الكويت والأمن المائي
اعتماد الكويت على تحلية مياه البحر كمورد رئيس ينقلنا إلى السؤال التالي: في حالة حدوث كارثة إقليمية تلوث مياه الخليج لفترة طويلة، كيف ستلبي الكويت استهلاك الفرد اليومي للمياه؟استطاعت الكويت توفير المعدل اليومي لاستهلاك الفرد من المياه عن طريق تحلية مياه البحر، وهذا المورد غير قابل للنضوب من الناحية الفنية، وهو بعيد نوعا ما عن حروب المياه التي قد تواجه الكثير من الدول الغنية بالموارد الطبيعية كالأنهار، فتوفير معدل استهلاك يومي من المياه قد يحقق الاكتفاء الذاتي للفرد وهذا جزء من معادلة إدارة الطلب، ولكنه لا يكفي لتحقيق مفهوم «الأمن المائي» الذي يضم كل الجوانب المطلوبة لتكامل واستدامة الموارد المائية المتاحة، فالمياه السطحية ترتبط بالمياه الجوفية وكذلك كمية المياه ترتبط بنوعية المياه.
الأمن المائي يتعلق بعدة محاور اجتماعية وبيئية واقتصادية كتوفير الغذاء والطاقة وأخرى متعلقة بإدارة المخاطر كالفيضانات، ولكن الأولوية القصوى في الكويت ترتكز على تأمين استمرار إمدادات المياه بكمية ونوعية مناسبة للاستهلاك والتخلص من مياه الفضلات، فبشكل عام إذا أصبحت مياه البحر ملوثة إشعاعيا، بسبب حدوث كارثة إقليمية، فستصبح مياه التحلية غير مناسبة للاستهلاك، كما تعتبر الأمراض المعدية التي تنتقل عن طريق الصرف الصحي سببا في زيادة تفشي الأمراض الوبائية وتدهور الأوضاع الصحية والاقتصادية، وفيما يتعلق بالغذاء والطاقة فإنتاج المياه والكهرباء يرتبط بكفاءة محطات الكهرباء وتحلية مياه البحر التابعة لوزارة الكهرباء والماء، وإنتاج المحاصيل الزراعية لتعزيز الأمن الغذائي يعتمد على توفير الأراضي الصالحة للزراعة من الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية، وتوفير المياه بالتعاون مع عدة جهات منها المياه المعالجة «رباعيا» من وزارة الأشغال العامة.الطلب على المياه يزداد مع النمو السكاني، ونصيب استهلاك الفرد يزداد مع التنمية الاقتصادية، وقد لا يكون معدل إنتاج مياه التحلية أو المعالجة رباعيا كافيا لتلبية الطلبات المتزايدة في بعض الأوقات مما يؤدي إلى الإفراط في استغلال المخزون الاستراتيجي أو المياه الجوفية الأحفورية غير القابلة للتجديد، فعلى الصعيد العالمي يتم استغلال الكثير من خزانات المياه الجوفية بشكل مفرط مما يؤدي إلى استنزاف تلك المياه، والتوسع باستخدام المياه الجوفية الغنية بالمعادن يساعد في تدهور التربة الزراعية واتساع نطاق التصحر، وقد تقع المدن في مناطق ساحلية تهدد بارتفاع مستوى سطح البحر بسبب التغيرات المناخية أو بسبب هبوط الأراضي نتيجة لاستخراج المياه الجوفية بطرق غير مستدامة. ولذلك، يتطلب الأمن المائي وضع سياسات عبر مختلف المؤسسات الحكومية ذات الصلة للتخطيط المتكامل ولتحقيق استجابة مناسبة في وقت الأزمات أو أثناء فصل الصيف لتخفيف الضغوط على البنية التحتية الناتجة من ارتفاع الكثافة السكانية، ومازالت العديد من دول العالم تكافح من أجل حل المشكلات المتعلقة بالأمن المائي كنقص المياه وتلوثها والفيضانات باستخدام حلول تقليدية كنقل المياه من أماكن بعيدة ومعالجة الصرف الصحي وبناء السدود، نحن بحاجة إلى نهج طرق أكثر ابتكارا لأن الارتباطات بين مكونات الأمن المائي ليست خطية، مثلا بناء السدود العظيمة في المناطق السكنية تهدف لإحكام السيطرة على مياه السيول والفيضانات، ولكن في الوقت نفسه تزيد المخاطر الأمنية عندما تفشل هذه المنشآت في حجز المياه لأي أسباب خارجة عن نطاق السيطرة، كما أن وسائل نقل المياه من مسافات بعيدة قد تتوقف وقت الأزمات لأسباب لوجستية. * أستاذ موارد المياه، قسم الهندسة المدنية، جامعة الكويت.