عندما أعلنت الحكومة الهندية، بعد إشعار أربع ساعات فقط، إغلاق البلاد بشكل كامل ثلاثة أسابيع لمنع انتشار فيروس كورونا المُستجد، أصبح الجوع والفقر تهديدا حقيقيا لملايين من أفقر سكان البلاد، وأصبح العديد من العمال المهاجرين فجأة عاطلين عن العمل، واضطروا إلى السير مئات الأميال من المدن للعودة إلى قُراهم الأصلية. هناك أيضا، قد يكون قرار الإغلاق من جراء وباء «كوفيد- 19» مُدمرا، فلا يمكن للأسر الفقيرة العيش لفترة طويلة بدون دخل، وغالبا ما لا يزيد على بضعة أيام.

هناك تحديات مماثلة في جميع أنحاء العالم، ففي البلدان المتقدمة، تستخدم الحكومات قدرتها على الاقتراض لتوفير حزمة مالية ضخمة تهدف إلى دعم الشركات والفقراء وعائلات الطبقة العاملة والمتوسطة المعرضة لخطر الوقوع في براثن الفقر بسبب حالات التسريح من العمل وإغلاق الشركات.

Ad

يجب على حكومات البلدان النامية إيجاد طُرق فعالة للقيام بالشيء نفسه، ويجب أن يكون توسيع الحماية الاجتماعية للوصول السريع إلى الفئات الضعيفة إحدى ركائز استراتيجية مكافحة وباء

«كوفيد- 19» في كل بلد، وتحقيقا لهذه الغاية يجب على الحكومات المحدودة الموارد النظر إلى التجارب السابقة والبحوث القائمة لتطوير أكثر البرامج فعالية وكفاءة ممكنة.

يستغرق إنشاء وتنفيذ برامج الحماية الاجتماعية الجديدة وقتا طويلا، لذا يجب على الحكومات الاعتماد على البرامج والمنصات الحالية لضمان حصول جميع الأشخاص على الموارد الكافية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، لا يمكن اعتماد نهج «مقاس واحد يناسب الجميع»؛ يجب على كل دولة تقييم الآليات الموجودة لديها بالفعل، ثم تحديد كيفية توسيعها أو إصلاحها.

ومع ذلك، هناك بعض التوجيهات العامة التي يمكن أن تساعد في هذا الصدد، يتعين على البلدان التي تعتمد برامج التحويلات النقدية توسيع نطاق تغطيتها ودفعاتها على الفور، نظرا إلى حجم الأزمة الاقتصادية، يجب تحويل التركيز من المخاوف بشأن حصول الأسر الغنية على مزايا لا تحتاجها نحو ضرورة ضمان حماية الفئات الهشة، بما في ذلك العمال غير الرسميين وأسر الطبقة المتوسطة، والتي لن تكون مؤهلة عادة لبرامج الرعاية. يقترح البحث الذي قمنا بإجرائه أن من شأن التطبيقات عند الطلب- التي تتطلب من العاطلين عن العمل القيام ببعض الخطوات البسيطة، عبر الإنترنت أو عبر الهاتف، للاستفادة من الإعانات- أن تساعد الحكومات على الوصول إلى عدد أكبر من الأشخاص المحتاجين، يمكن إجراء التحقق الإضافي في وقت لاحق.

علاوة على ذلك، يجب توجيه التحويلات النقدية إلى المناطق الأكثر تضررا، مثل المدن الكبرى، حيث تتركز عمليات الإغلاق وتساهم الكثافة السكانية العالية في تسريع انتشار العدوى، في غياب التحويلات النقدية لتخفيف الأزمة، سيهاجر الفقراء في المناطق الحضرية إلى مدنهم الأصلية، كما فعلوا في الهند، وينقلون الفيروس إلى مدن ومناطق ريفية أخرى، حيث سيصبح نظام الرعاية الصحية المحدود بالفعل ضعيفا للغاية.

يجب توزيع الفوائد عبر المنصات الرقمية حيثما أمكن، وبالتالي تمكين الناس من تجنب الاتصال الجسدي، وفي غياب مثل هذه المنصات، على الحكومات استخدام أي نقاط اتصال متاحة، على سبيل المثال، يمكن توزيع الإعانات المالية من خلال السلطات أو الشبكات المحلية باستخدام خدمات التوصيل إلى المنازل أو حسب مواعيد وأوقات الاستلام المتداخلة، استنادا إلى أرقام بطاقات التعريف الوطنية، في إندونيسيا، حيث نعمل الآن، يمتلك العديد من العمال غير الرسميين وعمال الطبقة المتوسطة حسابات معاشات تقاعدية حيث يمكن إيداع التحويلات، فضلا عن تخفيف قيود السحب المبكر.

