قالت الجارية للملك: إني أراك أيها الملك مع عمالك ووزرائك مغشوشاً فإنما يريدون نكايتك وكيدك، حتى لا تحصل لك من ملكك هذه اللذة، ولا تنعم نعيماً ولا راحةً، بل يريدون أن تقضي عمرك في دفع المشقة عنهم، حتى إن عمرك يفنى بالنصَب والتعب، وتكون مثل الذي قتل نفسه لإصلاح غيره، أو تكون مثل الفتى واللصوص، فقال الملك: وكيف كان ذلك؟ فقالت: ذكروا أن سبعةً من اللصوص خرجوا ذات يوم يسرقون على عادتهم فمروا على بستان فيه جوز رطب فدخلوا ذلك البستان وإذا هم بولدٍ صغيرٍ واقف بينهم فقالوا: يا فتى هل لك أن تدخل معنا هذا البستان وتطلع هذه الشجرة وتأكل من جوزها كفايتك وترمي لنا منها جوزاً؟ فأجابهم الفتى إلى ذلك ودخل معهم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
خدعة اللصوص
وفي الليلة الثانية والتسعين بعد الخمسمئة قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الفتى لما أجاب اللصوص ودخل معهم قال بعضهم لبعض: انظروا إلى أخينا وأصغرنا فاصعدوه فقالوا: ما نرى فينا ألطف من هذا الفتى. فلما أصعده قالوا: يا فتى لا تلمس من الشجرة شيئاً لئلا يراك أخوك فيؤذيك فقال الفتى: وكيف أفعل؟ فقالوا له اقعد في وسطها وحرك كل غصنٍ منها تحريكاً قوياً حتى يتناثر ما فيه فنلتقطه، وإذا فرغ ما فيها ونزلت إلينا فخذ نصيبك مما التقطناه، فلما صعد الفتى على الشجرة صار يحرك كل غصن وحده، والجوز يتناثر منه واللصوص يجمعونه. فبينما هم كذلك إذا بصاحب الشجرة واقف عندهم، وهم على ذلك الحال، فقال لهم: ما لكم ولهذه الشجرة؟ فقالوا له: لم نأخذ منها شيئاً، غير أننا مررنا بها فرأينا هذا الفتى فوقها فاعتقدنا أنه صاحبها فطلبنا منه أن يطعمنا منها فهز بعض الأغصان حتى انتثر منها الجوز، ونحن ما لنا ذنبٌ، فقال صاحب الشجرة للغلام: فما تقول أنت؟ فقال: كذب هؤلاء، ولكنني أقول لك الحق وهو أننا أتينا جميعاً إلى هنا فأمروني بالصعود على هذه الشجرة لأهز الأغصان كي ينتثر الجوز عليهم، فامتثلت لأمرهم، فقال له صاحب الشجرة: لقد ألقيت نفسك في بلاءٍ عظيمٍ وهل انتفعت بأكل شيءٍ منها؟ فقال الغلام: ما أكلت منها شيئاً. فقال له صاحب الشجرة: لقد علمت الآن حماقتك وجهلك وهو أنك سعيت في تلف نفسك لإصلاح غيرك، ثم قال للصوص: ما لي عليكم سبيل امضوا إلى سبيلكم، وقبض على الولد وعاقبه وهكذا وزراؤك وأهل دولتك يريدون أن يهلكوك لإصلاح أمرهم ويفعلوا بك مثل ما فعل اللصوص بالفتى. فقال الملك: حقاً ما قلتِه، ولقد صدقت في خبرك فأنا لا أخرج إليهم ولا أترك لذاتي، وفي الصباح قام الوزير وجمع أرباب الدولة مع من حضر معهم من الرعية ثم جاؤوا إلى باب الملك مستبشرين فرحين فلم يفتح لهم الباب، ولم يخرج إليهم ولم يأذن لهم بالدخول عليه. فلما يئسوا من ذلك قالوا لشماس: أيها الوزير الفاضل والحكيم الكامل أما ترى حال هذا الصبي الصغير السن القليل العقل، الذي قد جمع إلى ذنوبه