عقب الاجتماع الأوّل للحكومة العراقية الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، تأججت التظاهرات في الشارع من جديد، لكن يبدو هذه المرة أن من يقف وراءها أحزاب مقربة من إيران هدفها اختبار رئيس الحكومة، الذي يعتبر أكثر رئيس حكومة قرباً من واشنطن يتسلم إدارة البلاد منذ سنوات.وبعد 72 ساعة فقط من نيل الكاظمي ثقة البرلمان، خرج المتظاهرون، في عدة مدن بمحافظات الوسط والجنوب، وجابوا الشوارع، منددين ببقاء "الفاسدين والسارقين" بالسلطة وعدم محاسبتهم، واستمرار تردي الواقع الخدمي والمعيشي.
وفي حين ترافقت الاحتجاجات بمحافظات ذي قار وواسط والمثنى مع أعمال عنف، شهدت ساحة التحرير وجسر الجمهرية وسط بغداد تجمعا لمئات المحتجين مطالبين بالإصلاح ومحاسبة المتسببين بقتل المتظاهرين.وبينما انتشر العشرات في ساحة البهو وسط مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، وأحرقوا الإطارات في الشوارع، أطلقت القوات الأمنية الغاز المسيل للدموع لتفريقهم، وأغلقت عدداً من الطرق تحسباً لتوسع رقعة المصادمات، في حين مازال العشرات من المتظاهرين.ورغم الانتشار الأمني الكبير، قام المئات بتطويق مبنى محافظة واسط، واقتحموا عدداً من مقرات الأحزاب في مدينة الكوت وأحرقوا مقر "منظمة بدر" ومنزل النائب عن كتلة "صادقون" سعد الميالي، في حين قطع آخرون طريق الديوانية- النجف الرئيسي، بالإطارات المشتعلة، كما تجمع العشرات في فلكة التربية المركز الرئيسي للتظاهرات في محافظة كربلاء.وأنهى مجلس النواب حالة من الجمود دامت عدة أشهر، بمنحه خلال جلسة عقدها الخميس الماضي الثقة لحكومة الكاظمي، الذي يُنظر إليه على أنّه رجل واشنطن في بغداد، قبل أن يكوّن لاحقاً علاقات مع إيران أيضاً.وصوتت "كتلة الفتح"، التي يتزعمها هادي العامري باستثناء ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، لمنح الثقة للحكومة. وكان فصيل "حزب الله- العراق" انفرد بمعارضة تكليف الكاظمي واتهمه بالتورط في اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني وأبومهدي المهندس أقرب حلفائه العراقيين وأحد مؤسسي فرع "حزب الله" بالعراق، بغارة على مطار بغداد في يناير الماضي. والكاظمي هو ثالث شخص يكلّف بتشكيل حكومة منذ استقالة عادل عبدالمهدي، وهو أول رئيس وزراء يستقيل قبل نهاية فترته منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، إثر مظاهرات حاشدة للمطالبة بإيجاد فرص عمل وتنحي النخبة الحاكمة.
