فيروس «مقهورونا» غير المستجد
ﺇن كان العالم بأسره يتطلع إلى إيجاد عقار ضد فيروس كورونا المستجد «كوفيد- 19» الذي أصبح ما بين عشية وضحاها الهاجس الأول والموضوع الأوحد الذي تتناقله الألسن، لا بل أصبح موضوع محل «فتوى» بالمقام الأول لرجالات الدين، والسياسة، والعلم، والاقتصاد، وغيرهم الكثير من قاصٍ ودانٍ. الأدهى والأمر في الواقع هو المرض المتأصل في أضلع كثيرة بالدولة، والذي لم ولن تنفع معه الآن العقاقير الطبية والأمصال المصنعة، بسبب تفشيه واستيطانه في الأعضاء الحساسة بالجسد الإداري في الكثير من المؤسسات والهيئات الحكومية، هذا المرض الذي سأطلق عليه مجازاﹰ اسم فيروس «مقهورونا» وهو غير مستجد في الدولة، ويأتي اشتقاق الاسم من الغيرة والقهر وقلة التدبير في المواقف كما سيأتي سرده.
أعراض وسمات المرض فيروس «مقهورونا» مرض نفسي يوجد لدى بعض المسؤولين، والمقصود منه محاربة ابن البلد الكويتي المجتهد، الذي يطمح أن يخدم في نطاق عمله ويتميز فيه، والمصاب بـ»مقهورونا» يكون عادة من المسؤولين والمديرين في العقد الخامس وما فوق على الأغلب، وهو جبان ﺇلى أبعد الحدود في استخلاص حقوق العاملين، وعادة ما يكون قد تغلغل فيه «مقهورونا» ﺇلى درجة أنه يسعى بشتى الطرق أن يحارب الكفاءة الكويتية، ومن أهم أعراض تفشي هذا المرض عدم التسويق لبضاعة ومنتجات الشاب الكويتي وطمس أفكاره التي عادة ما تكون نيرة وتخدم المصلحة العامة، وعدم ذكره بالخير البتة، وعدم استخلاص حقوقه المسلوبة وﺇن كان صاحب الـ«مقهورونا» على دراية بالمظلة وما شابه. يمكن ملامسة أعراض الـ»مقهورونا» بالمعاملات الإدارية، حيث تتفشى ملامحه فيها، فتارة يكون المصاب به من المتحدثين عن الدين والسياسة العامة، وتارة يتكلم عن أمور الصحة العامة وثقافة المجتمع، المهم أنه لا يتكلم في مجال تخصصه أبداﹰ، ذلك لأنه في قرارة نفسه يعلم علم اليقين أنه لا يستطيع مجاراة طالب سنة أولى كلية في أساسيات التخصص، ويكون المصاب قد وصل ﺇلى كرسيه الذي تشبّع منه وأخذ يعتقد أنه أذكى وأخبث من غيره بإدارته وتسييسه عن طريق تجمع أو تيار يملي عليه تعليمات برؤوس أقلام لتنفيذ أجندة خفية. المصيبة الأكبر ﺇذا كان المصاب بالـ«مقهورونا» لا ينتمي إلى فكر معين أو تيار، فهو يسبح في خيال نفسه ويعتقد أنه الأقدر والأجدر والأكثر كفاءة، وهو في الواقع لا يفقه الشيء اليسير في اشتراطات المعاملات التي يضع توقيعه عليها أساساﹰ، وهنا تجد التخبط الحقيقي على أصوله، فالمسؤول هنا واقعياﹰ غير مسؤول البتة، وهو موجود للتمتع بامتيازات هذا المنصب فقط لا غير.أدوات «مقهورونا» لفيف من الكتبة والآلات الطابعة البشرية والموظفين والسكرتارية، الذين يجمعهم أمران لا ثالث لهما: الأول، عدم الكفاءة العملية بأي حال من الأحوال. والثاني، هو القدرة على صياغة مذكرات وكتب لا معنى لها ولا مغزى، وتعود على المؤسسات بالضرر أكثر من المنفعة، وليس بالضروري أن يكون أولئك الأشخاص من الأجانب، ﺇلا أنه في المراحل المتقدمة من مرض «المقهورونا» تجد المصاب يحب ويصغي للمستشار الأجنبي ذي العقد السنوي، ومن عدد من الدول سواء العربية أو غيرها، وﺇذا وصل المصاب في «المقهورونا» ﺇلى تلك المرحلة تكون أجهزة التنفس الصناعي هي خير تشبيه لحالته، لأنه بالمراحل المتقدمة جداﹰ من المرض. العدوى من الفيروس غير المستجدتنتقل عدوى «مقهورونا» بسرعة متناهية جداﹰ جداﹰ لكل أصحاب النفوس المريضة والطامحين إلى كرسي المصاب هذا، فالشخص الذي يرتدي كمام العصامية والطموح وذو المناعة الإدارية القوية التي اكتسبها من تحصين نفسه «بمناعة قطيع» الموظفين الصالحين، لا يصاب بهذا المرض العضال، إنما يصاب به من يطمحون أن يصلوا ﺇلى كرسي الـ»مقهورونا» بأي طريقة، ليتمتعوا (فقط) بصفة ولقب مدير أو مسؤول لتبتدئ مرة أخرى عجلة تحطيم طموح الكويتي الشاب الذي ما إن تثور ثائرة غيرته على وطنه إلا أتته الجملة المعتادة: الأمور طيبة، ويصير خير. «مقهورونا» تسبب في دمار أفكار جيل، وطموح العديد من الشباب الواعدين، كما تسبب هذا المرض بالتراخي الإداري لدى الكثيرين الذين أصبحوا تحت ﺇمرة من لا يتستحق أن يتحلى بمنصب إداري، وأنا أقول «لا طبنا ولا غدا الشر»، وليس لنا من «كورونا» أي مستلخص مفيد على مستوى البلد الذي يئن من مرض تفشى فيه وسلب حقوق الكويتيين الشباب. العلاج من «مقهورونا» لا علاج لدي ﺇلا أمنية بأن يأتي الطبيب «المخلص»، فالكلام الإنشائي الذي يتضمن جملاً وعبارات، كالتعاون، وكشف الفساد، والاتحاد قوة، ومحاربة الفساد، لا يجدي نفعا بهذا الآن، نحتاج طبيباً فذاً يطهر الأعضاء المصابة بالعطب من «مقهورونا» بكل مؤسسة. *مدير برنامج بمعهد الكويت للأبحاث العلمية