يتعلق أهم سبب وراء "مبادرة الحزام والطريق" الصينية بتحسين نموذج التنمية الاقتصادية المحلية والبنية الاقتصادية والقطاع الصناعي في الصين، فضلاً عن حل المشاكل التاريخية التي بقيت عالقة بعد النمو المتسارع للاقتصاد الصيني بين عامي 2000 و2010.

لكن بعد سبع سنوات على إعلان المشروع، تكثر العقبات التي تحول دون تقدّمه، فعملياً انحرفت طريقة تطوير المبادرة كلها عن هدفها الاستراتيجي الأصلي، ويتّضح ذلك في مسألتين: في المقام الأول اختلّ توازن استثمار الموارد بين "حزام طريق الحرير الاقتصادي" (الحزام) و"طريق الحرير البحري" (الطريق) بدرجة كبيرة. بعبارة أخرى احتكر "طريق الحرير البحري" عدداً هائلاً من السياسات والموارد المادية، كذلك، تبالغ سياسة تنفيذ "مبادرة الحزام والطريق" في التشديد على "ترابط البنى التحتية"، ونتيجةً لذلك، تحوّلت الاستراتيجية الوطنية الأصلية الكبرى والشاملة إلى مجرّد تشابك بين "الشركات المملوكة للدولة والبنى التحتية"، والأهم من ذلك هو أن إبعاد المبادرة عن أهدافها الأصلية يطرح تحديات ضخمة على فرص تطوير المشروع كله.

Ad

أولاً، أدى غياب التوازن في توزيع الموارد بين "الحزام" و"الطريق" إلى انهيار المعنى الجغرافي الأصلي للخطة كلها وفرض ضغوطاً دولية غير ضرورية على الصين، فلطالما كانت الصين قوة برية تقليدية، وهي تطوّر "طريق الحرير البحري" في محاولة منها للاندماج في نظام "القوة البحرية" القائم. هذا الدافع مبرر، لكن لا مفر من أن تثير هذه المحاولات قلق الولايات المتحدة، أكبر قوة بحرية في العالم، وتلفت انتباهها، وحين تتوصل الولايات المتحدة وأوروبا إلى إجماع نهائي حول نوايا الصين الاستراتيجية المستقبلية، ستواجه الصين على الأرجح حالة من الجمود والعزلة على الساحة الدولية.

ثانياً، يمنع غياب التوازن في مخصصات الموارد العائدة إلى "الحزام" و"الطريق" مناطق الشمال الغربي والجنوب الغربي في الصين من المشاركة بالكامل في "مبادرة الحزام والطريق"، وهذا الوضع لا يُسهّل حل اللامساواة في تنمية المناطق داخل البلد، وبسبب الفجوة الهائلة في مستويات التنمية، يجب أن تحصل المحافظات الغربية في الصين على درجة معينة من السياسات الداعمة لتحقيق تنمية كبرى، ويجب أن يتجاوز هذا الدعم المستويات السابقة، لكن بسبب حجم المساحات البرية، لم يكتمل تطوير مشروع "الحزام" من "مبادرة الحزام والطريق" غرباً ولا يزال أثر تلك المبادرة على المحافظات الغربية محدوداً، وفي المقابل تُعطى الأولوية لـ"طريق الحرير البحري" الذي يفيد المحافظات الساحلية الغنية أصلاً في شرق الصين.

ثالثاً، تصبح "مبادرة الحزام والطريق" كلها أقل استدامة على المستوى الاقتصادي بسبب نموذج "الشركات المملوكة للدولة والبنى التحتية"، في حين يشهد خطر الديون تصاعداً مستمراً، وفق بيانات "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية"، بلغت الأصول المتعثرة الصينية في "مبادرة الحزام والطريق" 101.8 مليار دولار اعتباراً من الربع الثاني من عام 2018. لنأخذ ميناء "هامبانتوتا" في سريلانكا مثلاً، حيث تحمل الموانئ الخارجية أهمية استراتيجية معينة، لكنها لم تحقق النجاح من الناحية الاقتصادية حتى الآن. ومنذ نهاية 2016، وصلت الخسائر التراكمية في الميناء إلى 340 مليون دولار، ومن غير الواقعي أن يحوّل ميناء "هامبانتوتا" تلك الخسائر إلى أرباح على المدى القصير، وهذه الحالات شائعة جداً في "مبادرة الحزام والطريق" اليوم.

رابعاً، لا يقدّم نموذج "الشركات المملوكة للدولة والبنى التحتية" أي مساعدة فعلية لحل القدرة المحلية الزائدة في الصين ورفع مستوى الصناعة ومعالجة مسائل اقتصادية موروثة أخرى، وفي قطاع صناعة الفولاذ مثلاً، بلغ إنتاج الفولاذ الشهري في الصين 87.54 مليون طن في يونيو 2019. خلال الفترة نفسها، اقتصر إنتاج الفولاذ على 7.514 ملايين طن في الولايات المتحدة و13.641 مليون طن في الاتحاد الأوروبي، صحيح أن الصين استهلكت جزءاً من الطاقة الإنتاجية الفائضة لديها لبناء "مبادرة الحزام والطريق"، لكن يبقى هذا الاستهلاك ميكانيكياً ولا يوفر طاقة كافية لتحديث البنية الصناعية في الصين.

عند مقارنة الخلفية الاستراتيجية الأولية لـ"مبادرة الحزام والطريق" بمسار تطورها اليوم يتّضح أن هذه المبادرة وصلت إلى نقطة مفصلية حاسمة، وعلى الصين أن تعالج هذه المشكلة مباشرةً وتطلق سياسات فاعلة في الوقت المناسب لتصحيح مسار المشروع وتعديله.

* تشان كونغ، يو بان