه سيجلس مع أصدقائه في المقهى، ولن يتأخر لأنه سيتسلم عملاً جديداً في أحد المولات وسط القاهرة، وحين أغلق باب الشقة خلفه، ساورها قلق على ابنها الوحيد، وشعرت أنه يكذب عليها، وحاولت أن تطرد هذه الهواجس عن تفكيرها، وجلست أمام شاشة التلفزيون، وسرعان ما غلبها النوم.
قالت الأم لابنها: لا داعي للخروج الليلة مادمت تركت العمل، ولكن وجدي أقنعها بأنه سيجلس مع أصدقائه في المقهى، ولن يتأخر لأنه سيتسلم عملاً جديداً في أحد المولات وسط القاهرة، وحين أغلق باب الشقة خلفه، ساورها قلق على ابنها الوحيد، وشعرت أنه يكذب عليها، وحاولت أن تطرد هذه الهواجس عن تفكيرها، وجلست أمام شاشة التلفزيون، وسرعان ما غلبها النوم.
بدت حياة وجدي غير مستقرة، فقد اكتفى بحصوله على مؤهل متوسط، حتى لا يرهق أمه بمصاريف الدراسة، والتي لا تملك سوى معاش والده المتوفى، وتنقل بين عمل وآخر، حتى يساعدها في نفقات البيت، ولكن حلم الزواج تأخر كثيرا، وقد بات على مشارف الثلاثين، ورغم الفرص المواتية للسفر إلى الخارج، فإنه قرر البقاء مع والدته، وعرف طريقه إلى عالم المخدرات والسموم، وبات على حافة الهاوية. جلس وجدي مع صديقيه في المقهى، وكان قد انتهى بهم الحال من متعاطين للسموم إلى تجار صغار يقتحمون هذا العالم المليء بالشرور والآثام، ويتقاسمون أرباحهم بعيداً عن الأنظار، وغالباً ما يقضون سهراتهم في الملاهي الليلية، وظل الأمر سراً بينهم، وهم يوزعون بضاعتهم في مناطق بعيدة عن الحي الشعبي الذي يقطنون فيه، ويعودون مرة أخرى بما حصدوه من بضاعتهم المحظورة. في تلك الليلة أغلق وجدي هاتفه، حتى لا يجيب عن اتصالات والدته، وانطلق مع صديقيه إلى شارع الهرم لقضاء سهرة في ملهى ليلي، ولكن الصديقين اقترحا عليه أن يقطعا السهرة، ويذهبا إلى مكان على ضفاف القاهرة، ليتقاسموا نصيبهم من بيع المخدرات بعيداً عن الأنظار، ورحب وجدي بالفكرة، وطلبوا منه دفع ثمن المشروبات، وبعد دقائق استقلوا سيارة السائق العجوز، وطوال الطريق كانوا يتبادلون الضحكات والتعليقات الساخرة.
