ما إن تعافت الصين من وباء كورونا حتى استعادت زمام المبادرة وانطلقت نحو العالم لمد يد المساعدة والعون! ففي حين انكفأت واشنطن إلى الداخل وعاشت في عزلة دولية أظهرت فيها ضعفها وهزالة دورها في قيادة العالم، ملأت الصين الفراغ سريعاً وانخرطت في حملة أكثر فاعلية لتمد الكويت ودول الخليج والعرب بشحنات من الأقنعة وأجهزة التنفس والمواد الطبية، فقد جاء الوباء ليمنح الصين الفرصة بجعلها الدولة العظمى الأكثر عونا، وتدخل من هذه البوابة بصورة "المنقذ".لقد انعدمت الاستجابة الأميركية في مواجهة هذا الوباء وغدت من الدول المستقبلة للمساعدة، حتى أن تركيا جهزت عدداً من الطائرات المحملة بالمواد والأجهزة الطبية غادرت من إسطنبول لتحط في المطارات الأميركية.
اهتمت أميركا بعظمة بلادها وأهملت مستقبل البشرية على حد تعبير أحد المحللين الاستراتيجيين، بات الآن تأثير كورونا على "التنافس" الأميركي– الصيني في الخليج واضحاً، فماذا عن حدود هذا التنافس؟ وكيفية التعايش معه؟ القول إن الصين ستقود العالم منفردة كقوة عظمى أمر مبكر، فما زالت في طور استيفاء الشروط لتبوء هذا الموقع، وإن كانت سجلت على واشنطن نقاط الهزيمة في معركة التصدي للوباء. هذه الاندفاعة الصينية استنفرت الدبلوماسية الأميركية، ودفعت بمساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر توجيه تحذير لدول الخليج "بتوخي الحذر إزاء المساعدات الصينية" والتي وصفها بأنها تهدف إلى "الاستغلال". كان الخليج إحدى ساحات المواجهة في معركة كورونا وما زال، فطائرات الشحن الكويتية والإماراتية والقطرية لم تتوقف عن الهبوط في مطارات المدن الصينية محملة بالمواد والأجهزة الطبية، ذهابا وإياباً والفرق الطبية الصينية تجول في بعض العواصم العربية تقدم خبراتها وتجاربها وفي كل ذلك ترفع راية "العلاقات التجارية" لتسويق صورتها. بالنسبة إلى الصين، من مصلحتها أن تحافظ على أسعار نفط منخفضة من أجل استعادة اقتصادها، ففي الأشهر الأربعة الأولى من عام 2020 اشترت نفطاً خليجياً بـ95 مليار دولار مقابل شراء دول المنطقة بضائع صينية بـ18 مليار دولار. أولوية الاقتصاد في السياسة الخارجية ترسم معالم العلاقة القائمة بينها ودول مجلس التعاون، فالخليج شريك مهم للصين التي تستورد منه الطاقة ويلبي احتياجاتها المتزايدة من الإمدادات، ويوظف تعاونها في مجالات البنية التحتية والتصنيع ونقل التكنولوجيا. ما زالت الصين تقدم نفسها للمنطقة بدبلوماسية جديدة قوامها أن التنمية الاقتصادية تحتل الأولوية في أجندتها بدلا أن تكون على حساب مجالات التسلح والدفاع! ربما كانت مبادرة "الحزام والطريق" تدخل ضمن الواجهة الاقتصادية، فهي ليست مجرد مشروع اقتصادي وتنموي تبنته الصين، لكنه يمثل رؤية استراتيجية لدور بكين في النظام العالمي الجديد. المبادرة محور آخر للشراكة الصينية– الخليجية مخصصاتها بلغت تريليون دولار، لإحياء طريق الحرير، عبر شبكة عالمية من الموانئ والطرق البرية والسكك الحديدية في عشرات الدول المشمولة جغرافياً بالمبادرة يعزز تلك الرؤية. مهما قيل عن أن الصين تسعى إلى جعل النظام الدولي "أكثر عدالة" وتمثيلاً للمصالح المشتركة لدول العالم، يبقى الخليج بوصفه يمثل أكبر مخزون نفطي على مستوى العالم سيظل محل تنافس مستمر بين القوى الإقليمية والدولية بشكل خاص، وعليه قد تتباين درجات الاستقطاب بين هذه الدول، ولكن تبقى المظلة الأميركية هي الخيار الأمثل حتى الآن بالنسبة إلى دول مجلس التعاون. وبحسب الرؤية الاستراتيجية للصين أنه إذا كانت أميركا لها قواعد في المنطقة الغربية من الخليج، فليس هناك ما يمنع من وجودها في المنطقة الشرقية منه، وبالتالي الدخول في محاور جديدة، وهو أمر يثير الشكوك بالدور السياسي لها، وإذا استبعدنا نظرية التصادم أو الحرب بين الصين وأميركا كما يروج لها البعض ستكون هناك حقبة جديدة في تاريخ العلاقات الصينية– الخليجية.فالصين ما زالت بحاجة إلى إمدادات النفظ والغاز من دول الخليج العربي بكميات تغطي %60 من احتياجاتها وبمعدل 10 ملايين برميل يومياً، إضافة إلى أنها ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية الصينية، عام 2019 إلى أكثر من 200 مليار دولار. ومنذ عام 2014 انضمت 9 دول عربية إلى مبادرة "الحزام والطريق" في حين انضمت 7 دول أخرى إلى "البنك الآسيوي للاستثمار" في البنية التحتية ومهمته توفير التمويل لمشروعات البنية التحتية في آسيا، وكل ذلك يأتي في إطار دائرة توسيع تشابك المصالح والعلاقات الاقتصادية.
مقالات
«كورونا» فتح باب التنافس الصيني– الأميركي في الخليج
17-05-2020