بسبب إخفاق قانون العمل في القطاع الأهلي رقم 6/2010 في تقديم الحلول إلى أصحاب العمل، لمواجهة الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة لمواجهة فيروس كورونا، والتي ترتب عليها الوقف الكلي أو الجزئي للأنشطة، والذي يجعل لأصحاب العمل، إما الاستغناء عن العمال، أو الإجبار على إجازات مكتوبة، سارعت الحكومة إلى تقديم مشروع بقانون إلى مجلس الأمة، لمعالجة هذه المسألة، التي خلا منها قانون العمل في القطاع الأهلي، بما يسمح الاتفاق بين العامل وصاحب العمل على تخفيض الأجر خلال تلك الفترة.

وبعد إقدامها على تعديل قانون العمل، تخلى المشروع عن تلك الفكرة، وإتجه إلى فكرة إصدار تشريع خاص لمعالجة هذه المسألة، ثم تطورت الفكرة إلى عدة إضافات بمشروع ثالث شمل الدعم الذي أعلنته الحكومة تحت ما يسمى "الحزمة الاقتصادية".

Ad

وبالرجوع إلى مشاريع القوانين الثلاثة، تظهر العديد من الملاحظات على المقترح الأول، الذي يخلص الى تقديم مجموعة من الأفكار تحتاج الى ضبط تشريعي فقط، وبيان الحالات التي يرغب القانون في معالجتها، أما المشروعان الثاني والثالث فينطلقان من أفكار متقاربة، وفي هذه القراءة القانونية نستعرض الملاحظات التي تشوب المقترحات الثلاثة.

المشروع الأول

ينص المشروع الأول الذي قدمته الحكومة على اضافة مادة 63 مكرر من قانون العمل في القطاع الأهلي، والتي تنص على الآتي:

استثناء من أحكام هذا القانون، وفي الأحوال غير العادية كالكوارث والمحن العامة وغيرها، اذا ترتب على الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الدولة توقف النشاط كليا أو جزئيا، يجوز للوزارة الموافقة لأصحاب العمل، الذين تعثر نشاطهم بسبب هذه الإجراءات، على أي من التالي:

1- منح العمال إجازة خاصة بأجر مخفض لا يقل عن الحد الأدنى للأجور أو بدون أجر، وذلك خلال المدة التي تقدرها الوزارة كفترة تعثر للنشاط، على أن يصرف في هذه الحالة الأخيرة بدل البطالة المقررة للمخاطبين بأحكامه.

2- تخفيض أعداد العمال لديهم وتسليمهم كل مستحقاتهم، والسماح للعمال غير الكويتيين بالالتحاق بعمل لدى صاحب عمل آخر خلال مدة تحددها الوزارة، وإلا كان للوزارة إعادتهم إلى بلادهم على نفقة صاحب العمل، ويصدر قرار من مجلس الوزراء بالضوابط والشروط اللازمة لتنفيذ هذه الأحكام.

والملاحظ على المقترح السابق وجود مسألتين؛ الأولى شكلية تتعلق بصياغة التشريع غير المنضبطة في تناول الحالات التي جاء ليعالجها، رغم أن هذا النوع من العلاقات يجب ان تتسم نصوصه بالوضوح، خصوصا أن هذا التشريع جاء ليغطي الفراغ الذي يعانيه قانون العمل الحالي في معالجة فكرة تفاهم صاحب العمل مع العامل على تخفيض الراتب في الظروف غير العادية، التي يترتب عليها إغلاق المنشأة جزئياً أو كلياً نتيجة إجراءات احترازية اتخذتها الدولة لمواجهة تلك الظروف.

بينما المسألة الثانية تتعلق بموضوع التشريع من انه لم يشر الى الفكرة الأساسية التي جاء التشريع من أجلها، وهي تحقيق فكرة الاتفاق بين العامل وصاحب العمل على تخفيض الأجور، إنما استبعد فكرة الاتفاق واعطى لصاحب العمل منفردا بطلب أحد الأمرين، وهما: وضع العامل في إجازة خاصة مقابل أجر يخفضه رب العمل شرط الا يقل عن الحد الأدنى للأجور، والثاني ان يبقي العامل في عمله ولا يدفع له أجره خلال تلك الفترة، ومن يغطي ذلك الحرمان من الأجر الدولة بمنح بدل بطالة للعامل خلال تلك الفترة التي أسماها المشروع فترة تعثر النشاط.