الهاتف المغلق
عندما استيقظت الأم من نومها، لم تجد وجدي في غرفته، وكانت الساعة قد تجاوزت التاسعة صباحاً، وحاولت الاتصال به، فوجدت هاتفه مغلقا، وتملكها القلق من جديد، وحارت ماذا تفعل، لاسيما أنه أخبرها بتسلمه اليوم عملا جديدا، وربما استيقظ مبكراً، ولم تشعر به، وأعادت الاتصال به أكثر من مرة، وفقدت قدرتها على الاحتمال، وانهارت أعصابها تماما، وهاتفت شقيقها لتخبره بهواجسها، لكنه حاول تهوين الأمر عليها، فقاطعته غاضبة: "تعالى بسرعة لتبحث عنه أنا خائفة أن يكون حدث له مكروه".في صباح هذا اليوم، مشى الطفل بين المقابر، باعتبارها أقصر الطرق للوصول إلى الشارع الرئيسي، وتسمرت قدماه وأطلق صرخة مدوية، عندما رأى جثة شاب ملقاة على الأرض، وعاد مسرعاً إلى ناحية مسكنه، وتجمع بعض الأهالي، وأخبرهم بما رآه، وعلى الفور هرعت سيارة الشرطة إلى مكان الحادث، وبعد دقائق كانت عربة الإسعاف تحمل المجني عليه إلى المستشفى.بدت الجريمة غامضة، وأظهرت التحريات أن الشاب القتيل ليس من سكان المنطقة، وأنه تعرض للضرب بآلة حادة، هشمت رأسه ووجهه، وبات من الصعب التعرف على هويته، وأثبتت المعاينة أن الجريمة وقعت بدافع السرقة، وأن الجاني لم يترك أثراً وراءه، واتسعت دائرة البحث في البلاغات المقدمة عن مفقودين، لحصر الأوصاف المطابقة للمجني عليه، والعثور على أول خيط لكشف ملابسات هذه الجريمة البشعة. كان الضابط المكلف يصارع الوقت لكشف غموض هذه الجريمة، وأفاد تقرير الطب الشرعي بأن الوفاة حدثت قبل العثور على القتيل بعدة ساعات، ويرجح وقوعها بعد منتصف الليلة السابقة، وبات من المؤكد أن هذه القضية ستنتقل إلى دائرة أخرى، فور اكتشاف ملابسات الحادث، مادام لم يتقدم أحد أهالي المنطقة ببلاغ عن اختفاء شاب تتطابق مواصفاته مع المجني عليه، ولم يكن من السهل قيد الحادث ضد مجهول، دون اكتمال التحريات اللازمة، وتحديد هوية القتيل. مضت الساعات بطيئة على والدة وجدي، رغم طمأنة شقيقها لها بأن ابنها سيعود في أي وقت، وربما فقد هاتفه، أو يبيت عند أحد أصدقائه، وأنها اعتادت غيابه عن المنزل قبل ذلك، ولكن الأم لم تطق صبرا، وهرعت إلى أقرب قسم شرطة وأبلغت عن اختفاء ابنها، وأدلت بتفاصيل كاملة عن هيئته وملامحه قبل مغادرة المنزل، ووعدها مأمور القسم بالعثور على المفقود في أقرب وقت، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، وطلب منها أن تترك عنوان مسكنها ورقم هاتفها. في صباح اليوم التالي، ذهبت الأم برفقة شقيقها وأفراد الشرطة إلى المستشفى، وقد خارت قواها تماماً، ولم تعد تحتمل قسوة ما تسفر عنه اللحظات القادمة، وكاد يغشى عليها، فور رؤيتها جثة مغطاة بملاءة بيضاء، وأطلقت صرخة مدوية، هزت أرجاء الغرفة، وظلت تهذي بكلمات موجعة عن ابنها الوحيد، وتتشبث به، بينما حاول الحضور التخفيف عنها، وحملها على الخروج، وقد تأكد لرجال الأمن العثور على أول خيط لحل لغز هذه الجريمة.الشاهد والورطة