ومع ذلك، قد تكون التحويلات النقدية وحدها غير كافية لحماية الفقراء من الفقر المدقع والجوع في حال انهيار سلاسل الإمدادات الغذائية، وعلى الحكومات أيضا مراقبة أسعار المواد الغذائية ومدى توافرها، كما يمكنها معالجة النقص المحلي من خلال توسيع برامج توزيع الغذاء المستهدفة، وتحرير مخزون المواد الغذائية عند الضرورة، وتنسيق التوزيع مع الشركات الخاصة.

علاوة على ذلك، يمكن للحكومات زيادة الدعم المالي المُقدم للتأمين الصحي العام الحالي (على الأقل بشكل مؤقت)، ومن شأن ذلك أن يعفي الأسر والشركات من عبء مدفوعات الرعاية الصحية ويقلل من خطر تعرض الأسر للتكاليف الطبية الباهظة في حال حدوث أزمة صحية.

في الأوقات الطبيعية، يكون الطلب على التأمين الصحي في البلدان النامية منخفضا، ويقدم الكثيرون طلب الاشتراك فقط عندما يكونون مرضى بالفعل، ولكن هذه ليست مجرد مسألة تفكير قصير الأجل، ومن شأن أنظمة التسجيل المُرهقة أو المُعطلة، والخدمات المنخفضة الجودة، ونقص الخبرة في مجال التأمين أن يمنع الناس من التسجيل.

يمكن أن تساعد الإعانات المؤقتة، إلى جانب إجراءات التسجيل البسيطة، في التغلب على هذه العقبات، مما يؤدي إلى تغطية أوسع للتأمين الصحي، حتى بعد وقف الإعانات المالية. هذا ما حدث في إندونيسيا عندما تم اختبار مثل هذا المخطط قبل الأزمة الحالية، وأدى تقديم إعانات مؤقتة للعمال غير الرسميين للتأمين على الصحة العامة إلى زيادة التغطية ثمانية أضعاف، دون زيادة تكاليف الوحدة، واستفاد العديد من العمال من التغطية الصحية بعد انتهاء فترة الإعانة.

يجب أن تتضمن الاستجابة لوباء «كوفيد- 19» الفعالة أيضا مساعدة الشركات الصغيرة الحجم، وتُمثل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم في القطاع الرسمي ما يقدر بـ90% من جميع الشركات و50% من العمالة في جميع أنحاء العالم، ومع ذلك، نظرا إلى أن هذه الشركات غالبا ما تفتقر إلى الاحتياطيات النقدية وتواجه قيودا ائتمانية شديدة، فلن ينجو العديد منها من تعليق الأنشطة المؤقتة دون دعم حكومي.

بالنسبة لشركات القطاع الرسمي، ينبغي للحكومات النظر في تأجيل مدفوعات الضرائب والإعفاءات الضريبية للقطاعات الأكثر تضررا، ويمكن للشركات غير الرسمية، التي تمثل عددا لا يحصى من الوظائف في البلدان النامية، أن تعمل مع البنوك والمؤسسات المالية المتعددة الأطراف لتوسيع خطوط الائتمان وإلغاء أو تعليق مدفوعات الديون.

يُجادل البعض أن الرفاهية والإعانات تُثني الناس عن العمل، لكن بحثنا يظهر أنه حتى في الظروف العادية، لا يعمل المستفيدون أقل أو يستثمرون بشكل مختلف، خلال هذه الفترة الاستثنائية من التباعد الاجتماعي وتدابير الإغلاق، يُصبح الجدال حول حوافز العمل أقل منطقية، وتُجبر الحكومات الناس على وقف النشاط الاقتصادي، لذلك من واجب الحكومات مساعدة هؤلاء الناس على البقاء.

* ريما حنا وبنجامين أولكين

* ريما حنا أستاذة دراسات جنوب شرق آسيا في كلية هارفارد كينيدي، ومديرة كلية أدلة هارفارد لتصميم السياسات والمديرة العلمية لجيه بال جنوب شرق آسيا. وبنجامين أولكن أستاذ الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومدير مختبر عبداللطيف جميل لمكافحة الفقر في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والمدير العلمي لجيه بال جنوب شرق آسيا.

«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»