كما يثير المشروع السابق تساؤلا يتعلق بمصير العامل غير الكويتي، الذي لن يجد له معيلا في تلك الفترة اذا ما قرر صاحب العمل حرمانه من الأجر، خصوصا أن صرف بدل البطالة سيكون محصورا على العامل الكويتي، بسبب الأحكام المقررة في القانون رقم 101/2013 بشأن صندوق البطالة التابع للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وهو الأمر الذي لم يعالجه القانون، خصوصا أنه لم يربط على سريان تلك الخيارات التي اعطاها لصاحب العمل لأي موافقة من العامل!

المشروعان الثاني والثالث

بينما يتشابه المشروع الثاني والثالث المقدم من الحكومة بجملة من الأفكار تتعلق بإصدار تشريع خاص لجائحة "كورونا" فقط وليس لكل الكوارث والمحن العامة التي يترتب عليها اغلاق المنشأة بسبب الإجراءات الاحترازية، والثاني ان التعديل يمتد الى العاملين في القطاعين النفطي والاهلي، والثالث انه يقرر بدلا للبطالة، وأخيرا يقرر بدعم تمنحه الدولة وقد شرحته المذكرة التفسيرية للمشروع الثالث بأنه دعم للتحفيز الاقتصادي الذي اعلنه البنك المركزي، وهو دعم يقدم بطبيعته لصاحب العمل لا العامل.

ويواجه المشروع الحكومي الثاني والثاني لتعديل قانون العمل 4 ملاحظات:

أولا- يخاطب التعديل العاملين في القطاعين الأهلي والنفطي رغم أن دواعي التعديل يتعين أن تنصرف الى المخاطبين بأحكام قانون العمل في القطاع الأهلي لا القطاع النفطي، وانصرافه الى العاملين في القطاع النفطي يتعارض مع فلسفة الدولة في دعم العاملين في هذا القطاع، ومنحهم الامتيازات التي تتناسب مع الأعمال الشاقة التي يؤدونها.

ثانيا - ينصرف التعديل الى الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الدولة للوقاية من "كورونا"، ويترتب عليها توقف النشاط كليا أو جزئيا، وهو ما يعني ان هذا القانون هو قانون وقتي يطبق على التداعيات والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة للوقاية من الفيروس، ولا يصلح لكي يطبق على اي ازمة أخرى، لا سمح الله، قد تتعرض لها البلاد في المستقبل إلا إذا تكررت ازمة "كورونا"، رغم اعتراف المذكرة التفسيرية للقانون بفراغ تشريعي يعالج هذه الظروف، الأمر الذي سيثير تساؤلا مهما هو: هل سنحتاج مع كل ازمة قانونا ليعالجها أم المنطق هو سن قانون يواجه كل الظروف المشابهة لجائحة "كورونا"؟، وهو الأمر الذي نرى معه ضرورة استبدال عبارة (الوقاية من فيروس كورونا المستجد) لتصبح العبارة (الإجراءات التي تتخذها الدولة في الكوارث العامة والمحن وغيرها من الحالات التي يقررها مجلس الوزراء ويترتب عليها وقف النشاط كليا أو جزئيا)، حتى يصلح تطبيق النص على أي حالات تتعرض لها البلاد في المستقبل.

ثالثا - ورد في نص الفقرة الأولى من المادة الاولى في التعديل الى صرف بدل البطالة للمخاطبين، وبالرجوع إلى أحكام هذا البدل المنظم في القانون رقم 101/2013 بشأن اضافة صندوق البطالة على احكام قانون المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، يتضح ان التطبيق سيواجه عدة عراقيل يتعين التنبه اليها، ونوردها على النحو التالي:

1- ان بدل البطالة، بحسب القانون رقم 101/2013، سيمنح كتعويض بواقع 60 في المئة من قيمة مبلغ المعاش التقاعدي الذي سيتحصله الفرد، وهو عادة ما سيكون بالشريحة المسجل بها الفرد لدى مؤسسة التأمينات، علاوة على احقية الفرد في الحصول على الزيادات التي تقررها الدولة للعاملين في القطاعين الأهلي والنفطي وهي العلاوات.