توقفت العربة عند الطريق المؤدي إلى المقابر، ونزل منها الركاب الثلاثة، وقال أحدهم للسائق العجوز: "خمس دقائق وسنعود" ولم يستطع حسني الاعتراض، لاسيما أنه في مكان بعيد عن العمران، والساعة تجاوزت منتصف الليل، وبدأ القلق يساوره في أمر هؤلاء الشباب، وكيف أنهم طوال الطريق لا يكفون عن الضحك والسخرية، وفجأة ظهر اثنان، وركبا السيارة، وطلبا منه التحرك بلهجة حادة، والعودة مرة أخرى إلى أحد الملاهي الليلية بشارع الهرم. ولاحظ السائق أن الشابين ظلا صامتين في طريق العودة، ولم يجرؤ على سؤالهما عن صديقهما الثالث، وسرى التوتر في داخله، واستشعر أن هناك حادثا غامضا وراء اختفاء الشاب، وربما لو استفسر منهما عما حدث، لعرّض نفسه للخطر، ووضحت الصورة تماما، عندما وقف بالسيارة أمام الملهى الليلي، وأعطاه أحدهما بضعة جنيهات، ومال برأسه داخل النافذة والشرر يتطاير من عينيه، وقال بصوت يملؤه الوعيد: "اذهب إلى حالك مع السلامة" ولم ينتظر حسني أكثر من ذلك، وانطلق بسيارته إلى منزله. في الطريق زفر السائق بارتياح، وشعر أنه أفلت من كارثة، ولكنه استسلم لهاجس يكبله ببطء، ويسلبه الشعور بالأمان، وسيطرت عليه فكرة واحدة، أن الشابين وراءهما سر خطير، وان اختفاء ثالثها لا يوحي أن الأمر طبيعي، ولكن ماذا يفعل وقد قضي الأمر، وانتهت أصعب ليلة في حياته، وفكّر هل في الأمر جريمة أم ان الشاب المختفي من سكان هذه المنطقة النائية على أطراف القاهرة، وماذا لو ذهب ثانية إلى هذا المكان، واكتشف أنه محاصر في دائرة الاشتباه، ولم يصدق أحد روايته عن الركاب الثلاثة، وأدرك أنه من المستحيل أن يعود إلى الملهى الليلي وينتظر خروجهما، وحتى لو أبلغ الشرطة، فربما كانا يضللاه وذهبا إلى مكان آخر، وساعتها سيحاصره الاتهام بالبلاغ الكاذب. أطاحت التساؤلات الحائرة برأس السائق العجوز، وعاد إلى الوحدة التي يفر منها، واستبد به الأرق حتى مطلع الصباح، وراودته من جديد فكرة إبلاغ الشرطة عن الشابين، أو الذهاب إلى المكان الذي اختفى فيه صديقهما الثالث، والتأكد من صدق هواجسه، ولكن الإعياء ألم بجسده الواهن، واستسلم لنوم متقطع حتى وقت الظهيرة، وخايلته معاناة أخرى مع أحلام مفزعة، وحين استيقظ غمره القلق والتوتر، وظل يدور في أنحاء الشقة على غير هدى، ولم يجد لديه رغبة في تناول الطعام، وقرر أن يذهب إلى المقهى، وهناك يفكر في حل مناسب للخروج من هذه الورطة. مضى الوقت بطيئاً، وقرر حسني أن يأخذ إجازة، ويذهب إلى زيارة أحد أولاده، لكنه عدل عن الفكرة، وقرر أن ينفرد بنفسه، ويشغل نفسه بأي شيء، وبعد سنوات طويلة فكر أن يرتاد أحد دور السينما حتى يخفف من حدة توتره، وتذكر أنه منذ الليلة الفائتة لم يتناول شيئا سوى بعض أكواب الشاي، واتجه إلى أحد المطاعم، ثم مشى على قدميه في اتجاه الكورنيش، وقطع الطريق إلى ميدان التحرير بوسط القاهرة، ورغم شعوره بالتعب، واصل سيره إلى شارع قصر النيل، وتوقف أمام دار سينما تعرض فيلما أجنبيا، وقطع تذكرة، وجلس في قاعة العرض، وحين أطفئت الأنوار، تعلقت عيناه بالشاشة، بينما رأسه تدور بأحداث الليلة الماضية. كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة مساء، عندما خرج من دار السينما، واتجه إلى أقرب منفذ لبيع الصحف، واشترى عدة جرائد، ثم عرج إلى مقهى، وأخذ يتصفح جريدة تلو أخرى، حتى رأى خبر العثور على جثة شاب بين المقابر في ضاحية على أطراف القاهرة، وظلت عيناه تتفحص ملامح القتيل، وتأكد أنه الشاهد الوحيد، وبخطى ثقيلة