الكذب فانظر وعده لك كيف أخلفه ولم يف بما وعده وهذا ذنبٌ يجب أن نضيفه إلى ذنوبه، ولكن نرجو أن تدخل إليه ثانياً وتنظر ما السبب في تأخيره ومنعه عن الخروج، فإنا غير منكرين على طباعه الذميمة مثل هذا الأمر، فإنه بلغ غاية القساوة. ثم توجه شماس إليه ودخل عليه وقال: السلام عليك أيها الملك ما لي أراك قد أقبلت على شيءٍ يسير من اللذة وتركت الأمر الكبير الذي ينبغي الاعتناء به، وكنت مثل الذي له ناقةٌ وهو منطوٍ على لبنها فألهاه حسن لبنها عن زمامها فأقبل يوماً على حلبها ولم يعتن بزمامها، فلما أحست الناقة بترك الزمام جذبت نفسها وطلبت الفضاء فصار الرجل فاقد اللبن والناقة، مع أن ضرر ما لقيه أكثر من نفعه، فانظر أيها الملك فيما فيه صلاح نفسك ورعيتك، فإنه ليس ينبغي للرجل أن يديم الجلوس على باب المطبخ من أجل حاجته إلى الطعام، ولا ينبغي له أن يكثر الجلوس مع النساء من أجل ميله إليهن، وكما أن الرجل يبتغي من الطعام ما يدفع ألم الجوع، ومن الشراب ما يدفع ألم العطش لذلك ينبغي للحاكم أن ينظر في مصالح نفسه وفي مصالح رعيته ولا يطيل المكث مع النساء، وإياك أن تلبس ثوب الجهل بعد ثوب الحكمة والعلم، أو تتبع الرأي الفاسد بعد معرفتك للرأي الرشيد النافع، فلا تتبع لذةً يسيرة مصيرها إلى الفساد ومآلها إلى الخسران الزائد الشديد. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.
الوعد الثاني
وفي الليلة الثالثة والتسعين بعد الخمسمئة قالت: لما سمع الملك ذلك من شماس قال له: لا تقلق، غدا أخرج إليهم، ثم خرج شماس إلى الحاضرين من كبراء المملكة وأعلمهم بما قال الملك، فبلغ المرأة ما قاله شماس فدخلت على الملك، وقالت له إنما الرعية عبيد للملك، والآن رأيت أنك أيها الملك عبدٌ لرعيتك بحيث تهاجم وتخاف شرهم، وهم إنما يريدون أن يختبروا باطنك فإن وجدوك ضعيفاً تهاونوا بك، وإن وجدوك شجاعاً هابوك وكذلك يفعل وزراء السوء بملكهم، لأن حيلهم كثيرةٌ وقد أوضحت لك حقيقة كيدهم فإن وافقتهم على ما يريدون أخرجوك من أمرك إلى مرادهم، ولم يزالوا ينقلونك من أمرٍ إلى أمرٍ حتى يوقعوك في الهلكة ويكون مثلك مثل التاجر واللصوص. فقال الملك: وكيف كان ذلك قالت: بلغني أنه كان تاجرٌ له مالٌ كثيرٌ فانطلق بتجارة ليبيعها في بعض المدن، فلما انتهى إلى المدينة اكترى له منزلاً ونزل فيه فنظره لصوصٌ كانوا يراقبون التاجر لسرقة متاعه فانطلقوا إلى منزل ذلك التاجر واحتالوا في الدخول عليه فلم يجدوا لهم سبيلاً إلى ذلك، فقال لهم رئيسهم: أنا أكفيكم أمره، ثم إنه انطلق فلبس ثياب الأطباء وجعل على عاتقه جراباً فيه شيء من الدواء وأقبل ينادي من يحتاج إلى طبيب حتى وصل إلى منزل ذلك التاجر فرآه جالساً على غدائه، فقال له: أتريد لك طبيباً؟ فقال: لست محتاجاً إلى الطبيب، ولكن اقعد وكل معي فقعد اللص مقابله وجعل يأكل معه، وكان ذلك التاجر جيد الأكل. فقال اللص في نفسه: لقد وجدت فرصتي. ثم التفت إلى التاجر وقال له: لقد وجب علي نصيحتك لما حصل لي من إحسانك، وليس يمكن أن أخفي عليك نصيحةً، وهو أني أراك رجلاً كثير الأكل، وهذا سببه مرض في معدتك، فإن لم تبادر بالسعي على دوائك إلا آل أمرك إلى الهلاك، فقال التاجر إن جسمي صحيح ومعدتي سريعة الهضم، وإن كنت جيد الأكل فليس ببدني مرضٌ، فقال له اللص إنما ذلك بحسب ما يظهر لك، وإلا فقد عرفت أن في باطنك مرضاً خفياً فإن أنت أطعتني فداوِ نفسك، فقال التاجر وأين أجد من يعرف دوائي، فقال له اللص إنما المداوي هو الله، ولكن الطبيب مثلي يعالج المريض على قدر إمكانه.فقال له التاجر أرني الآن دوائي وأعطني منه شيئاً فأعطاه سفوفاً فيه صبرٌ كثيرٌ، وقال له استعمل هذا في هذه الليلة فأخذه منه، ولما كان الليل تعاطى منه شيء فرآه صبراً كريه الطعم فلم ينكر منه شيء، فلما تناوله وجد منه خفةً في تلك الليلة فلما كانت الليلة الثانية جاء اللص ومعه دواءٌ فيه صبر أكثر من الأول فأعطاه منه شيئا فلما تعاطاه أسهله تلك الليلة، ولكنه صبر على ذلك، ولم ينكره فلما رأى اللص أن التاجر اعتني بقوله واستأمنه على نفسه وتحقق أنه لا يخالفه انطلق وجاء بدواءٍ قاتلٍ وأعطاه له فأخذه منه التاجر وشربه، فعندما شرب ذلك الدواء نزل ما كان في بطنه وتقطعت أمعاؤه وأصبح ميتاً، فقام اللصوص وأخذوا جميع ما كان للتاجر، وإني أيها الملك ما قلت لك هذا إلا لأجل أنك لا تقبل من هذا المخادع كلاماً فتلحقك أمور تهلك بها نفسك، فقال الملك: صدقت فأنا لا أخرج إليهم.نذر الثورة
فلما أصبح الصباح اجتمع الناس وجاؤوا إلى باب الملك وقعدوا أكثر النهار حتى يئسوا من خروجه، ثم رجعوا إلى شماس وقالوا له أيها الفيلسوف الحكيم الماهر أما ترى هذا الولد الجاهل لا يزداد إلا كذباً علينا وإن خراج الملك من يده واستبدال غيره به فيه الصواب فتنتظم بذلك أحوالنا وتستقيم أمورنا، ولكن ادخل إليه ثالثاً وأعلمه أنه لا يمنعنا من القيام عليه ونزع الملك منه إلا إحسان والده إلينا، وما أخذه علينا من العهود والمواثيق، ونحن مجتمعون في غدٍ عن آخرنا بسلاحنا ونهدم باب هذا الحصن، فإن خرج إلينا وصنع لنا ما نحب فلا بأس، وإلا دخلنا عليه وقتلناه وجعلنا الملك في يد غيره. فانطلق الوزير شماس ودخل على الملك وقال له: أيها الملك المنهمك في شهواته ولهوه، ما هذا الذي تصنعه بنفسك، فيا هل ترى من يغريك على هذا فإن كنت أنت الجاني على نفسك، فقد زال ما نعهده لك من الصلاحية والحكمة والفصاحة، فليت شعري من الذي حولك ونقلك من العلم إلى الجهل ومن الوفاء إلى الجفاء ومن اللين إلى القسوة ومن قبولك مني إلى إعراضك عني، فكيف نصحتك ثلاث مراتٍ ولم تقبل نصيحتي، وأشير عليك بالصواب وتخالف مشورتي؟ فأخبرني ما هذه الغفلة وما هذا اللهو ومن أغراك عليه؟ اعلم أن أهل مملكتك قد تواعدوا على أنهم يدخلون عليك ويقتلونك ويعطون ملكك لغيرك. فهل لك قوةٌ على جميعهم والنجاة من أيديهم أو تقدر على حياة نفسك بعد قتلها، فإن كنت أعطيت هذا كله آمنت من قبلهم فلا حاجة لك بكلامي، وإن كان حاجتك إلى الدنيا والملك، فأفق لنفسك واضبط ملكك وأظهر للناس قوة بأسك وأعلمهم بأعذارك، فإنهم يريدون انتزاع ما في يدك وتسليمه إلى غيرك، وقد عزموا على العصيان والمخالفة وصار دليل ذلك ما يلمونه من صغر سنك ومن انكبابك على اللهو والشهوات، فإن الحجارة إذا طار مكثها في الماء متى أخرجت منه وضربت بعضها بعضاً تقدمت منها النار والآن رعيتك خلقٌ كثيرون يتكاتفون عليك ويريدون نقل الملك منك إلى غيرك، ويبلغون فيك ما يريدون من هلاكك، ويكون مثلك مثل الثعلب والذئب، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.الثعالب والذئب
وفي الليلة الرابعة والتسعين بهد الخمسمئة قالت: فقال الملك وكيف كان ذلك، قال زعموا أن جماعةً من الثعالب خرجوا ذات يوم يطلبون ما يأكلون فبينما هم يجولون في طلب ذلك إذا هم بجملٍ ميت فقالوا في أنفسهم قد وجدنا ما نعيش به زمناً طويلاً ولكن نخاف أن يبغي بعضناً على بعض ويميل القوي بقوته على الضعيف فيهلك الضعيف منا، فينبغي لنا أن نطلب حكماً يحكم بيننا ونجعل له نصيباً فلا يكون للقوي سلطة على الضعيف. فبينما هم يتشاورون في شأن ذلك إذا بذئبٍ أقبل عليهم فقال بعضهم لبعضٍ إن أصاب رأيكم فاجعلوا هذا الذئب حكماً بيننا، لأنه الأقوى وأبوه سابقاً كان سلطاناً علينا ثم توجهوا إليه وأخبروه بما صار إليه رأيهم، وقالوا لقد حكمناك بيننا لأجل أن تعطى لكل واحدٍ منا ما يقوته في كل يومٍ على قدر حاجته لئلا يبغي قوينا على ضعيفنا، فيهلك بعضنا بعضاً، فأجابهم الذئب إلى قولهم وتعاطي أمورهم، وقسم عليهم في ذلك اليوم ما كفاهم. فلما كان من الغد قال الذئب في نفسه إن قسمة هذا الجمل بين هؤلاء العاجزين لا يعود علي شيء منها إلا الجزء الذي جعلوه لي، وإن أكلته وحدي فهم لا يستطيعون لي ضراً مع أنه غنم لي ولأهل بيتي، فمن الذي يمنعني من أخذ هذا لنفسي، ولعل الله مسببه لي، فالأحسن لي أن أختص به دونهم، ومن هذا الوقت لا أعطيهم شيئاً فلما أصبح الثعالب جاؤوا إليه على العادة يطلبون منه قوتهم، فقالوا له يا أبا سرحان أعطنا مؤونة يومنا. فأجابهم قائلاً: ما بقي عندي شيءٌ أعطيه لكم، فذهبوا من عنده على أسوأ حال، ثم قالوا إن الله أوقعنا في همٍ عظيم مع هذا الخائن الخبيث، ثم قال بعضهم لبعضٍ إنما حمله على هذا الأمر ضرورة الجوع فدعوه اليوم يأكل حتى يشبع وفي غدٍ نذهب إليه، فلما أصبحوا توجهوا إليه وقالوا له يا أبا سرحان إنما وليناك علينا لأجل أن تدفع لكل واحدٍ منا قوته وتنتصر للضعيف من القوي، وإذا فرغ تجتهد لنا في تحصيل غيره ونصير دائماً تحت كنفك ورعايتك، وقد مسنا الجوع ولنا يومان ما أكلنا، فأعطنا مؤونتنا وأنت في حلٍ من جميع ما تتصرف فيه من دون ذلك، فلم يرد عليهم جواباً، بل ازداد قسوةً