تسعى الولايات المتحدة لإنقاذ عملية السلام في أفغانستان، بعد موجة جديدة من أعمال العنف، لكنها تبدو مصممة على مواصلة سحب قواتها بعد حرب مستمرة منذ نحو 19 عاما.

وأكد الموفد الأميركي، زلماي خليل زاد، أمس الأول، أنه "ليس هناك بديل". وعاود الدبلوماسي رحلاته المكوكية بين كابول والدوحة، سعيا للضغط على الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، بعدما قضى أكثر من عام يفاوض بشأن الاتفاق التاريخي الذي تم توقيعه في 29 فبراير بين واشنطن والمتمردين.

Ad

وهدف هذه الجهود إعادة آلية السلام إلى سكتها في وقت باتت مهددة كل يوم أكثر بالانهيار.

ويفسح الاتفاق المجال أمام سحب القوات الأميركية بالكامل من أفغانستان بحلول منتصف 2021، بعد عشرين عاما من اجتياحها هذا البلد لطرد حركة "طالبان" من السلطة في أعقاب اعتداءات 11 سبتمبر.

لكن مفاوضات السلام المباشرة غير المسبوقة، التي كان من المقرر أن تبدأ قبل أكثر من شهرين بين المتمردين وحكومة كابول، لم تعقد، وأعلن الرئيس أشرف غني مؤخرا استئناف العمليات العسكرية ضد "طالبان".

وجاء قرار غني رداً على هجوم استهدف الثلاثاء مستشفى توليد في كابول، وأسفر عن مقتل 24 شخصا بينهم أطفال رضع.

وسارعت الولايات المتحدة إلى تبرئة "طالبان" من الهجوم، متهمة تنظيم الدولة الإسلامية بالوقوف خلف هذا العمل "المروع".

وحضت كابول و"طالبان" على التعاون في التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية وتحريك عملية السلام.

وأوضح مايكل كوغلمان من مركز وودرو ويلسون الدولي للدراسات لوكالة "فرانس برس" أن "الاستراتيجية الأميركية لا تأخذ بالاعتبار غضب الرأي العام الأفغاني، ولا غضب الحكومة الأفغانية، حيال هذه الموجة من أعمال العنف التي تعتبر فظيعة جدا حتى بالنسبة لأفغانستان المعتادة على الفظاعات".

ويبدو الأميركيون عازمين على عدم الإقرار بفشل جهود السلام غير المسبوقة التي بذلوها.

فأكد خليل زاد، أمس الأول، للصحافيين أن "طالبان" تحترم التزاماتها التي تعتبر شرطا لانسحاب القوات الأميركية من البلاد، مشيرا إلى أن المتمردين يحترمون "نص" الاتفاق.

ولفت بهذا الصدد إلى أنهم لا يهاجمون القوات الأميركية، ويمتنعون عن تنفيذ عمليات في المدن الكبرى، مذكرا بأنهم لم يتعهدوا رسميا بعد بوقف كل هجماتهم على القوات الأفغانية.

في المقابل، أقر أن مستوى العنف المرتفع يخالف "روح" الاتفاق، وهو ما أظهره هجوم "سلبي جدا" الخميس على القوات الأفغانية تبنته الحركة في شرق البلاد.

وبالرغم من "انتهاك روح" اتفاق الدوحة، أكد الموفد أن الولايات المتحدة ستواصل سحب قواتها.

وقال إن "الشرط الأساسي بالنسبة للولايات المتحدة هو احترام طالبان التزامها بشأن مكافحة الإرهاب" عبر محاربة جماعات مثل القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية على أراضيها، مؤكدا أن ذلك الشرط "الأول".

ولا يبدو انطلاق مفاوضات السلام المباشرة بين كابول و"طالبان"، الذي كان يفترض أن يتم يوم 10 مارس، شرطا ضروريا لمواصلة الانسحاب الأميركي.

وقال خليل زاد في هذا الصدد "سيكون من الأفضل أن تنطلق المفاوضات الأفغانية الداخلية في وقت لاتزال لنا قوات كبيرة في جنوب أفغانستان".

فبالرغم من اقتراب استحقاق الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر، هناك إجماع في واشنطن حول عزم الرئيس دونالد ترامب على وضع حد لهذه "الحرب بلا نهاية"، حتى لو أن عددا ضئيلا من المحافظين الجدد يواصلون انتقاد التنازلات المقدمة لطالبان باعتبارها شديدة السخاء.

كيف يمكن في ظل هذه الظروف إرغام الحكومة والمتمردين على الجلوس أخيرا حول طاولة واحدة.

وقالت لوريل ميلر العضوة في مجموعة الأزمات الدولية لوكالة "فرانس برس"، إنه كلما انقضى المزيد من الوقت، أوجد ذلك "فرصا للذين لا يريدون عملية السلام، أو لأحداث يمكن أن تسمّ الأجواء".

وترى المبعوثة الأميركية السابقة لأفغانستان أن الولايات المتحدة لاتزال تملك سلاح المساعدة المالية التي تعتبر حيوية لبلد يعول على الأموال الدولية. وهذا ما تؤكده التسوية التي توصل إليها غني مع خصمه السياسي عبدالله عبدالله حين اقتطعت الدبلوماسية الأميركية مليار دولار من المساعدات احتجاجا على ممطالتهما.

لكن الأميركيين لم يعودوا يمتلكون وسائل ضغط عسكرية فعلية في البلد.

وقالت لوريل ميلر إن "الإدارة الأميركية الحالية أبلغت بوضوح أنها تريد سحب قواتها من أفغانستان. وبالتالي، فإن التهديد بالبقاء لن تكون له مصداقية".

وتابعت "لا يمكن للولايات المتحدة في نهاية المطاف إعلان عملية السلام. يمكنها فقط الضغط على الأطراف، لكن الأفغان وحدهم يمكنهم تنفيذها".