توجه إلى أقرب قسم للشرطة، وطلب مقابلة الضابط المسؤول، للإبلاغ عن تفاصيل ليلة الجريمة. كان الضابط ينصت باهتمام لشهادة السائق حول ملابسات الجريمة، وكيف استوقفه الشبان الثلاثة من أمام أحد الملاهي الليلية في شارع الهرم، وطلبوا منه التوجه إلى هذه المنطقة مقابل ما يريده من نقود، وفي الطريق كانوا يطلقون ضحكاتهم وتعليقاتهم الساخرة، مما أزال الارتياب من نفسه، وأنهم مجرد ركاب صغار السن، ولكن هذا الشعور تغير بمجرد اختفاء أحدهم، ووقع الشاهد العجوز على أقواله، بعد أن أدلى بتفاصيل دقيقة عن الشابين الهاربين.أفكار شيطانية
في ليلة الجريمة، افترق الشابان بعد انتهاء سهرتهما في الملهى الليلي، وقد اتفقا على الهروب خارج البلاد، لاسيما أنهما خططا لجريمتها دون وازع من ضمير، وغدرا بصديق عمرهما من أجل استكمال المبلغ اللازم للهرب، وأدار الشيطان رأسيهما بتنفيذ خطتهما، ولم يكن لديهما الوقت الكافي لجلب حقائبهما، لاسيما أن أمامهما رحلة محفوفة بالمخاطر، وسيسلكان طرقا وعرة حتى يصبحا في مأمن من الوقوع في قبضة الشرطة. وعلى الجانب الآخر، أفادت التحريات بأن المجني عليه كانت تربطه صداقة بشابين من جيرانه، وأن الثلاثة كانوا عاطلين عن العمل، واعتادوا التردد على أحد المقاهي، وفي ليلة الجريمة اختفوا عن الأنظار، وبمعاينة مسرح الجريمة مرة أخرى، بحضور السائق العجوز، وسؤال العاملين بالملهى الليلي، تطابقت أوصاف الشهود مع شهادة السائق، وبات القبض عليهما وشيكا، ووزعت نشرة تفصيلية في كافة دوائر الشرطة، للقبض عليهما قبل هروبهما خارج البلاد. وتسارعت الأحداث بالقبض على الشابين في أحد الكمائن، وترحيلهما إلى قسم الشرطة التابعين له، وعثر معهما على هاتف المجني عليه، وكان قد تخلصا من متعلقاته الشخصية، حتى يضللا العدالة، ويكسبا وقتا كافيا قبل انكشاف غموض جريمتهما، وبمواجهتهما بأقوال الشهود، أغلقت عليهما دائرة الاتهام، ولم يجدا مفرا من الاعتراف بقتلهما صديق عمرهما، وتعللا بأنهما كانا في حالة سكر بيِّن، نتيجة تعاطي الأقراص المخدرة، وأمر المحقق بحبسهما إلى حين استكمال التحقيق.ولجأ المحقق إلى حيلة لانتزاع اعترافهما بالقتل العمد، حين طلب أن يمثل المتهمان كل على حدة، وأظهرت التحقيقات أنهما خططا لجريمتهما قبل أن يذهبا مع المجني عليه إلى الملهى الليلي، وقاما باستدراجه إلى المنطقة النائية، وانهالا عليه بالطعنات بآلة حادة، وتركاه مضرجا في دمائه، ويلفظ أنفاسه الأخيرة، وبمواجهتهما بالسائق العجوز، أقر أنهما الشابان اللذان ركبا معه سيارته بعد اختفاء صديقهما، وبعد استكمال محضر التحقيق في قسم الشرطة، اقتيد المتهمان إلى سراي النيابة لمباشرة التحقيق معهما، تمهيداً لتحويلهما إلى المحكمة.
الأصدقاء الثلاثة يختفون عن الأنظار بعد مغادرة الملهى الليلي
اعترافات مثيرة لسائق التاكسي عن اختفاء راكب بين المقابر
غياب الابن الوحيد عن منزله ينتهي بانهيار الأم فوق جثة هامدة
القاتلان يستدرجان صديق عمرهما إلى هاوية السموم والمخدرات
اعترافات مثيرة لسائق التاكسي عن اختفاء راكب بين المقابر
غياب الابن الوحيد عن منزله ينتهي بانهيار الأم فوق جثة هامدة
القاتلان يستدرجان صديق عمرهما إلى هاوية السموم والمخدرات