وباحتساب تلك المبالغ، وهي بواقع 60%، من المعاش الذي سيستحقه الفرد علاوة على الزيادات، فإن المبلغ الشهري الذي سيتحصل عليه المواطن لن يكفيه، خصوصا اذا ما كشف الواقع العملي ان الشريحة الكبرى للمسجلين في التأمينات الاجتماعية كعاملين في القطاع الخاص تقل عن مبلغ ألف دينار، وبصرف ما يمثل نسبته من تلك الشريحة بواقع 60 في المئة، واضافة الزيادات التي تصرفها الدولة، فإن قيمة المبالغ الشهرية التي تصرف للعاملين قد لا تتجاوز مبلغ الف دينار أو أقل، وهو بدل قد لا يلبي احتياجات العاملين الشهرية.

2- يعاب على المشروع بإقراره مقترح بدل البطالة بشكله الحالي، ان مدته، بحسب المادة السادسة من القانون رقم 101/2013، 6 أشهر، وهو ما يعني ان الصندوق لن يتكفل بدفع ذلك البدل لأكثر من تلك الفترة، وهو الأمر الذي قد لا يلبي الواقع العملي عند استمرار الأزمات اكثر من مدة 6 اشهر، لأن الصندوق سيمتنع عن الاستمرار في الصرف بعد انتهاء تلك المدة التزاما بأحكام المادة السادسة من القانون، بينما قد تستمر الأزمة لأكثر من مدة 6 أشهر، كما أن بدل البطالة يمنح لمن لا عمل لديه، في حين ان العامل بهذه الحالة مقيد لدى صاحب العمل كعامل ولكنه محروم من الاجر بسبب فترة تعثر النشاط.

3- ان أحكام صندوق البطالة ترتب وقف صرف البدل على العاملين لمجرد دخولهم بدورات أو ترشيحهم في اعمال أيا كان طبيعتها، مما يجعل العاملين بلا خيارات الا القبول بتلك الوظائف التي قد لا تتناسب مع اعمالهم، وسيكونون بين مطرقة الخروج من احكام صندوق البطالة، وسندان الوظائف التي قد لا تتناسب ألبتة مع مؤهلاتهم، وقد تكون بمقابل مالي بأقل مما يوفره الصندوق في تلك الفترة.

رابعا- يعاب على المشروع تحديده في الفقرة الثانية من المادة الاولى الاتفاق على التخفيض بنسبة (كحد اقصى 50%)، والتي يجوز لصاحب العمل الاتفاق مع العامل على تخفيضها، وكان يتعين على المشروع أن يترك تحديد تلك النسبة لقرارات يصدرها مجلس الوزراء تجاه أي أزمة قد تتعرض لها البلاد، ويقدر المجلس نسبة الحد الاقصى والحد الادنى، لأن النص عليها صراحة وبحكم القانون قد يسمح لأصحاب العمل المطالبة دائما بالحد الأقصى لتخفيض الرواتب، خصوصا ان العامل في هذه الظروف لن يكون له اي خيار للتفاوض، وسيكون بين حد الإقالة والفصل والقبول ببدل البطالة، أو القبول بالخصم من راتبه بواقع 50 في المئة، وعليه يتعين ان يترك نسبة الحد الأقصى والأدنى لدى مجلس الوزراء باعتبارها من قبيل الضوابط التي يقررها المجلس عند إصداره احكام هذا القانون، فضلا عن مرونة تعديلها مستقبلا لدى مواجهة الدولة لأي أزمات أخرى.

مقترح لقانون العمل

ثمة اقتراح أن يكون التشريع على النحو التالي:

المادة 28 مكرر:

أولاً: استثناء من احكام هذا القانون، إذا ترتب على الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة في الأحوال غير العادية كالكوارث والمحن العامة وغيرها من الأحوال، التي يحددها مجلس الوزراء، توقف النشاط كليا او جزئيا، جاز للوزارة، بناء على طلب صاحب العمل ممن تعثر نشاطه بسببها، الاتفاق كتابة مع العامل على تخفيض الأجر خلال تلك المدة، على ان تحتسب كل مستحقات العمالة على أساس الاجر المستحق لهم قبل تخفيضه، وتكون ضمن مدة الخدمة، ويحدد مجلس الوزراء الحد الأقصى لتخفيض الأجور والضوابط خلال تلك الفترة.

ثانياً: ينتهي العمل بالاتفاق المكتوب بين صاحب العمل والعامل على تخفيض الأجر بمجرد اعلان مجلس الوزراء زوال الإجراءات الاحترازية، وعودة النشاط مجددا، ما لم يقرر صاحب العمل والعامل معاً على اتفاق جديد.

ثالثاً: على الوزراء، كل فيما يخصه، تنفيذ هذا القانون، ويعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.