الصراع على السلطة لا على سورية
الصراع على السلطة في النظام السوري ليس جديداً، فهو لم يتوقف بالأصل كي يستمر، ومنذ الاستقلال وهو يشهد انقلابات عسكرية، يأتي فريق ليعزل ما قبله إلى أن وصل إلى "بيت الأسد"، وما هو مستجد أن الصراع انفلت داخل عائلة الحكم، وتحول قصر "المهاجرين" إلى ساحة للمبارزة بين آل مخلوف من جهة وآل الأسد من جهة ثانية. كثرت التحليلات بشأن هذا الصراع المكشوف، فمن قائل بأن الروس يضغطون على بشار لتقديم تنازلات، وآخر بأن التنافس على من يخلف بشار طفا على السطح في مؤشر لعدم رضا الروس عن أدائه، وقد يكون العنوان الأقرب هو البحث عن الرئيس القادم لسورية، وتفجر الخلاف بينه وبين رامي مخلوف لم يأت بالمصادفة، فهذا الاسم يملأ الآذان، فهو صاحب إمبراطورية يمتد نشاطها إلى مختلف قطاعات الدولة، لدرجة أن النكتة المتداولة تقول بأن رامي في طريقه لبناء جسر يربط قصره الفخم في ضواحي دمشق بمدينة اللاذقية نظراً للمصالح المتشابكة التي يديرها ولا يفصل بينها حواجز جغرافية! صراع بين عائلتين أراه صراعاً بين قصرين ضمن العائلة الواحدة، قصر مخلوف وقصر بشار، والوصف الذي قدمه السفير الأميركي الأسبق بدمشق روبرت فورد لحفل العشاء الأخير سنة انطلاق الثورة عام 2011 فيه دلالات واضحة لكيفية قراءة المرحلة القادمة في سورية من وجهة النظر الأميركية والمعرفة العميقة لهذه الإدارة بهذا النظام.
قد لا يكون رامي طامحاً إلى الخلافة لكنه حتماً معني بالصراع داخل أجنحة النظام، فهذا الرجل أحد أدوات الحكم منذ عهد والده محمد مخلوف الذي منحه الرئيس حافظ الأسد امتيازات لا حصر لها بالتوكيلات واحتكار الشركات، انتقلت "الورثة" إلى الابن ليكون ظل بشار منذ توليه العرش عام 2000. ربما كانت قراءة كتاب "نيقولاس فان دام" مفتاح الحل لفكفكة المعضلة السورية، فهذا الدبلوماسي الهولندي الذي قدم شهادة الدكتوراه في جامعة أمستردام عن "دور الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية" يضيء على جوانب غير مطروقة لفهم النظام وهو بخلاف كتاب باتريك سيل المهم "الصراع على سورية" والذي يعدّ مرجعاً لدراسة فترة حكم الرئيس حافظ الأسد وشخصيته وتاريخ عائلته بدءاً من جده سليمان، وكيف تحول لقب العائلة من الوحش إلى الأسد، رغم تحيزه الكامل وتبنيه، أي المؤلف، للرواية الرسمية للنظام. وكما ينقل الصحافي والكاتب البريطاني باتريك الذي أمضى سنوات لإصدار كتابه ذاك، فإن أكثر التفسيرات امتعاضاً لدور حافظ الأسد هو النموذج السياسي الذي يصور تاريخ سورية الحديث كانتصار لأقلية طائفية، وهم العلويون الذين عانوا الاضطهاد في مجتمع منقسم بشدة طبقاً لخطوط عرقية ودينية. وهذا ما يدحضه الدبلوماسي الهولندي "فان دام" في كتابه "الصراع على السلطة في سورية" وهو الأكثر واقعية ومصداقية، بعد أن أمضى الأسد معظم حياته في محاولة للهروب من دمج ذاته في خلفية من الأقليات إلى أن أخذ النظام السائد في الاعتبار يوحي بفشله. لقد شكلت الأواصر الطائفية والعشائرية وعلى مدى ثلاثين عاماً، جزءاً لا يتجزأ من بنية السلطة داخل النظام، على حد تعبير "فان دام"، ولذلك يقر بوجود صعوبة أن يقوم هذا النظام البعثي الذي يسيطر عليه علويون بالتخلي عن المراكز والامتيازات الحالية دون مقاومة عنيفة، لمصلحة نظام أكثر ديمقراطية قد ينتهي به المطاف إلى دكتاتورية سنية. يجزم هذا الباحث الجاد بأن العلويين أصبح لديهم كم هائل من الأعداء والكثير من الضغائن الدموية مما يجعل من المستبعد أن يغامروا بالسماح بخروج السلطة من بين صفوفهم، وسيناريوات التغيير القادمة تسقط من حساباتها إمكانية انتقال السلطة بشكل ديمقراطي، بالرغم من وجود مؤسسات دستورية بالدولة، لكنها غير فاعلة ولا أثر لها إلا بالشكل وعملية الإخراج ! إن الصراع على السلطة لا على سورية انحصر بعد مرحلة الأسد بالطائفة الواحدة ثم ضاقت المساحة للتوقف عند حدود "أهل القصر" وصارت بين الأخ وأخيه كما في حال رفعت وشقيقه، أو بين ابن الخال والرئيس كما في حال بشار ورامي، وهذا الصراع غالباً ما يأخذ شكل التصفيات الداخلية، ينتهي بظهور علوي آخر يتقلد زمام الحكم وقد يكون هذا السيناريو دموياً. وباستعراض أوجه الصراع منذ عام 1970 تاريخ وصول الرئيس حافظ الأسد إلى السلطة، نجد أنه كثيراً ما تم التعبير عنه بكونه صراعا على السلطة بين أشخاص من المنطقة نفسها أو الطائفة الدينية الواحدة. وعلى مدى الخمسة والعشرين عاماً (1970– 1995) لم يحدث تغيير جوهري يذكر في بنية السلطة، أما نقطة التحول الرئيسة في تاريخ سورية فحدثت عام 1963 من حيث تمثيل جماعات طائفية وإقليمية واجتماعية وسياسية، ففي هذا العام وبمساعدة الجيش وحزب البعث برز أعضاء الجماعات غير السنية، خصوصا العلويين وسكان الريف. خلاصة الفكرة التي بنى الدبلوماسي الهولندي دراسته عليها لنيله الدكتوراه تقوم على أن الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية أدت دوراً مهماً في الصراع على السلطة.