ذكر الخبير النفطي طلال البذالي أنه بينما تجد الكويت نفسها عالقة في بؤرة صحية لم تشهدها من قبل إلا أن هناك معضلة اقتصادية قد يصعب حلها إن تأخرت في إيجاد الحلول الناجعة لها.

وقال البذالي، لـ«الجريدة»، «منذ انهيار الأسواق النفطية خلال الشهرين الماضيين بسبب انهيار الطلب العالمي على النفط نتيجة أزمة كورونا من جهة وحرب الأسعار المؤقت من جهة أخرى، فقد تراجع سعر النفط الكويتي إلى مستويات لم نرها منذ عقود».

Ad

وأشار إلى أن عجز الميزانية المقدر بـ9.2 مليارات دينار تم احتسابه على أساس 55 دولارا لسعر البرميل، وهذا العجز قد يصل إلى 20 مليارا إذا واصل سعر النفط أداءه الضعيف، مؤكدا ضرورة التفكير مليا في الوسائل التي قد تلجأ لها الكويت لتحقيق موازنة الدولة العامة لسنة 2020-2021 قبل فوات الأوان، وحتى لا تكون التكلفة عالية جدا على الدولة.

موارد الكويت

وفند موارد الكويت المالية التي يمكن أن يتم استغلالها لتجاوز هذه الأزمة إلى الآتي:

1- إيرادات النفط لسنة 2020-2021 قد تصل إيرادات الكويت النفطية من بيع نفطها الخام لهذه السنة الى 5 مليارات دينار على أساس متوسط 27 دولارا لبرميل النفط الكويتي، وبعد خصم كمية «أوبك» المتفق عليها وكمية النفط المستهلك محليا.

2- إيرادات الدولة غير النفطية (1.5 مليار دينار) مع الأخذ في الاعتبار فقدان جزء منها نتيجة أزمة كورونا.

3- الاحتياطي العام للدولة

قدر الاحتياطي العام للدولة بـ7 مليارات دينار في نهاية 2019، وتم صرف قرابة 700 مليون في بداية السنة لمكافحة أزمة كورونا، إضافة الى هذه السيولة يحتوي الاحتياطي العام على أصول غير سائلة بمقدار 13 مليارا، حسبما تم تداوله في الصحف المحلية.

4- صندوق احتياطي الأجيال القادمة يحتوي هذا الصندوق على ما يقارب 180 مليار دينار، حسب آخر إحصائية في ديسمبر 2019، ولا توجد تقارير رسمية تفصل قيمة الأصول السائلة (الكاش والسندات والأسهم) عن غير السائلة.

5- الأرباح المحتجزة لدى مؤسسات وهيئات الدولة.

حسب التقارير الصحافية وتصريحات المسؤولين في الدولة قد تصل هذه الأرباح الى 8 مليارات دينار.

6- سيولة الدولة لدى البنوك المحلية التي قد تصل الى 20 مليار دينار.

7- الاقتراض المحلي والخارجي.

وأفاد البذالي بأنه بالنظر إلى ما سلف قد تكون الكويت في مأمن من حافة الانهيار الاقتصادي في الوقت الراهن، كون موارد الكويت المالية كفيلة بسد العجز المتوقع إن تمت إدارتها بحكمة اقتصادية وبعيدا عن الأهواء الشخصية ومحاباة الآخرين.

مراحل الحلول

وقسم البذالي الحلول الى مرحلتين: مرحلة أزمة كورونا التي يتوقع أن تنتهي في مارس 2021، ومرحلة ما بعد كورونا.

وعن مرحلة كورونا 20-21، شدد على ضرورة أن تستغل الكويت الأرباح المحتجزة (8 مليارات دينار)، حيث إنها لا تكلف الدولة شيئا، وفي الوقت نفسه لا تفوت على الكويت فرصا استثمارية خلال الـ8 أشهر المقبلة، لافتا الى أن اقتصاد العالم في انهيار ولن يتحسن قبل الربع الثاني من 2021.

واضاف انه يجب على الكويت كذلك استغلال موارد الاحتياطي العام السائلة (٥ مليارات دينار)، مبينا أنه إذا تم جمع هذين الموردين مع الإيرادات النفطية المتوقعة لهذه السنة (5 مليارات) وغير النفطية (1.5 مليار) نصل الى مجموع 19.5 مليارا، وذلك كفيل بسد عجز الموازنة لسنة 2020-2021.

أما فيما يخص مرحلة ما بعد كورونا (2021-2026) فقد أكد ان «المشكلة الحقيقية التي سنواجهها هي أن أسعار النفط ستظل تحت ضغط شديد، ولن ترتفع الى مستويات ما قبل كورونا».

وتوقع أن يصل متوسط سعر النفط من35 الى 45 دولارا للخمس سنوات المقبلة، والجميع يعلم أن نقطة التعادل لميزانية الكويت المتضخمة تصل الى 80 دولارا كسعر للبرميل.

