ظهرت نظرية منطقية لتفسير موقف كندا الغريب الذي يرتكز على التزام الصمت، على عكس الديمقراطيات الرائدة حول العالم، إذ لا تطالب الحكومة الكندية بتفسير واضح لانتشار فيروس كورونا الذي بدأ في الصين، وأسفر عن مقتل أكثر من 260 ألف شخص حول العالم، منهم ما يفوق 4200 كندي، ولا تقدّم تفسيراً لما حصل، تفترض تلك النظرية أن حكومة جاستن ترودو خائفة.هي تخاف من بكين التي سبق أن زعزعت استقرار الصادرات الزراعية الكندية وخطفت مايكل كوفريغ ومايكل سبافور غداة اعتقال المديرة المالية في شركة «هواوي»، منغ وانزهو، حتى أن الصين قد تقرر استعمال المعدات الشخصية الواقية التي يحتاج إليها العاملون في الخطوط الأمامية في القطاع الصحي الكندي لابتزاز البلد، في حين يجازف هؤلاء بحياتهم لمعالجة ضحايا فيروس «كوفيد- 19».
كذلك، تخشى الحكومة الكندية على ما يبدو إفساد مشروع ترودو الذي يطمح إلى منح بلده مقعداً لا يحق له التصويت في مجلس الأمن في حال وقفت كندا في وجه منظمة الصحة العالمية التي تقبّلت فبركات بكين وتعتيمها الإعلامي منذ انتشار فيروس كورونا الجديد في مدينة «ووهان» ومحافظة «هوبي» في ديسمبر الماضي.على صعيد آخر، ربما تخشى كندا أن يصبح موقف رئيس الحكومة صعباً وغير مقبول نظراً إلى الدور الدولي الغريب الذي تضطلع به وزيرة الصحة الكندية باتي هاجدو باعتبارها من أبرز المدافعين عن الصين في خضم هذه الفوضى المريعة كلها.بغض النظر عن سبب الموقف الكندي، ثمة إجماع بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة حول سوء سلوك منظمة الصحة العالمية، وفشلها في احتواء الوباء العالمي الجديد وضرورة خضوعها لمراجعة مستقلة. تقود أستراليا هذه الجهود، وقد رفضت التراجع عن قرارها مع أن بكين هددت بفرض تدابير انتقامية ضد لحم البقر الأسترالي وصادرات النبيذ.لم تحتجّ أوتاوا من جهتها حين أطلق الصينيون هجوماً للتشهير بمعهد «ماكدونالد لورييه» الكندي لأنه شارك في توجيه رسالة مفتوحة إلى الشعب الصيني لانتقاد إخفاء بكين أنباء انتشار فيروس كورونا في المرحلة الأولى من ظهور الوباء.لكن في الأسابيع الأخيرة، تم استدعاء السفراء الصينيين لتوبيخهم في الولايات المتحدة، وفرنسا، والاتحاد الإفريقي، وكينيا، وأوغندا، ونيجيريا، وكازاخستان، بسبب إطلاق التهديدات ونشر نظريات المؤامرة. يصر الحزب الحاكم في بكين حتى الآن على أن فيروس كورونا ليس صيني المنشأ أصلاً، أما كندا فقد ذهبت إلى حد الإشادة بسلوك الصين في تعاملها مع الوباء، وتلقى ترودو في المقابل إشادة من الدبلوماسيين الصينيين ومن منصات دعائية متنوعة تابعة للحزب الشيوعي الصيني.وبعدما ذكرت صحيفة «تلغراف» الأسترالية أن التحالف الاستخباري الخماسي (الولايات المتحدة، بريطانيا، كندا، أستراليا، نيوزيلندا) أصدر ملفاً بحثياً يصف تفاصيل «الهجوم على الشفافية الدولية» نتيجة إقدام المسؤولين الصينيين على تدمير الأدلة المرتبطة بانتشار فيروس كورونا، بقي رد ترودو ضعيفاً، فلا تحمل كندا أي رأي واضح حول فرضية تسرّب الفيروس من أحد المختبرات، ولا تتكل الحكومة الكندية أصلاً على معلومات التحالف الاستخباري فحسب، بل على «شركاء» آخرين أيضاً كما يقول ترودو، وإذا أراد الكنديون أن يعرفوا الأسباب الحقيقية وراء ولاء الحكومة الكندية الغريب لجمهورية الصين الشعبية، يجب أن تبدأ لجنة الأمن والسلامة العامة في مجلس العموم باستكشاف الموضوع.حتى الآن، تتابع بكين وأوتاوا تبادل الدعم وكأنهما تعلنان للعالم: نحن جميعاً نواجه المشكلة نفسها ويجب ألا نخوض لعبة اللوم! الوقت ليس مناسباً لتوجيه أصابع الاتهام إلى أي طرف! حتى هذه اللحظة إذاً، يتعلق أبرز تفسير منطقي بالمخاوف التي تحملها حكومة ترودو، لكن لا أحد يعرف بعد ما الذي تخشاه كندا على وجه التحديد!*تيري غلافين
مقالات
ما الذي تخشاه حكومة ترودو؟
13-05-2020