فراجعوه فلم يرجع. فقال بعضهم لبعضٍ ليس لنا حيلةٌ إلا أننا ننطلق إلى الأسد ونرمي أنفسنا عليه، ونجعل له الجمل فإن أحسن لنا بشيءٍ منه كان من فضله، وإلا فهو أحق به من هذا الخبيث، ثم انطلقوا إلى الأسد وأخبروه بما حصل لهم مع الذئب، ثم قالوا له: نحن عبيدك وقد جئناك مستجيرين بك لتخلصنا من هذا الذئب، ونصير لك عبيداً فلما سمع الأسد كلام الثعالب أخذته الحمية ومضى معهم إلى الذئب فلما رأى الأسد مقبلاً طلب الفرار من قدامه فجرى الأسد خلفه وقبض عليه ومزقه قطعاً، ومكن الثعالب من فريستهم، فمن هذا عرفنا أنه لا ينبغي لأحد من الملوك أن يتهاون في أمر رعيته فاقبل نصيحتي وصدق القول الذي قلته لك، واعلم أن أباك قبل وفاته قد أوصاك بقبول النصيحة، وهذا آخر كلامي معك والسلام. فقال الملك إني سامعٌ منك وفي الغد أطلع إليهم، فخرج شماس من عنده وأخبرهم بأن الملك قبل نصيحته ووعده في غدٍ أنه يخرج إليهم. اللص والراعي وصورة الأسد
في استكمال لحكاية ورد خان قالت شهرزاد إن الملكة عندما علمت بما أطاق الملك من كلمات شماس، وتحققت أنه لا بد من خروج الملك إلى الرعية، أقبلت على الملك مسرعةً، وقالت له: ما أكثر تعجبي من إذعانك وطاعتك لعبيدك، أما تعلم أن وزراءك هؤلاء عبيدٌ لك، فلأي شيءٍ رفعتهم هذه الرفعة العظيمة حتى أوهمتهم أنهم هم الذين أعطوك هذا الملك ورفعوك هذه الرفعة، وإنهم أعطوك العطايا مع أنهم لا يقدرون أن يفعلوا معك أدنى مكروه، فكان من حقك عدم الخضوع لهم، بل عليهم الخضوع لك وتنفيذ أمورك فكيف تكون مرعوباً منهم هذا الرعب العظيم، وقد قيل: إذا لم يكن قلبك مثل الحديد لا تصلح أن تكون ملكاً، وهؤلاء غرهم حلمك حتى تجاسروا عليك ونبذوا طاعتك مع أنه ينبغي أن يكونوا مقهورين على طاعتك مجبورين على الانقياد إليك، فإن أنت سارعت لقبول كلامهم وأهملتهم على ما هم فيه وقضيت لهم أدنى حاجة على غير مرادك ثقلوا عليك وطمعوا فيك وتصير لهم هذه عادةٌ، فإن أطعتني ألا ترفع لأحد منهم شأناً ولا تقبل لأحد منهم كلاماً، ولا تطمعهم في التجاسر عليك فتصير مثل الراعي. فقال لها الملك وكيف كان ذلك؟ قالت: زعموا أنه كان رجلٌ راعي غنم، وكان محافظاً على رعايتها فأتاه لص ذات ليلة يريد أن يسرق من غنمه شيئاً فرآه محافظاً عليها لا ينام ليلاً ولا يغفل نهاراً، فصار يحاوله طول ليله فلم يظفر منه بشيءٍ، فلما أعيته الحيلة انطلق إلى البرية واصطاد أسداً وسلخ جلده وحشاه تبنا، ثم أتى به ونصبه على محل عالٍ في البرية بحيث يراه الراعي ويتحققه ثم أقبل اللص على الراعي، وقال له إن هذا الأسد قد أرسلني إليك يطلب عشاءه من هذه الغنم، فقال له الراعي، وأين الأسد؟ فقال له اللص ارفع بصرك ها هو واقفٌ، فرفع الراعي رأسه فرأى صورة الأسد فلما رآها ظن أنها أسدٌ حقيقي، ففزع منها فزعاً شديداً. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.وإلى اللقاء في حلقة الغد