تثير الإجراءات الحكومية العديدة، التي تم إصدارها وتنفيذها لمواجهة جائحة "كورونا"، تساؤلات مختلفة وعديدة من قطاع عريض من الشعب.

فبعضهم يتساءل عن سندها القانوني أو الدستوري، وآخرون يطرحون مدى مشروعيتها، وفريق ثالث يراها تُناقض ضمانات الحريات في الانتقال خلال حظر التجوال مثلاً، وتناقض الحريّة الشخصية بإلزامهم لبس السوار الإلكتروني وأخذ عيّنات منهم جبراً، أو تُناقض الحق في الخصوصية بطلب بيانات شخصية، أو تصوير أشخاصهم بالحجر لمتابعتهم، وما يماثلها من أمور.

Ad

ولا شك في أهمية التساؤلات، وطرحها من قبل الناس حقّ مشروع ووجيه، وعليه فإنّه أمر ضروري أن نناقش ونجيب عن هذه التساؤلات، ونوضح الرأي القانوني بشأنها، على الرغم من أنه رأي قانوني متخصص. لكن نظراً لأهميته لابدّ من طرحه والحديث عنه.

ونبدأ بالقول إن الأساس الدستوري والسند القانوني لما تمرّ به الدولة من إجراءات يتم تطبيقها من قبل السلطة التنفيذية في مواجهة جائحة كورونا، يتطلّب أن نشير إلى فكرة جوهرية، ألا وهي فكرة المشروعية القانونية، التي تعني انصياع وتوافق أعمال السلطات العامة وجميع المؤسسات والأجهزة الحكومية وعموم المخاطبين بالأحكام والقواعد التشريعية النافذة في الدولة؛ سواء كانوا أشخاصاً عامين أو من الشخصيات الخاصة، ولزوم توافق أعمالهم مع كل التشريعات التي تسري أحكامها عليهم. وفي ضوء هذا المعيار لمفهوم المشروعية، فإنّها تنقسم إلى نوعين أساسيين هما:

أ- المشروعية الاعتيادية: وهي التزام أحكام وقواعد المشروعية النافذة بالدولة في الظروف الطبيعية.

ب- المشروعية الاستثنائية: وهي التزام أحكام وقواعد المشروعية النافذة بالدولة في الظروف غير الطبيعية أو الاستثنائية.

وكلا النوعين من المشروعية المذكورة ينقسم إلى نوعين هما:

1- المشروعية الدستورية: وهي التزام السلطات أو غيرها من الجهات بأحكام القواعد الدستورية النافذة بالبلد، في الظروف الطبيعية، وإذا طرأت ظروف تنتقل الدولة لمشروعية دستورية استثنائية، على نحو يمكن أن تتعطّل معه بعض أحكام الدستور أو يُوقَف أثرها، ومن ثم تتقلص الضمانات لنصبح أمام مشروعية دستورية استثنائية (كما هي الحال في حالة الأحكام العرفية أو الطوارئ أو الحرب، تبعاً لما هو مقرر في دستور الدولة)، وينبغي على السلطات وغيرها من المخاطبين بها التزام أحكامها.

2- المشروعية القانونية: وهي التزام السلطات أو غيرها من الجهات بأحكام القواعد القانونية النافذة بالبلد، في الظروف الطبيعية، وإذا طرأت ظروف تنقل الدولة لمشروعية قانونية استثنائية، على نحو تتعطل معه بعض أحكام القوانين أو تتقيد بعض الحريات، أو يوقف أثرها، ومن ثمّ تتقلص قواعد المشروعية القانونية، فإننا نصبح أمام مشروعية قانونية استثنائية (كما هي الحال في تطبيق قانون الصحة العامة أو الدفاع المدني)، وينبغي على السلطات وغيرها من المخاطبين بها التزام أحكامها.

وعليه، فإنّ ما يتم تطبيقه في ظل جائحة كورونا من قبل الحكومة الكويتية هو إعمال لصلاحياتها المستمدة من المادة 123 واستنادها إلى توجيهات وتعليمات السلطات الصحية، التي نظّمها القانون رقم 8 لسنة 1969، بما يستتبع من اختصاصات استثنائية تجيز تقييد بعض الحريات أو تعطيل أحكام بعض القوانين، على نحو ما نراه من تقييد حريّة التنقل ومنع التجول، أو تقييد الحرية الشخصية والحق في الخصوصية، ووقف أو تعطيل حرية العمل بتعطيل المرافق العامة والمنشآت والمؤسسات الخاصة، ومنع حق عودة المواطنين لبلدهم، ووقف نفاذ قوانين الإيجارات، وبعض قواعد قانون العمل، أو تعطيل بعض قواعد القانون التجاري أو غيرها.

وهذه جميعاً تتم في إطار المشروعية القانونية الاستثنائية، ويجب على مجلس الأمة متابعتها ومراقبتها، للحدّ من أي انحراف أو تعسّف في تطبيقها.