سذاجة اقتصادية

وأشار البذالي إلى أنه «من السذاجة الاقتصادية أن يتم تجاهل هذا الخطر المحدق، لذا علينا عمل إصلاحات اقتصادية تغير من كيان النمط الريعي الذي لازمنا منذ 70 عاما، وجعلنا في ذيل قائمة الدول النامية اقتصاديا».

وحدد خطوطا عريضة لاتجاهات الحلول، منها ترشيد الإنفاق العام، حيث ان العديد من أصحاب الاختصاص رصدوا طرقا عديدة لترشيد ذلك الإنفاق وتعظيم فوائد موارد الدولة، ومن الحلول المقترحة التي لم تطبق حتى الآن إعادة تسعير خدمات الدولة كالكهرباء والماء والهاتف والبريد والمحروقات وغيرها من الدعوم.

وشدد على أنه بات من الضروري تعديل رسوم مرافق وأراضي الدولة المقدمة للقطاع الخاص والمواطنين، مثل القسائم الصناعية والمزارع والجواخير وقسائم الـBOT، لافتا الى أن ترشيد الإنفاق قد يضيف لإيرادات الدولة قرابة 3 مليارات دينار سنويا.

وحول إعادة النظر في سياسة فوائد ودائع الدولة لدى البنوك المحلية، أوضح انه بات من الضروري مراجعة سياسة الفوائد المتعلقة بالودائع الحكومية لدى البنوك المحلية، بحيث تكون مقاربة لما تفرضه الحكومات الأخرى على بنوكها المحلية، لافتا الى أنه يجب أن نكون في غاية الحذر عند التعامل مع هذا الحل، بحيث لا يخلق مشكلة اقتصادية لدى البنوك، الأمر الذي ينعكس سلبا على أدائها وودائع المواطنين.

«صندوق الأجيال»

وشدد البذالي على ضرورة إلغاء استقطاع صندوق الأجيال القادمة المتمثل في 10 في المئة للسنوات الخمس المقبلة بشكل مؤقت.

وحول الاتجاه الرابع من الحلول، أشار الى ضرورة إقرار قانون الدين العام، بحيث يسمح للدولة الاقتراض لمبلغ 20 مليار دينار ولمدة 30 سنة، مؤكدا ضرورة الإسراع في تبني هذا الاتجاه، نظرا لقلة نسبة الفائدة من جهة ومتانة الاقتصاد والتصنيف الكويتي من جهة أخرى.

وتطرق إلى ضرورة فرض ضرائب على إيرادات الشركات المحلية والأجنبية في الكويت والمستفيدة من نشاط البلاد الاقتصادي، موضحا أنه من الحصافة الاقتصادية أيضا فرض ضرائب على دخول غير الكويتيين وعلى تحويلاتهم المالية خارج البلاد، ومن الامور التي تم تداولها ولم تطبق حتى الآن الضريبة المضافة على السلع غير الأساسية المستوردة من الخارج كما هو معمول به في أغلب الدول.

وذكر أن الكويت تمتلك ثروة نفطية يمكن أن تبني من خلالها صناعات متعددة، مستغلة في ذلك وفرة الخام الضخمة وانخفاض كلفة إنتاجه على الدولة، الأمر الذي يعطي الكويت ميزة تنافسية جبارة قد تؤتي أكلها إن تم استغلالها بالشكل السليم.

حلول مستقبلية

وقال البذالي إنه «من الحلول المستقبلية أيضا ما يسمى بالقفز على سلاسل التوريد العالمية، فنستطيع كدولة أن نصنع مواد أساسية كالبلاستيك والامنيوم والحديد وتصديرها للعالم بأسعار تنافسية، مستغلين وفرة النفط وكلفته الرخيصة من جهة ووفرة الأيدي العاملة الرخيصة من جهة أخرى».

وأشار إلى أن مشروع مدينة الحرير تبرز قيمته في احتضان مثل هذه الصناعات، التي تحتاج الى سن قوانين وتشريعات تضمن سلامة تنفيذ هذه المشاريع»، مضيفا ان الكويت بحاجة لإعادة العمل بما يسمى concession agreement وparticipation sharing agreement في القطاع النفطي وخصوصا في الحقول الكهلة المتهالكة، والهدف من ذلك تقليل التكاليف الرأسمالية والتشغيلية وتعظيم الإنتاج النفطي.

وألمح الى أن «من الأمور الاقتصادية المهمة جذب المستثمر الأجنبي المباشر وتوفير محفزات اقتصادية وقوانين تسمح له بممارسة أعماله دون قلق أو تردد»، متابعا: «لو أردنا أن نرسم مستقبل كويت الغد ونضعها في مصاف الدول المتقدمة فإنه يتحتم علينا وضع حلول منطقية لكل مشاكلنا المزمنة دون بهرجة وتسابق على الأضواء».