وعود جديدة
في المقابل، تعهّد الكاظمي، الذي ترأس جهاز الاستخبارات خلال أسوأ أزمة اجتماعيّة في العراق منذ نهاية نظام صدّام حسين، بالإفراج عن متظاهرين اعتُقلوا على خلفيّة مشاركتهم في الاحتجاجات الشعبيّة التي خرجت في أكتوبر، واعداً أيضاً بتحقيق العدالة وتعويض أقارب أكثر من 550 قتيلاً.وبعد الاجتماع الأوّل للحكومة الجديدة، توجّه الكاظمي إلى العراقيّين بكلمة متلفزة، مساء أمس الأول، ووعد بـ"تقصّي الحقائق في كلّ الأحداث، ومحاسبة المقصرين بالدم العراقي وتعويض عوائل الشهداء ورعاية المصابين".وتلبية لدعوة الكاظمي، وجه مجلس القضاء الأعلى، على الفور، المحاكم العراقية بإطلاق سراح المعتقلين من المتظاهرين.عودة الساعدي
وقرر الكاظمي، الذي وافق البرلمان الأربعاء على 15 وزيراً من 22، في حكومته، إعادة الفريق الركن عبدالوهاب الساعدي إلى جهاز مكافحة الإرهاب وعيّنه رئيساً له.وخلال أولى المسيرات التي تحوّلت لاحقاً إلى أكبر تظاهرات اجتماعيّة في تاريخ العراق وأكثرها دمويّة، حمل متظاهرون كثيرون لافتات عليها صور الساعدي "بطل" استعادة الموصل من تنظيم "داعش"، والذي استُبعد لاحقاً من منصبه من قِبل عبدالمهدي.وكان عبدالمهدي أقال الساعدي بضغوط إيرانية، حسبما ذكرت تقارير، بعدما ارتفعت شعبية الجنرال الشيعي غير المحسوب على طهران، إثر النجاحات التي حققها جهاز مكافحة الإرهاب الذي يرأسه، خلال الحرب على "داعش".من جهة ثانية، دعا الكاظمي البرلمان إلى اعتماد القانون الانتخابي الجديد الضروريّ لإجراء الانتخابات المبكرة التي وعد بها سلَفه. وشدّد كذلك على أنّ رواتب المتقاعدين ستُدفع قريباً.وأشار إلى "تشكيل خلية أزمة من المختصين في الشؤون الخارجية والعلاقات الدولية لإجراء المباحثات مع الجانب الأميركي الخاصة بمراجعة الاتفاق الاستراتيجي بين البلدين، بما يحمي وحدة وسيادة العراق".وناشد الكاظمي، الذي يواصل المفاوضات مع القوى السياسية من أجل إكمال الحقائب السبعة المتبقية بكابينته، "وسائل الإعلام توخي الدقة والحذر في نقل المعلومات والقرارات الصادرة عن مجلس الوزراء، والاعتماد على المصدر الرسمي"، نافياً كلّ ما أشيع في الأيام الماضية. ورغم أن الكاظمي يعد أقرب رئيس حكومة عراقي إلى واشنطن منذ سنوات، إلا أن الخطوط ليست مقطوعة بينه وبين طهران أو بين فصائل عراقية موالية لها. وأشار تقرير نشرته صحيفة "غارديان"، أمس، أن الكاظمي التقى الأسبوع الماضي وفداً من "حزب الله- العراق"، وتم الاتفاق على "تنظيم الخلاف" بينهما، على قاعدة ألا يعرقل حكومة الكاظمي وكذلك ألا يدعمها.مهام أميركية
ومع تسجيل 24 هجوماً لتنظيم "داعش" بين 15 أبريل والسادس من مايو الحالي، راح ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح، نقلت شبكة "السومرية" عن مصدر أمني أمس أن القوات الأميركية ممثلة بالتحالف الدولي ستعاود القيام بعملياتها في العراق، مشيرة إلى أنها ستقوم بعدة مهام منها الرصد الجوي وتحليل المعلومات وتتبّع تحركات فلول الإرهاب بين صحراء الأنبار والمناطق الجبلية في الشمال، فضلا عن الشريط الحدودي العراقي السوري البالغ أكثر من 600 كليومتر.كما ذكر المصدر أن "الجزء المتعلق بمعاودة الضربات الجوية أيضاً سيكون ضمن أنشطة التحالف الدولي، ويهدف ذلك إلى استدراك الثغرات التي تسبب فيها تراجع عمليات التحالف الدولي خلال حكومة عادل عبدالمهدي".وأضاف: "المعلومات المتوافرة تفيد بأن التحالف الدولي سيركز على دعم القوات العراقية في الجانب الاستخباري، وتقديم استجابة سريعة بالضربات الجوية ضد مخابئ ومواقع تنظيم داعش".ولفت إلى أن "التحالف الدولي لم يوقف نهائياً عمله، لكنه تراجع إلى أدنى حد له، وقبل أيام نفذ ضربة جوية استهدفت معقلا لداعش شمالي العراق، لكنه سيعمل على إعادة التنظيم إلى مستوى لا يشكل به خطرا على المدن المحررة".